الاغتصاب بين الأزواج دعوة باطلة لتفكيك الأسر المسلمة وضرب الإسلام في العمق ونقض إحدى أهم عراه
لا تخرج اليوم الضجة الإعلامية الضخمة غير المسبوقة مع تسليط الأضواء بقوة على موضوع الأسرة والمرأة في المجتمعات الإسلامية عن الحملة المنسقة والمغرضة التي تقف وراءها جهات أجنبية لها طوابير خامسة في بلاد الإسلام لضرب الأمة المسلمة في صميم دينها . ولا يمكن فصل قضية الأسرة والمرأة عن قضايا أخرى تثار لتجريم الإسلام وأهله بغرض صرفهم عنه إلى بديل تريد قوى مهيمنة في العالم فرضه بشتى الطرق والأساليب والوسائل . ولا تقل الحرب الإعلامية ضد الإسلام ضراوة عن الحرب الدامية التي أضرمت عمدا في أقطار عربية وإسلامية ،وهي تستهدفه أساسا . وكما تصرح جهات أجنبية وطوابيرها الخامسة بشن حرب ضد ما تسميه الإسلام السياسي ، فإنها تصرح بشن حرب على الإسلام الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي لأن هذا الدين منهاج حياة ،وليس مجرد طقوس تعبدية تجعله على هامش الحياة ليخلو الجو لبديل عنه له الحق وحده في تغطية كل مجالاتها سياسيا، واجتماعيا ،واقتصاديا، وثقافيا.
وتنطلق الحرب ضد الإسلام الاجتماعي من استهداف الأسرة المسلمة التي تعد نواة المجتمع الإسلامي الصلبة والذي ينهار بانهيارها. وتغيير المجتمع المسلم من نمط حياة إلى آخر ينطلق من ضرب هذه النواة في الصميم . وعلى غرار الخطط الماكرة والخبيثة في محاربة ما يسمى بالإسلام السياسي، وضعت خطط مشابهة لمحاربة الإسلام الاجتماعي . فبالنسبة للإسلام السياسي تم خلق عصابات إجرامية مأجورة ومرتزقة ، رفعت شعار الإسلام ، وباسمه ارتكبت الفظائع لتشويهه، ولتنفير أتباعه منه، ولزعزعة ثقتهم فيه لأنه لا أحد يمكن أن يقبل بتلك الفظائع المرتكبة باسمه . وسهل بعد ذلك على الجهات المستهدفة للإسلام تعميم وصف العصابات الإجرامية على كل من يحمل فكرة الإسلام هو الحل، ليبقى الحل الوحيد هو ما تريده تلك الجهات لا غير .
ولما كانت فظائع العصابات الإجرامية باسم الإسلام افتراء عليه عبارة عن سفك للدماء ، واغتصاب للأعراض ، فقد ربطت الجهات المعادية للإسلام بين محاربة ما سمته الإسلام السياسي، ومحاربة ما لم تسمه، وهو الإسلام الاجتماعي حيث تم تعميم جرائم الاغتصاب التي مارستها تلك العصابات الإجرامية على غيرهم ممن يرفعون شعار الإسلام هو الحل ، فصرنا نسمع باغتصاب الأزواج المسلمون لزوجاتهم . وارتفعت الدعوات لمحاربة هذا الاغتصاب المتوهم داخل أسر مسلمة عاشت قرونا لم تعرف شيئا اسمه الاغتصاب، لأن الاغتصاب لغة هو أخذ الشيء غصبا، أو قهرا، أوظلما ، ودون وجه حق ، ويطلق الاغتصاب الجنسي على ممارسة الرجل الجنس مع امرأة دون رضاها بالقوة والترهيب . ولا يمكن أن يطلق الاغتصاب على العلاقة الزوجية عند المسلمين ،لأن هذه العلاقة تقوم أساسا على الرضا حيث يعبر الرجل عن رغبته في الاقتران بالمرأة، وتعبر هي عن قبولها ورضاها بذلك ، ولا يصح عقد النكاح بينهما إلا بشرط الرضا . وتقوم العلاقة الزوجية في الإسلام على المودة والرحمة لقوله تعالى في محكم التنزيل : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ))، فمن المستحيل أن ينعدم الرضا في علاقة تطبعها السكينة، والمودة، والرحمة أو أن يوجد فيها القهر والإكراه . ولقد فصل القرآن الكريم في أمر العلاقة الجنسية بين المسلم والمسلمة حيث قال الله تعالى : (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ))، ومعلوم أن الرفث يطلق على الجماع ومقدماته ، وأن كون الأزواج بعضهم لباس بعض يدل على الملابسة وشدة الاتصال ، وهو أمر عبر عنه القرآن الكريم بالإفضاء في قوله تعالى : (( وقد أفضى بعضكم إلى بعض )) والإفضاء هو الوصول ، وهو مشتق من الفضاء لأن في الوصول قطع الفضاء بين المتواصلين . ومن تفصيل القرآن الكريم في أمر العلاقة الجنسية أيضا قوله تعالى : (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) والحرث يطلق على أنواع المحروث ، وتشبه النساء بالحرث كما يشبه الولد بالزرع . ومعلوم أن الظرف " أني " يفيد الزمان والمكان والكيف ، والمقصود به حسب كتب التفسير، هو إتيان المرأة في قبلها، وهو منبت الولد لقوله تعالى : (( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله )). وإذا وقع الإتيان من حيث أمر الله عز وجل، فالكيف لا إشكال فيه إقبالا أو إدبارا أو اضطجاعا أو قياما أو انحرافا...أو غير ذلك.
