مهام شيوخ بلاط القصر الجمهوري
إن خلافك مع خصمك أمر طبيعي جداً، وخلافك مع صديقك في مسألة تحتمل الرأي أمر صحي، أما الخلاف الناشئ بين أخوين في مدرسة ومنهج واحد، فرّق بينهما حاكم ظالم ففتن بينهما، وغدا كل واحد خصماً للآخر يريد الكيد لأخيه، فقط لإنه يخالف منهجه، فهذه كارثة تُفتت المجتمع وتنقض عراه.
النظام يخدر شعبه
وهذا ما جرى في سورية وبين أبنائها، فالأسد الظالم بعد أن هجّر خصومه وارتاح منهم، عَلِم أن بين صفوفه مَن هُم ضده ولكنهم لا يتكلمون خوفاً من سوطه، ولكي يحسم القضية شدد الخناق على من تحته، ورافق ذلك بث زبانيته من الشيوخ بتلويث الأدمغة، فملئ الرؤوس بخشخاش الذل، ومورفين الانبطاح، وحشيش الاستسلام، فأدمن مؤيده العبودية العمياء.
البداية
لقد بدأت حكايتنا بعد مهاتفة بين أخوين حميمين، بينهما أخوة دينيّة عميقة، ورابطة وثيقة من الصعب أن تنحل، أحدهما هرب بدينه خارج الشام، والآخر في داخلها.
لقد كان الأول في مأمن من الظالم، بينما الآخر يرزح بين يدي ذلك المجرم، وكلاهما يعرف رأي الآخر، وكل منهما يعذر صديقه، فأحدهما يُلمّح وقصده معلوم ومفهوم، والثاني يفهم كل عبارة مشفّرة، وآهات يرددها صديقه المحاصر، ومضت العلاقة هكذا سبع سنوات ونيف.
المفاجأة المدويّة
وفجأة ينقلب هذا الأخ الذي في حضن الحاكم شخصاً آخراً مختلفاً عمّا كان عليه، فيُجرّم صديقه (ضمنياً) وأفكاره ومنهجه، ويجرّم كل من يخالف حاكمه، بل يمدح رئيسه ويبرر له، ثم يسوق أمثلة ثورية (فيها أخطاء) ويجريها على العموم، ويطعن بكل فكرة تنبؤ بالحرية، عندها أحس ذلك الصديق (الذي هو في الخارج) بدهشة كبيرة، ولم يستطع التصديق بما سمع في البداية، ثم أيقن بحلول فاجعة لم يفكر يوماً بوقوعها، وقال في نفسه: هل معقول أن ينقلب هكذا مئة وثمانين درجة وبشكل سريع؟ ماذا جرى؟
ثم قال: هذا ليس صديقي، وهذا ليس كلامه ولم أعهده هكذا، يبدو أن هناك أمر مدبر، أيعقل أن النفوس غُيرت والعقول غُسلت؟ والله أن هناك أمر جلل قد حصل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وأنوه أن المتحدث خارج سورية هو أنا، والذي داخل سورية هو أخي وصديقي، وهذه قصة حقيقية جرت معي أمس وصدمتني.
هل أنا بحلم أم بعلم؟ هل كان صديقي وأخي يخدعني طيلة هذه الفترة؟ أم أنه تغير الآن؟ هل كان يتكلم وأمامه أحد يخافه؟ هل يخشى على نفسه من تسجيلات الهاتف؟ أسئلة بدأت أنسف أجوبتها الواحد تلو الآخر، ولم يبق عندي إلا أن صديقي فعلاً قد تغير وتبدل ولبس لباساً لا يليق به.
والأمر الأصعب أن يقوم هذا الأخ (الـمـُنقلب) بمدح أشخاص مقطوع بفسادهم وبسمعتهم السيئة، بل ويقدح بأشخاص فضلاء خرجوا من بلادهم فراراً بدينهم وأعراضهم من حاكمه الظالم.
