ميج وميراج 1 + 2
ميج وميراج
1
خالد الأحمد
رواية تاريخية إسلامية ، كتبت عام (1984)، تعالج حدثاً تاريخياً كبيراً جداً في جيلنا – نحن جيل الاستقلال – تعالج حرب الأيام الستة بين الأنظمة العربية التقدمية والصهاينة ، التي انهزمت فيها الأنظمة التقدمية العربية ، فالتقدمية والرجعية ، والتنكيل بالدعاة ، كان يجري في البلدين سوريا ومصر، وإن كان عبد الناصر له قصب السبق في محاربة الحركة الإسلامية .... والميج طائرة روسية مقاتلة كانت عند المصريين والسوريين عام (1967م) ، أما الميراج فهي طائرة حربية فرنسية كانت تشكل معظم سلاح الجو الصهيوني عام (1967م) .
(1)
- اسمك منذ الآن ( آرام نوير ) وليس ( باروخ ماندل ) .قالها (فيشل) رئيس الموساد الصهيوني .
- من هو آرام نوير ؟ ولماذا ؟
- سوف تعرف كل شيء من فريق المدربين الممتاز الذي اخترته لك ، وإياك أن تنسى المهمة الأساسية لك وهي : تدمير سلاح الجو المصري .
* * *
مرت الأيام مشحونة بالعمل والتدريب ، حيث تعلم ( آرام نوير ) لغة الترك ، ودفن آرام نوير الحقيقي ( التركي ) الذي استدرجته الموساد من استامبول إلى تل أبيب بعد دراسة كافية حول وضعه الاجتماعي حيث يعيش في استامبول بلازوجة ولا أولاد ، وليس له ثمة أقارب يهتمون به ، وسلبت كل أوراقه الشخصية التي بحوزته ليمتلكها ( آرام نوير ) الجديد . وعرف ( آرام نوير ) أن مهمته تمر بمراحل ثلاث : 1- السفر إلى استامبول وبيع جميع ممتلكات ( آرام نوير ) وتصفية أمواله هناك . 2- مغادرة استامبول إلى باريس . 3 – دخول القاهرة .
* * *
لم تكن أشهر التدريب سهلة ، لولا القدرات العقلية المتفوقة عنده ، فالتكلم بالتركية ، ثم الفرنسية ، ثم العربية ، والاطلاع على الدين الإسلامي ، وممارسة بعض شعائره ، ثم التدريبات العسكرية اللازمة لاستخدام الجهاز اللاسلكي ، وفك أجزائه ثم إعادة تركيبها ليسهل نقله من دولة إلى أخرى ...ثم دراسة نفسية الإنسان العربي المصري ، والأحوال السياسية والاجتماعية في مصر ، ومهما كثرت التدريبات فإن الإيمان العميق بسمو الهدف، والتضحية من أجل إعادة كيان إسرائيل وإقامة مملكة سليمان، إلى جانب الذكاء اللامع ، وفريق المدربين العظيم ، ذلك كله جعل المهمة ممكنة ، حتى أصبح ( باروخ ماندل ) خلال سنة واحدة نسخة مطابقة ل ( آرام نوير ) .
* * *
استدعاه فيشل ليودعه في مكتبه قبل سفره بيوم واحد ، واستقبله عند الباب وهو يقول : أهلاً ، آرام ، طلبتك لأودعك وأذكرك بأن مستقبل إسرائيل يتوقف على نجاح مهمتك ياعزيزي آرام ، سيكون معنا إله إسرائيل ، هل فهمت الوسيلتين الذهبيتين ؟ - نعم ، الخمر والنساء . – كما عرفت ، استخلص حكماؤنا بعد دراسات طويلة حول الإنسان العربي المعاصر المتحرر من دينه الإسلام ، هذا الإنسان يعبد الخمر والنساء ، كما كان أجداده يعبدون اللات والعزى ، ومن البدهي أن حكماءنا لهم أصابع طويلة ، لاتسمح لغير هؤلاء المتحررين من الإسلام بالوصول إلى كراسي الحكم ، ومواقع المسؤولية ، لاتسمح لغير هؤلاء ( التقدميين ) الذين تحرروا من دينهم ، وتمنع ( الرجعيين ) الذين يحافظون ويتمسكون بدينهم ، تمنعهم من الوصول إلى مواقع المسؤولية ، لأننا لانستطيع أن نحركهم كما نريد ، سوف ترى ياعزيزي أنك تتعامل مع ( الجوييم ) يحبون المدح والإطراء كثيراً ، فأجزل لهم المدح والإطراء ، وانفخهم حتى ينتفخوا كالطبول الفارغة ، ابذل الأموال عليهم ، ألم يعلموك في الموساد تجارة السلاح ؟ - بلى علموني ذلك ... – وتجارة السلاح تدر أموالاً طائلة تغطي ماستنفقه عليهم بسخاء ، ومن ورائك خزينة إسرائيل كلها تحت أوامرك ... وأخيراً أنت ذكي ، ومؤمن بإله إسرائيل ، وهذا لايغنيك عن التعاون التام الدقيق مع رجال الموساد في استامبول وباريس والقاهرة ، الذين سيكلفون بتسهيل مهمتك العظيمة ...ثم خرج معه إلى باب المكتب ، وعانقه ، وشد على يديه قائلاً : سيكون إله إسرائيل معك ... ثم عاد ( فيشل ) إلى مكتبه يرفع نظارته عن عينيه ثم يمسحها ، ثم يغمض عينيه ويسرح في روابي التأمل يسبق السنوات ليرى هيكل سليمان في القدس ، ويرى إسرائيل من الفرات إلى النيل ، وموسكو وواشنطن يخطبان ود الدولة العظمى ( إسرائيل) ، ثم يفتح عينيه ويقول لنفسه : أصابع الموساد طويلة ، تمتد إلى أي مكان ..
