الاقتتالُ الفصائليُّ في إدلب: جولةٌ أَمْ نهايةُ مسار؟

تتباينُ الآراءُ حول توصيف الاقتتال الفصائليّ الذي تشهدُه إدلب، و ما جاورها من أرياف حماة و حلب و اللاذقية، أو فيما بات يُعرف ( منطقة خفض التصعيد الرابعة )، بين هيئة تحرير الشام و بقايا الفصائل المنضوية تحت سلطتها، و بين جبهة تحرير سورية ( المشكّلة حديثًا) و جملة الفصائل التي صالَتْ عليها القاعدة ( جبهةُ النصرة، أو الهيئة ).

أهو جولة اقتتال فصائليّ جديدة، شهدته الثورة على مدى خمس سنوات، بين مكوناتها من الفصائل المحلية، في مواجهة تنظيم القاعدة بفرعيه ( داعش، و النصرة )؟.

أم أنّه إرهاصات نهاية مسار من بين ثلاث مسارات مرّت فيها الثورةُ السورية:

ـ المسار الثوريّ.

ـ المسار الجهاديّ المحليّ.

ـ المسار الجهاديّ المُعَوْلَم؟.

تذهبُ الآراءُ إلى أنّ هذه الجولة، التي نشبت على أثر مقتل مسؤول التعليم بإدارة شؤون المهاجرين في الهيئة، ( أبو أيمن المصري: إبراهيم محمد صالح البنا )، على يد حاجز للزنكي، في قرية الهوتة، في ريف حلب الغربي، يوم الجمعة: 16/ 2/ 2018، ليست سوى قمة جبل الثلج في مجريات الملف السوريّ.

إذْ إنّ هذا الملف و هو على مشارف 2018، قد شهد انعطافة كبرى، فلقد رأت الدول المتدخّلة فيه، أنّ مرحلةً جديدة ينبغي أن يشهدها، بعد أن استوت الأمور على ما تريد.

فالثورة و قد انحرفت عن مسارها، و النظام و قد فَقَدَ جلّ الأوراق من يديه، و من يُراد لها من الدول أن تغوص أقدامها في الوحل السوريّ قد أنهكت، و الحضور الدوليّ و الإقليميّ على الخارطة السورية قد أصبح أمرًا واقعًا، و ورقة داعش قد طويت في العراق و سورية؛ فقد حان وقت تبريد السطح السوريّ لتجلس عليه الأطراف المعنية، لتتقاسم مناطق نفوذها، و تبدأ مرحلة الاستثمار لما بدأته فيه من تدخّلات، خشنة أو ناعمة، و بذلك تكون مرحلة تقاسم النفوذ قد انتهت، لتبدأ معها مرحلة الحفاظ عليه.

 فالأمريكان قد استحوذوا على ثلث الجغرافية السورية، من شرق الفرات وصولاً إلى الحدود الأردنية، حيث 85% من النفط السوري و السدود المائية و الزراعة الاستراتيجية، و الأهمّ من ذلك عقدة طرق المنطقة، و الروس وضعوا يدهم على الساحل و على مناجم الفوسفات و 85% من الغاز السوري، و الأتراك على منطقة نفوذ تتجاوز 10 ألف كم2، بدءًا من غرب الفرات و حتى الساحل، بعمق يتراوح ما بين 15 إلى 40 كم في العمق السوري ( في إدلب تحديدًا )، جعلتها منطقة آمنة تتخلّص فيها من كثير من الأمور التي تقلقها، سواءٌ من جهة السوريين الذين لم يندمجوا في المجتمع التركي، أو في أوروبا بناء على اتفاقية عودة المهجَّرين الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في: 19/ 2/ 2016، أو من جهة الأكراد الذي سببوا لها صداعًا مزمنًا.

لقد اتجهت الأنظار عقب معارك شرق إدلب، إلى مزيد من التغيّرات التي سيشهدها الملف السوريّ، و لعلّ أولها ما سيكون في إدلب كما صرّح الرئيس أردوغان، فتنظيم القاعدة المصنّف على قوائم الإرهاب في وزارة الخارجية التركية، لا يمكن أن يكون شريكًا لتركيا في إدلب، التي غدت من نصيها في تفاهمات أستانا، ولاسيما بعد انخراط هيئة تحرير الشام باتصالات مع أطراف أخرى، من أجل أن تسوِّق لنفسها كطرف ممسك بالأرض يصعب التخلّي عنه، و لاسيما في الملف الأمني.

و بعدما وقفت عائقًا أمام الرغبة التركية، في فتح محور لغصن الزيتون من جهة إدلب باتجاه جنديرس، و بعد سقوطها العسكريّ في معارك شرق السكة، و الأخلاقي أمام الحواضن الشعبية بتخليها عن كثيرٍ من الشعارات، التي سوّقتها حينما التهمت خصومها من الفصائل الأخرى.

و عليه فإنّ كثيرًا من المراقبين لَيَذهبون إلى أنّ مسار الجهادية المُعَوْلَم قد فَقَدَ ألقَهُ لدى الحواضن الشعبية، و انتهت وظيفتُه في الملف السوريّ، و حان أوانُ العودة فيه إلى المسار الثوريّ.

 و هو ما اقتنعت به حتى الفصائل ذات السمة الجهادية، المصنّفة ضمن إطار السلفية الوطنية، التي بادرت حتى في خلع هذا الرداء عنها، و استعاضت عنه برداء ثوريّ، بانَتْ مظاهرُه حتى في التسمية التي اختارتها، تمهيدًا للاستدارة التي تنوي القيام بها نحو المحلية الوطنية، و استعدادً للخوض في مرحلة فيما بعد تفرّعات القاعدة في المشهد السوريّ.   

وسوم: العدد 761