اكتشاف الحقيقة
وبعد كل ذلك من الأخذ والرد، وبعد الأسئلة التي انتابتني، يتفوه الأخ المنقلب ويكشف نفسه أنه قد صاحَبَ شخصاً فاسداً (وفساد هذا الشخص وقديم ومعروف، حتى من قبل افتراق الصديقين وقبل الثورة بسنوات) يضرب بعصى الحاكم الظالم، ويحلف باسمه، وينتفع من صلته بأجهزته الأمنية.
وهذا الشخص الفاسد مشهور بعمالته لسلطانه الجائر، يبدل أفكار الناس بسلطته وقربه من ذلك الظالم، والناس يلجؤون إليه ليكونوا من أتباعه طمعاً بكلمته المسموعة عند فرعونهم، فيُميلهم ويحبِبَهم بسيده بعد جلسة غسيل لأدغتهم، فينقلبوا مؤيدين راكعين لسلطانه.
فكان هذا الصديق ملازماً لذلك الشخص الفاسد، حتى غدا ظلاً له يعرف حركاته وسكناته. ومن هنا تبلورت فكرتي في سرد تشخيص هذا المرض، بعد اطلاعي وما استنبطّه من حديث صديقي المبتلى (هداه الله)، وتغيره المفاجئ، ونبرته الخصومية الغير معتادة، وبعد ما رأيت من تغير وانقلاب بعض الأخوة في الشام، أنّ هناك مهام (كانت خفية والآن ظاهرة عياناً) يأمر بشار بها أعوانه، وهم المتمشيخين في بلاطه، المؤيدين لظلمه، والممجدين لسطوته.
وما كانت هذه الأفكار إلا مما دونته من مضمون كلام ذلك الأخ، ومما قرأته وسمعته من داخل الشام، من أفعال هؤلاء العملاء، الذين لبسوا عمامة الإسلام فأهانوها، وتسببوا في تشويه سمعة كل من يدعي العلم وطلبه (إلا من رحم ربي).
ومما فهمته واستخرجته من تعميم ما قاله ذلك الأخ (شفاه الله):
أن شيوخ بشار الأسد استنفروا بحملة ممنهجة، في نشر ما يخدم أفكار الأسد، لا فيما يخدم البلاد والعباد، وهذه الهجمة تبدأ بتسميم عقول طلاب العلم، والخطباء والأساتذة، لتنتهي في أدمغة الشعب المرهق، وتتمثل مهام تلك الدمى (الشيوخ):
- غسل الأدمغة وبث السموم. وذلك عندما ظهرت أفكار جديدة من ذلك الصديق، مغايرة لما كان عليه، وقوله: بأن هذه الأفكار ليست أفكاره فحسب، بل أفكار الكثير من الخطباء والأئمة وطلاب العلم.
- التغيير العقدي والفكري والثقافي. ويتمثل بقلب الحق إلى باطل والعكس، وتحريف الأفكار، ومحو ثقافة البلاد السنيّة بالغزو الإيراني الصفوي. وهذه الفكرة مستنبطة من المحادثة، ومما قرأته عن تغير عقائد أهل السنة في الشام.
- التقليل من خطر التشيع. حيث دافع وبحدة، أنه لا يوجد تشيع في الشام، ولا أي ممارسات تشيعية في كل سورية.
- تجريم الثورة وبشكل عام. حيث جرّم كل ثائر ومجاهد، وبأنهم أجرموا بحق أهلهم ووطنهم، وباعوا بلادهم للمجهول.
- تحسين الظن بالنظام المجرم. فقد أبعد التهم عن رئيسه بقوله: نحن ظلمنا أنفسنا والنظام لم يظلمنا.
- كل من خرج من البلد ليس له حق الكلام عن الداخل. وذلك عندما لـمّح بأنهم أدرى بما يحصل في الشام من غيرهم، فقال: أنتم تأخذون الأفكار عبر وسائل التواصل فقط.