* * *
- هبطت طائرة خطوط شركة العال الإسرائيلية قادمة من تل أبيب ، تردد هذا البيان في صالة الاستقبال بمطار أتاتورك الدولي في استانبول ، ودخل تواً سائق تكسي إلى الصالة ، ثم صعد إلى الشرفة ينظر إلى ركاب الدرجة الأولى عند هبوطهم سلم الطائرة ، ويتفرس فيهم جيداً ، ثم قال لنفسه :
- هو ذاك ، يكاد أن يطابقه ، وتابعه حتى خرج من الصالة فتقدم نحوه وحياه بأدب جم وقال : _ هل تريد تكسي ياسيدي مستر آرام ؟ ، نظر ( آرام ) إليه ورأى ربطة العنق المتفق عليها ، ثم لبث صامتاً ينتظر الخطوة الثانية في التعارف ، فأخرج السائق علبة السجائر المذهبة ، وأخرج منها ثلاث سجائر ( بول مول ) قدمها له وقال : - هل تدخن ياسيدي ؟ أخذ ( آرام ) السيجارة ووضعها في فمه ، وقال : _ أين سيارتك ؟ - هذه هي . فنظر ( آرام ) إلى لوحة السيارة ورقمها الذي ينتهي بالصفر، وهي الخطوة الثالثة والأخيرة في التعارف .
- عندما انطلقت السيارة مخلفة المطار وراءها ، قال ( آرام ) : أتعرف البيت جيداً ؟ كما أعرفك ياسيدي ، هل نسيت بيتك ،( وضحك ) . سكت ( آرام ) ولم يجب ، بينما راحت السيارة تنهب الشوارع ، شوارع آخر عاصمة للخلافة الإسلامية ، وتجوب ساحات مملوءة بالناس ، دخلت الحي القديم قرب السليمانية ، وهناك اتجهت يميناً ؛ حتى وصلت أخيراً إلى بيت ( آرام نوير ) الحقيقي .
- نزل ( آرام ) الجديد ودخل البيت بعد أن عرفه السائق بالبيت والحديقة والسور ، وأعطاه بطاقة باسم مكتب التكسي فيها رقم الهاتف ، ثم قال : أي خدمة ياسيدي ؟ هل تسمح لي بالانصراف ؟ ثم مضى .
يقول الإعلان الذي ألصق بالحي وساحاته ( آرام نوير يبيع داره وعقاراته ، لأنه سينتقل إلى باريس )، وانتشر الخبر في الحي ، الذي لم يأسف على ( آرام ) الثري الذي لم ينفع الحي ، بل كان يعيش لنفسه ، ويكدس الأموال من حلال أو حرام ، ويسلب الفقراء لقمة عيشهم ، حتى أن أهل الحي أطلقوا عليه لقب ( اليهودي ) ، وقد زادت نقمة أهل الحي عليه عندما عرفوا أنه سافر إلى إسرائيل ، وبقي قرابة سنة فيها ، يبحث عن مشاريع جديدة يمص منها الأموال ، لذلك كانت الفرحة بادية على وجوه سكان الحي، وصاروا يهنأون بعضهم ، ويقولون عسى أن تعجبه باريس، ويبقى فيها طول حياته ، وفي باريس تهريب السلاح إلى إسرائيل وسيكسب أموالاً كثيرة ؟؟؟ وفي أيام قليلة باع الدار وجميع العقارات ، ثم دفعها في البنك، ليحولها إلى باريس ،وطلب سائق التكسي الذي أوصله إلى المطار .
(2)
- سيداتي آنساتي سادتي ، نهبط الآن في مطار باريس ، أرجو أن تشدوا الأحزمة ، وأن تتوقفوا عن التدخين ، قالت المضيفة باللغة الفرنسية حيث تتلاحق السينات في جرس فرنسي خالص .
أجرى معاملاته في المطار ثم حط رحاله في فندق شيراتون ، حيث الدبلوماسيون العرب والمسلمون يبذرون أموال شعوبهم على موائد القمار ، ونعال المومسات ، وبعد ثلاثة أيام ذهب إلى الاستقبال بالفندق وقال له :
- عندما يصل جزائريون أخبرني، أود مقالبتهم ،
- يوجد جزائريان منذ أيام عندنا، يشربان القهوة عصر كل يوم في حديقة الفندق...
– هل هم عملاء الفندق ؟
- نعم منذ فترة طويلة ...
يتبع...