هل تضع حكومتنا في حسابها معالجة جادة لمشكلة هجرة الأفارقة قبل أن تستفحل فتصير معضلة لا سبيل لحل؟

من سوء  حظ أو طالع المغرب وضعه الجغرافي المتميز والذي يحسد عليه باعتباره أسهل معبر من القارة السمراء إلى القارة العجوز، ذلك أن الأفارقة الراغبين في الهجرة إلى دول الشمال والتي ترتفع وتيرتها سنة بعد أخرى، يفضلون أقصر طريق أو بعبارة المغاربة أقصر جدار أو أقصر سور يسهل تسوره ، فيجدون ضالتهم في المغرب حيث تضيق المسافة  بحرا بينه وبين شقيقته الأندلس ، فتجنب من يركبه أهواله المحتملة في باقي الجهات التي تشط فيها المسافات .

ومع حلول كل يوم يلاحظ المغاربة اكتساح أعداد كثيرة من المهاجرين الأفارقة أرض وطنهم . ويقع الإحساس  الفعلي المصحوب بالقلق والتوجس من هذا الاكتساح في الأحياء الفقيرة والصفيحية العشوائية  التي تستقطب هؤلاء  المهاجرين لانخفاض واجبات الإقامة فيها،  وفي الأحياء المجاورة لها والتي يسلكونها للوصول إلى مساكنهم التي تأويهم ، والتي يقتنون منها حاجياتهم اليومية .

ولقد عادت مشكلة هذه الهجرة المتزايدة إلى الواجهة ـ وإن لم تغب عن الأذهان لحظة ـ مع حادثة  حريق الحيز المحتل من طرف المهاجرين الأفارقة بجوار محطة أولا زيان بالبيضاء ، و كذا حادثة إخلاء الحيز الذي  كان هؤلاء يحتلونه بجوار محطة القطار بفاس .

ولا شك أن تجمع هؤلاء الأفارقة في أماكن معينة يطرح مشكل إقامتهم بها ،لأن وتيرة الهجرة متزايدة يوما بعد يوم، الشيء الذي يترتب عنه اتساع المساحات المحتلة من طرف هؤلاء المهاجرين، وإقامة مساكن عشوائية عليها تفتقر إلى ظروف العيش المراعي للكرامة الإنسانية، فضلا عن كونها مهددة بالزوال أو بالحرائق أوبالأوبئة لانعدام مرافق الصرف الصحي والظروف الصحية عموما.

 ومعلوم أن المغرب لا يمكنه أن يقدم على مغامرة غير محسوبة العواقب إذا خضع لمن يطالبه بتحويل المساحات التي يحتلها المهاجرون الأفارقة أو مساحات بديلة  إلى مخيمات كتلك التي تخصص للاجئين ،لأنه بذلك سيضفي الشرعية على هجرة غير شرعية كما يسميها المجتمع الدولي  برمته ، وسكون ذلك سببا في سيول جارفة من المهاجرين الجدد .

ولا يمكن لبلد يقصده المهاجرون الأفارقة  كمعبر إلى القارة العجوز التي هي نهاية هجرتهم ، أن يكون قصدهم النهائي ، لهذا يطرح كل تمركز لهؤلاء في أماكن معينة  منه مشكلة  تقتضي تفريقهم في انتظار أن يصلوا إلى حيث يريدون الهجرة أو يعودون من حيث جاءوا .

وبتفاقم مشكلة هجرة الأفارقة الفارين من ويلات الحروب الطاحنة بسبب الصراعات العرقية أوبسبب ويلات المجاعات والفاقة  ، أوبسبب استبداد الأنظمة المستبدة نحو المغرب ستتحول إلى  معضلة مستعصية على الحل ، لهذا يطرح المواطن المغربي السؤال الآتي على المسؤولين عندنا : هل تحسبون الحساب الدقيق لهذه المشكلة التي تكاد تبلغ بعد درجة المعضلة ؟

و ليس من مصلحة المغرب أن تدفع  دول الشمال  في اتجاه إبعاد هجرة الأفارقة  عن أراضيها ، وتطردهم إلى المغرب تحت ذرائع وشعارات واهية ، ذلك أن المغرب ليس مسؤولا عن تردي الأوضاع السياسية، والاقتصادية ، والاجتماعية في البلدان الإفريقية التي تصدر مهاجريها إلى دول الشمال عبره باعتباره بوابة ، علما بأن له من المشاكل الكثيرة والعويصة ما يغنيه عن مشكل هذه الهجرة المشئومة التي تزيد من معانات شعبه .