- وَضَعَ جميع من خرج من البلد في سلة واحدة. بقوله: انظرْ أبناء الشيوخ الذين هربوا إلى تركيا وقطر كيف يعيشون حياة هانئة مرفهين، فلا ينظرون لحالنا وحال أبنائنا.
- الأولوية في الكلام والحكم فقط لأهل الداخل وهم شيوخ النظام. بقوله: الشيوخ هنا يعرفون كل شيء، فهم أدرى ببلدهم ممن هربوا، ويملكون الحكمة لهذه المرحلة.
- الشيوخ في الداخل هم من حفظوا اندثار أهل السنة. بقوله: أن شيوخ النظام حفظوا أهل السنة داخل دمشق من الانحراف والتشيع.
- تعظيم شأن المعاهد الشرعية (الفتح وكفتارو) التي مدت النظام وأيدته. بقوله: هذه المعاهد هي التي ثبّتت الدين والسنّة في الشام، وكذلك فعل الشيخ "كفتارو" في أيام الثمانينيات.
- التقليل من شأن المجاهدين والافتراء عليهم، وتخوينهم. بقوله: أن ما يسمى بالمجاهدين لا يجيدون إلا جمع الدولارات وحب السلطة، وهم أتباع لأمريكا وتركيا ودول الخليج.
- تجريم تركيا. بقوله: أردوغان ساعد بالفتنة فجمع الناس في الشمال لمناهضة المشروع الكردي فقط، دون الذود عن الشعب السوري، فهو لا ينظر إلا إلى مصلحة بلده.
- إعظام شأن روسيا المحتلة بأنها تقلل تمدد الشيعة في دمشق. فقال: إنها كسرت شوكة الشيعة في الشام، فالحكم للروس فقط.
- إنكار جميع الحقائق بخصوص التشيع في الشام. بقوله: لا يوجد أي مظاهر وطقوس تشييع في الشام، وكله كذب قامت بزرعه روسيا وأمريكا لضرب المسلمين، فقال: ما تسمعونه في الخارج عار عن الصحة، وافتراء كبير.
خاتمة
نعذر بعض الأخوة المغرر بهم عن طريق تلك العمائم المأجورة، ونرجو منهم إن لم يكونوا في صف الحق فلا يصفقوا ويطبّلوا للباطل، فالله سيسألنا جميعاً عن كل كبيرة وصغيرة وشاردة وواردة (وقفوهم إنهم مسؤولون).
وبعض تفاصيل هذه الردود وجزئياتها الخاصة لا ننكره، أما ما حوته بمجملها وأسلوبها ومضمونها كيد عظيم، مدبر وممنهج ويُدرَّس بشكل واسع في مناطق حكم النظام، وهذه الأفكار المختلقة خُدع بها صديقي وأخي، كما خُدع بها الكثير من طلاب العلم فضلاً عن العوام في سورية، مآل هذه الخدع تغيير الحقائق، وتحريف الفكر، وتدمير العقيدة، والزحف نحو التغير الديمغرافي، ثم تخريج شيوخ النظام بمظهر المجاهدين الذين يدافعون عن السنّة وأهلها، وتمويه حقيقة إجرام النظام، وعدم التعرض لحقائق التشييع في الشام، وتبرئة شيوخ النظام من الخيانة والعمالة.
والفكرة الأهم هي أسلوب النظام الخبيث في توظيف أعوانه الشيوخ، بتسميم أفكار شعب كامل، وتصدير حقائق وهميّة عما يحصل داخل أسوار دمشق، واغتيال القدوة للشباب المسلم، وتخريج جيل جديد مفعم بروح العبودية لأصنام أنشأها في عقول وقلوب شعب فكّر يوماً أن يكون حراً. اللهم فرج عن أهلنا في الشام.
وسوم: العدد 781