هيلي ونيتنياهو… وخطيئة البردويل الإعلامية

لم ينصف مجلس الأمن الدولي يوما مظلوما، ولم يردع ظالما، ولم ينصر صاحب حق، ولم يحمِ ضعيفا، ولم يلبِ مناشدا، ولم يوقف معتديا، ولم يلتزم بل لم يحترم حتى قراراته، يستأسد في القضايا ضد الضعفاء، ويتبنى المصطلحات السياسية للأقوياء ويتمسك بمطالبهم ويلبي أوامرهم. كان هذا في الماضي وهو قائم في الحاضر، ولا يتوقع أن يتغير الحال في المستقبل، طالما بقي حق النقض في أيدي الدول الخمس الكبار، وبمزاج إحداها.  وفي هذا المقال نخص الولايات المتحدة، التي تقرر نقل كوريا الشمالية من مربع «محور الشر» وهو بالمناسبة مصطلح أطلقته إدارات أمريكية سابقة، إلى دولة صديقة، وإن لم تدم الصداقة طويلا بعدما تراجع الرئيس الكوري الشمالي عن دفع ثمن اللقاء الذي كان مرتبا له مع ترامب في يونيو المقبل، لأنه لا يريد أن يكون مصيره كمصير القذافي عندما تخلى عن ترسانة أسلحته. ومن الضحايا أيضا عراق صدام حسين الذي دمرته وفتتته وقتلت شعبه الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا، وحلفاؤهما من الدول العربية، ضاربين عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن والامم المتحدة من ورائه. ولا ننسى سودان عمر البشير، الرئيس العربي الذي ظل مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية بقرار دولي/ أمريكي حتى أذعن للضغوط وعاد إلى صف الموالين، وبقدرة قادر نظفت يداه ونظامه من دماء سودانيي دارفور، ونتذكر أيضا ليبيا القذافي التي تعرضت لعدوان أمريكي بريطاني في أبريل1986 لتورطه، حسب مزاعمهم، بالارهاب لاسيما تفجير مقهى في ألمانيا يرده جنود أمريكيون وكذلك طائرة مدنية امريكية فوق لوكربي باسكتلندا وقتل جميع ركابها، وظلت ليبيا إحدى دول محور الشر حتى دفع العقيد القذافي مليارات الدولارات تعويضا لإرهاب ربما لم يمارسه نظامه، وسلّم ما كان يزعمه من اسلحة دمار شامل، ودخل هو ايضا حظيرة الموالين. طبعا الأمثلة لا تعد ولا تحصى، ولكن تبقى القضية الفلسطينية هي المثال الأكثر وضوحا لكذب وضعف هذه المنظمة الدولية وخضوعها للهيمنة الأمريكية، فعلى مدى 70 سنة وهي عمر النكبة الفلسطينية، وحتى يومنا هذا لم ينفذ أي قرار اتخذه مجلس الأمن أو الجمعية العامة، بحق القضية الفلسطينية، ولم تسمح الولايات المتحدة القائد الحقيقي لـ«محور الشر في العالم»، بمرور أي قرار لصالح القضية الفلسطينية. واستخدمت حقها بالنقض نحو45 مرة ضد أي قرار يخص فلسطين، فحتى قرار يدعو لانهاء الاحتلال، قدم في كانون الأول/ ديسمبر 2014 استخدمت واشنطن ضده الفيتو، حدث هذا في زمن أوباما!  وقد سمح أوباما بتمرير قرار واحد ضد الاستيطان، حمل الرقم 2334 في ديسمبر 2016 وذلك بالامتناع عن التصويت، ليس حبا بالفلسطينيين ولا اعترافا بعدالة قضيتهم، بل نكاية بنتنياهو الذي أذله وقلل من شأنه وتجاوزه بقبول دعوة من الكونغرس لشرح معارضته للاتفاق النووي مع إيران. وفي عهد ترامب، الذي اختار، أسوأ مندوبة امريكية في الأمم المتحدة بالمطلق، نيكي هيلي الهندية الأصل واسمها الحقيقي نمراتا راندهَوا، ازداد الوضع سوءا وأصبحت هذه الدولة الكبرى تمارس العربدة وتهدد علنا اي دولة تخالفها الموقف، أو تعارضها الرأي، لا يحلم المرء أن تقف هيلي إلى جانب القضية الفلسطينية، فهي تمثل السياسية الامريكية المعادية دوما لفلسطين وشعبها، ولكن وبسبب جذورها الآسيوية، كان يتوقع أن تكون أقل كرها وحقدا، غير أنها تشعرك وكأن هناك ثأرا قديما بينها وبين الفلسطينيين، وينعكس حقدها في كل خطاباتها، وتجلت في اجتماع مجلس