ظاهرة الالتحاق المتأخر بالمساجد لأداء صلاة الجمعة
من الظواهر التي باتت تثير الانتباه منذ مدة في مدينة وجدة ظاهرة تأخر التحاق المصلين بالمساجد لأداء صلاة الجمعة إلى حين رفع الأذان. ولقد كنت أظن أن هذا التأخر يقتصر على المسجد الذي أخطب فيه ربما كان ذلك لسبب أو لآخر لا أعرفه إلا أن بعض الإخوة الخطباء أكدوا لي بدورهم أنهم حين يصعدون المنابر يفاجئون بقلة عدد المصلين إلى غاية رفع الأذان الثالث ،وما بعده بوقت معتبر . وتأكدت من هذه الظاهرة وأنا في رخصة مرضية بعد حضوري جمعتين في مسجد قرب مسكني وجمعة في مسجد آخر خلال شهر رمضان . ومعلوم أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور يحث على التبكير إلى المساجد يوم الجمعة لما في ذلك من عظيم الأجر ولحضور الملائكة الكرام صلوات الله وسلامه عليهم هذه الصلاة ووقوفهم على أبواب المساجد يشهدون حضور المصلين . ونص الحديث كما يلي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قدم بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر ". ومن المفروض أن يحفز هذا الحديث المصلين على السعي وهو السير الجاد إلى الجمع كما أمر الله عز وجل رغبة في الأجر الذي يكون قدره حسب التبكير ذلك أن تقريب البدنة في الساعة الأولى ليس هو تقريب البيضة في آخر ساعة ، وليس بعد البيضة ما يقرّب إلا أن شريحة عريضة من المصلين تتأخر إلى ما بعد خروج الإمام وحضور الملائكة وطي صحفها التي تدون فيها الأول فالأول حسب التبكير .
وإذا ما كانت لبعض المتأخرين أعذارهم المشروعة إما لتسريح من يشغلهم في وقت متأخر ، فإن البعض الآخر لا عذر لهم عن تأخرهم .
وانتشار ظاهرة التأخر عن الالتحاق بالمساجد في الجمع يدعو إلى ضرورة مراجعة قانون العمل سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص لأن الجمعة حدد وقتها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدقة ووضوح ، الشيء الذي يقتضي إفراغ صباحها من كل عمل أو شغل ليستعد المصلون بالغسل والتبكير لإصابة السنة . وقد يظن البعض أن السعي إلى ذكر الجمعة إنما يكون بعد سماع النداء ، وفي هذا سوء فهم للآية الكريمة ومخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تعبدنا الله عز وجل بطاعته فقال : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله)) . ويمكن للمشغلين في القطاعين العام والخاص أن يشغلوا موظفيهم ومستخدميهم إذا قضيت الصلاة كما جاء في الذكر الحكيم : (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ))لأن بعد وقت الجمعة كما حدده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحة كافية من الوقت للعمل والكد .
ومن المؤكد أن تشغيل الموظفين والمستخدمين خلال الوقت الذي يدخل في الفترة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أسباب تنامي ظاهرة الالتحاق المتأخر بالمساجد يوم الجمعة . ومع تكرار تأخر الموظفين والمستخدمين عن الالتحاق بالمساجد يصير الأمر عادة فيحاكيهم في ذلك غيرهم ممن لا وظيفة ولا خدمة لهم بمن فيهم التجار والباعة . ومن الملاحظ أن الباعة المتجولين يتحدون الأمر الإلهي بترك البيع بعد رفع الأذان فيمارسونه بجوار المساجد وعند بواباتها بحيث قد يمر بهم من لا يصلي والإمام يخطب فيبتاع منهم ، ويكون بيعهم محرما ، وأكثر من ذلك لا يؤدي أغلبهم الصلاة بل ينتظرون خروج الإمام من الصلاة ليرفعوا عقيرتهم بالصياح لتسويق بضاعتهم .
وتتحمل الوزارة الوصية على قطاع التربية كل المسؤولية في هجران الناشئة المتعلمة المساجد يوم الجمعة بسبب توقيت الدراسة داخل وقت الجمعة كما حدده الحديث النبوي الشريف ،علما بأن هذه الناشئة هي أحوج ما تكون إلى نصح وتوجيه الجمعة، فضلا عن كون ارتيادها المساجد من شأنه أن يرسخ التدين في نفوسها ويربيها على تعاليم دينها الحنيف ويثبت عمليا ما تتلقاه من دروس تتعلق بدينها في المؤسسات التربوية .
ولا تعير المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم ومختلف الأوراش... وغيرها من المرافق المختلفة أدنى أهمية لحرمة ممارسة أنشطتها بعد رفع أذان الجمعة كما حدد ذلك الفقه الإسلامي . وكان الأجدر بالمسؤولين عن التشريع في البلاد التي ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي فيها أن يضعوا قانونا يمنع ممارسة أي نشاط مهما كان إلا ما كان ضروريا بعد رفع أذان الجمعة . والغريب أن كثيرا من المحلات والمرافق والمؤسسات تغلق أبوابها بعد أن تقضى صلاة الجمعة خلافا لما جاء في الذكر الحكيم.
وأخيرا نقول ما يزال الناس بخير ما بكروا إلى المساجد يوم الجمعة كما أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من عظيم الأجر والبركة ، وما تأخروا عن ذلك إلا وضاع منهم أجر عظيم هم أحوج ما يكونون إليه يوم يرحلون إلى دار لا ينفع فيها مال ولا بنون، ويومئذ يندمون على ما فرطوا في أجر الجمع ولات حين مندم .
وسوم: العدد 775