ولا ندري كيف يكون اغتصاب زوج مسلم لزوجته، وقد ارتبطا بعلاقة زوجية وهما لباس بعضهما ، و فيها إفضاء أحدهما إلى الآخر ،واستحلال أحدهما فرج الآخر مع احترام الضوابط التي وضعها الشرع من خلال اعتزال الزوجة في المحيض ، وإتيانها من منبت الولد كما أمر الله عز وجل، وباختيار كيفية الرفث التي يريدانها ؟ ولا ندري كيف يحدث الاغتصاب بين زوجين يسكنان إلى بعضهما ، وبينهما مودة ورحمة ،علما بأن المودة درجة متقدمة في المحبة الراسخة والدائمة التي يطبعها الوئام والانسجام التام ؟ ولا ندري كيف يحدث الاغتصاب بين زوجين ، والاغتصاب كما مر بنا علاقة جنسية دون رضا ،ودون وجه حق ،وبالقوة، والقهر ، وهو ما لا يصدق عليهما لأن الرضا بالدخول في علاقة الزوجية ينتفي معه شيء اسمه الاغتصاب ؟ ووصف الممارسة الجنسية في إطار العلاقة الزوجية بالاغتصاب امتهان لهذه العلاقة التي تسمى في دين الإسلام بالميثاق الغليظ ، وهو ميثاق يشهد عليه رب العزة جل جلاله . ولا يعقل أن تقاس العلاقة الجنسية غير الشرعية بالعلاقة الجنسية الشرعية .
والغريب أن نفس الجهات التي تزعم وجود اغتصاب بين الزوجين زواجا شرعيا ،لا ترى غضاضة في علاقة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي وتسمي ذلك علاقة رضائية . وكيف تكون العلاقة الجنسية بين غريبين خارج إطار الزواج الشرعي رضائية ، ولا تكون كذلك بين زوجين بينهما علاقة زوجية وتكون اغتصابا ؟ أليس الاغتصاب هو أخذ الشيء دون وجه حق ؟ وهل من حق الرجل أن يستبيح فرج امرأة غير زوجته ولو رضيت بذلك ؟ وهل من حق زوجة أن تمنع نفسها عن زوجها ولو لم ترض بذلك ؟ إن التي تفعل ذلك، تبيت والملائكة تلعنها حتى تصبح كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح " . وإذا كان هذا حال من تأبى تلبية رغبة زوجها الجنسية، فما بال التي ترفع به دعوى اغتصابها كما تريد منظمة " هيومان رايتس وتش " التي انتقدت قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب، واعتبرته معيبا لأنه لا يعتبر اغتصاب الزوج زوجته جريمة .
وكان الأجدر بهذه المنظمة الدولية أن تنتقد القوانين التي بموجبها تبتذل المرأة غير المسلمة في المجتمعات الغربية العلمانية حيث تصور في أفلام إباحية خليعة تبثها قنوات مرخص لها ، وتغتصب الأنثى الواحدة من طرف عدة ذكور فيواقعها واحد من قبلها ،وآخر من دبرها، وثالث من فيها في نفس اللحظة ، ولا يعتبر ذلك اغتصابا في العقيدة العلمانية، بل هو علاقة رضائية لا تدان ولا تجرّم ، ولا تحرك " هيومان رايتس وتش " ساكنا لإدانتها كما تطالب بتجريم العلاقة الجنسية بين الأزواج عندنا وتصفها بالاغتصاب .
ومن المعلوم أن العلاقة الجنسية بين الزوجين المسلمين أحاطها الإسلام بالسرية التامة حفاظا على كرامتهما بل توعد من يكشف عنها سريتها مصدقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها " وهذا حكم يلزمها كما يلزمه إذا نشرت سره، لأن الأمر يتعلق بأحوال شخصية يلفها السر والكتمان ، ولا يحق لأحد مهما كان الاطلاع عليها . وإن الذين يروّجون لما يسمى باغتصاب الزوج زوجته ، ويطالبون بتدخل الشرطة والقضاء في ذلك، إنما يريدون اقتحام ما لا يجوز اقتحامه في الشريعة الإسلامية من المحجوب والمكتوم والمستور من الأحوال الشخصية .
ومن المتوقع أن تبلغ الحرب على الاسلام الاجتماعي ما لم تبلغه على ما يسمى الإسلام السياسي حتى يبلغ أعداء الإسلام ضالتهم، وهي تفكيك المجتمع الإسلامي من خلال ضرب نواته الصلبة وهي الأسرة في الصميم عبر قضايا المرأة المسلمة التي يراد لها الخضوع لتشريع علماني ينسف هويتها الإسلامية من الصميم. والسؤال المطروح هل الأمة على وعي بما يراد بها أم أنها تغط في سباتها العميق ؟
وسوم: العدد 761