الأمن الأخير الذي نوقش فيه «حمام الدم» في قطاع غزة، وكانت تنفث السم مع كل كلمة تخرج من فمها، فهي حتى لم تقدم كلمة تعزية واحدة لأهالي الضحايا ولم تعبر عن أسفها لإراقة دماء 116من الابرياء في غضون ستة أسابيع منهم62 في مجرزة «الاثنين الأسود» يضاف إليهم ما يفوق12 ألف جريح، منهم حسب منظمة اليونيسيف حوالي ألف طفل.a ولم يدافع المندوب الإسرائيلي داني دانون وهو أيضا يتسم بالوقاحة والعدوانية والكره للفلسطينيين، عن موقف حكومته بالحماس الذي دافعت فيه هيلي عن جنود الاحتلال الذي ارتكبوا المجزرة. وقلبت الآية بقولها إن حركة حماس، وبدعم من إيران هي التي حرّضت على العنف ضد القوات الإسرائيلية متجاهلة الاحتلال والحصار الذي يعيشه مليونا فلسطيني منذ حوالي 12 سنة. ورفضت هيلي فكرة تشكيل لجنة تحقيق دولية واحبطت محاولة لاستصدار بيان باسم مجلس الأمن. وحمّلت حماس كامل المسؤولية عن المجزرة بتشجيع المتظاهرين على الاقتراب من السياج الفاصل. وهي بذلك تتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل، ومفادها أن مسلحي حماس كانوا يستخدمون المتظاهرين دروعا بشرية للتسلل إلى داخل اسرائيل والوصول إلى البلدات الاسرائيلية. وهذه رواية إعلامية اخترعتها ماكنة الداعية الاسرائيلية، الغرض منها إبعاد صفة السلمية عن المقاومة الشعبية الابداعية لشعب غزة، وهي أيضا شرك وقعت فيه حماس أو قائد رفيع في الحركة، اكد فيه الرواية الإسرائيلية وساعد بتصريحه هذا،دون ان يدري، المعركة الاعلامية لصالح العدو.  ولا أعرف لماذا قال ما قاله ولا الغاية منه فهو لم يخدم حركته بل أضر بالقضية، وملخص ما قاله القيادي الدكتور صلاح البردويل: «ان 50 من الـ62 شهيدا الذين سقطوا خلال الجولة الاخيرة يوم «الأثنين الأسود» هم اعضاء في حماس، وهذا رقم رسمي، و12 شهيدا هم من أبناء الناس». ولم يكتف هذا القيادي بهذا الكم من المعلومات التي كانت وقودا تبحث عنه ماكنة الدعاية الاسرائيلية، بل زاد موضحا في مقابلة تلفزيونية مع الشبكة الإخبارية المحلية «بلدنا الاعلامية» «قبل ذلك كان 50% من الشهداء من أبناء حماس». وتساءل القيادي «كيف يقال إن حماس تجني الثمار إذا كانت تدفع هذا الثمن الباهظ من القتلى من ناشطيها؟». ووجدت الرواية الاعلامية الاسرائيلية التي ظلت مرتبكة ومهزوزة لافتقارها للمصداقية امام مشاهد القتل والدماء، ضالتها في ما قاله البردويل، ولسان حالها يقول «من فمك ندينك». وانقض نتنياهو وغيره من المسؤولين والمعلقين الإسرائيليين على تصريحات البردويل وقادة آخرين في حماس، انقضاض الذئب على الشاة؟ لتعزيز مجهودهم الدعائي وتدعيم رواية إسرائيل حول مذبحة غزة وتشويش، بل زعزعة الرواية الاعلامية الفلسطينية حتى تلك التي التزمت بها حماس في البداية.  كانت جريمة إعلامية أن يدلي البردويل وغيره بتصريحاتهم هذه مقدمين خدمة مجانية للعدو، حتى لو افترضنا جدلا أن ما صرحوا به صحيح، وهو ليس كذلك، فـ»مليونية العودة وكسر الحصار» لم تكن ويجب ألا تكون حكرا على أحد، أو فصيل أو حركة، بل كانت ويجب أن تظل كذلك مقاومة شعبية سلمية يشارك فيها الجميع من كل أطياف الشعب الفلسطيني. واخيرا لا بد من التأكيد على ألا خير في مجلس الأمن الدولي، ولا أمل فيه، ولا فائدة ترجى منه، ما دام في قبضة امريكا، وما دام يستقوي في تطبيق قراراته ضد اي بلد أو دولة أو نظام باستثناء دولة الاحتلال. ولا داعي لمضيعة الوقت والجهد والمال. وما اللجوء إليها الا لجوء ضعيف القوة والحيلة، رغم قناعاته في قرارة نفسه بانه سيعود منها خالي الوفاض.

وسوم: العدد 773