وعلى دول الشمال التي تنهب خيرات القارة السمراء وهي التي تعد أغنى القارات على الإطلاق بمواردها وثرواتها الهائلة  ، ألا تغض الطرف عن جور الأنظمة  الشمولية الفاسدة  فيها ،وألا تزودها بالأسلحة لتسعير نيران الحروب العرقية فيها، وأن تبحث عن حل جذري لمشكل هذه الهجرة من خلال مراجعة سياساتها مع تلك الأنظمة ، ومن خلال رفع أيديها عن الثروات التي تنهبها لتصنع رفاهيتها على حساب شعوب بائسة تأكل حيتان البحر يوميا العديد من أبنائها وهم يحاولون العبور إليها لأنها بالنسبة إليهم النعيم المنشود .

وما لم يزل  جشع وطمع دول الشمال في ثروات شعوب القارة السمراء ، وما لم يتوقف تحالفها  وتعاملها مع الأنظمة الشمولية الفاسدة والسكوت على جورها ضد شعوبها ، فإن هجرة الأفارقة لن تتوقف أبدا ، وحل هذه الهجرة يوجد في البلاد الإفريقية لا غير .

ولا يمكن أن يكون المغرب كبش فداء تقدمه دول القارة العجوز قربانا للتخلص من عبء مشكلة هجرة شعوب القارة السمراء وحلها على حسابه من خلال التفكير في توطين المهاجرين فوق أراضيه  وليصبح سياجا يحميها من تدفق المهاجرين . والمغرب له شعبه صاحب القرار والإرادة ، والذي لم يستشر عبر ممثليه أو لم يخبر بذلك في موضوع  معالجة مشكل هذه الهجرة المفروضة عليه ، ولا يمكن أن يستمر تجاهل رأي وإرادة هذا الشعب المضياف، والذي لا يتنكر لانتمائه الإنساني والإفريقي ، ولا يتنكر للأخوة الإسلامية التي تجمعه مع العديد من المهاجرين الأفارقة ، ودماؤه نقية لم تلوثها جلطات العنصرية  المقيتة والبغيضة كما هو الحال في دول الشمال التي تتباهى بالتحضر والرقي، وترفع شعارات إدانة العنصرية بغرض الدعاية الإعلامية الرخيصة فقط  ، وواقع الحال فيها يشهد على أشكال من السلوكات المؤسفة  التي تدل على أن العنصرية ضاربة الأطناب فيها .  

فهل سيعكف المسؤولون عندنا وبجد على معالجة مشكلة الهجرة الإفريقية وتدارك استفحالها قبل أن تتحول إلى معضلة  لا خروج منها ولا حل لها أم أنهم سيظلون خاضعين لإرادة دول الشمال التي تريد أن تدير ظهرها لهذه المشكلة ، وتترك المغرب يواجهها وحده كأنه هو المسؤول عنها ،لا لشيء إلا لأن الله عز وجل حباه  بموقع جغرافي مطل عليها ، وعبره يحاول الفارون من الاضطهاد والحروب والمجاعات الوصول إلى ما يعتقدونه جنات النعيم ، وما ذلك في الحقيقة إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، ووجد عنده ما لم يخطر له على بال وهو يواجه الأهوال منذ انطلاقه في هجرته المجهولة المصير إلى أن يلتقط إما غريقا قد أسلم الروح لباريها  أو قبل أن يقع  بين فكوك الحيتان الضارية  إن حالفه الحظ أو السعد أو يرحّل من ساحات يحتلها في بلاد الغير، أو تهدّم فوق رأسه  أو تحرّق عليه  أو يبتسم له الحظ إن كان ذا حظ عظيم ،فيحقق حلمه المجنون الذي واجه وكابد من أجله  كل الأهوال ليعود إلى وطنه الذي هاجر منه  وقد سلخ جلده ،واكتسى جلد غيره ، ونسي هويته وثقافته، وصار غريبا عن  قومه يعاملهم معاملة السائح الغربي القادم من دول الشمال فتلتقط  عدسته صورهم وأحوالهم كأنه لم يكن من قبل واحدا منهم ،وعليه يصدق المثل المغربي  العامي القائل : " غسلت الدجاجة رجليها ونسيت ما فات عليها " ؟؟؟  ذلك أن الدجاجة قد تنبش في الدمن ، وتتسخ رجلاها ثم تمر بماء فتزول عنها الأدران، وتنسى أنها مرت بالدمن ، فذلك حال كل من يهاجر فيعود متنكرا لهويته وثقافته ناسيا ما مر به وما اضطره للهجرة.

وسوم: العدد 780