من سعى إلى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه (نتائج الانتخابات تطبيقاً)
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
لم يدر في ذهن الكثير من النواب في مجلس النواب العراقي إن الشعب قد يعاقبهم على تراخيهم في عملهم وإخفاقهم في انجاز المهمات الموكلة إليهم وفي مقدمها الوظيفة التشريعية، إذ يعد مجلس النواب العراقي من أبطأ البرلمانات بالعالم واقلها إنتاجاً، فلم يوفق في إعادة النظر بالقوانين المهمة المتقادمة ولم يسعى جديا إلى سن التشريعات المفصلية التي تتعلق بأسس بناء مؤسسات الدولة، رغم التكلفة الباهظة التي تتكبدها خزينة الدولة في الإنفاق على المجلس كرواتب ومنافع أخرى، بل انشغل البرلمان في جل دورته بتشريعات هامشية والبعض منها مكرس لترسيخ منافع مستقبلية للأعضاء على شاكلة قانون اتحاد البرلمانيين العراقيين رقم (86) لسنة 2017 وبعض القوانين المهمة التي شرعها شابها الانحراف التشريعي والركاكة في الصياغة وغياب الرؤية الشاملة في المعالجة التشريعية كقانون الأحزاب مثالاً.
وحين شعر بعض النواب "الفاشلين" باقتراب موعد المحاسبة الشعبية لهم أدركوا ضرورة الالتفاف على إرادة الشعب للحفاظ على منافعهم ونفوذهم فنحوا إلى محاولة تأجيل الانتخابات العامة في البلاد باتخاذ قرار برلماني مماثل يدعو إلى تأجيل الانتخابات وخاب سعيهم حين تصدت المحكمة الاتحادية للأمر ومنعت تأجيل الانتخابات بقرارها التفسيري الصادر في 21/ كانون الأول 2018 وبموجبه بينت المحكمة إن المادة (56) من الدستور واضحة وان هنالك وجوب بإجراء الانتخابات قبل مدة لا تقل عن (45) يوماً من انتهاء الدورة السابقة، فبادر البعض منهم إلى محاولات التشكيك بنتائج الانتخابات قبل وبعد ظهور النتائج ووصل الأمر إلى التصويت على قرار برلماني في يوم (28/ آيار) تضمن الآتي:
1- إلزام مفوضية الانتخابات بإعادة فرز 10% من أصوات الناخبين يدوياً.
2- إلغاء نتائج انتخابات العراقيين في الخارج.
3- إلغاء نتائج التصويت المشروط للنازحين في المخيمات في العديد من المحافظات.
ولنا مع هذا القرار البرلماني وقفة لبيان ماهيته من الناحية الدستورية وأساسه القانوني وأثاره التي ستترتب عليه وفق ما يأتي:
أولاً// البرلمان العراقي هو من بادر إلى إلزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باعتماد التصويت وتسريع النتائج إليكترونيا في تعديل قانون الانتخابات العراقي رقم (45) لسنة 2013 بالقانون رقم (1) لسنة 2018 والذي نص في مادته الأولى على تعديل المادة (7) من قانون الانتخابات على أن تقرأ كالآتي ((..3- يكون التصويت إليكترونياً)) وأوجب القانون تعديل المادة الثامنة والثلاثين من قانون الانتخابات ليكون نصها بالشكل الآتي ((تجري عملية الفرز والعد باستخدام جهاز تسريع النتائج الإليكتروني ويتم تزويد وكلاء الأحزاب السياسية بنسخة اليكترونية من استمارات النتائج وأوراق الاقتراع في كل محطة من محطات الاقتراع))، فيا أعضاء مجلس النواب الخاسرين في الانتخابات المعترضين على نتائجها أنتم من صوت على إلزام المفوضية بالانتقال إلى جهاز تسريع النتائج الإليكتروني فهذا خياركم أنتم وحين اعترضتم عليه كنتم مصداق لقوله تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) كما أضاف التعديل الثاني رقم (2) لسنة 2018 للمادة الثامنة والثلاثين بنداً بالتسلسل (ب) جاء فيه (للمفوضية وضع الخطط البديلة حفاظاً على العملية الانتخابية وأصوات الناخبين) فاتخذت المفوضية استناداً لهذه السلطة بعض القرارات المتعلقة بانتخاب الخارج والداخل، وكان الأولى لهؤلاء الاعتراف بالهزيمة والأخطاء المركبة التي ارتكبوها خلال السنوات التي خلت ومنها تفضيل العديد منكم المصالح الفئوية على الوطنية والانشغال بالعلاج على حساب المال العام والسفر للسياحة على نفقة مجلس النواب وكثرة التغيب عن الجلسات وتحولهم إلى أداة طيعة بيد رئيس الكتلة بالتصويت على القوانين والقرارات بلا أي تعقيب أو دراسة باختصار بعضهم كان يسبح في بحر الفساد واستغلال السلطة.
ثانياً// أما عن الأساس القانوني للقرار البرلماني حيث نجد إن الدستور العراقي لعام 2005 منح المجلس إمكانية اتخاذ القرارات بالمادة (59/ثانياً) والتي تنص على إن (تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب ما لم ينص على خلاف ذلك)، بيد إن السؤال هنا ما التكييف القانوني للقرار البرلماني؟ انه وباختصار من الأعمال البرلمانية غير التشريعية أي أنه يتخذ لإنجاز المهام الموكلة للبرلمان العراقي، ومنها على سبيل المثال الموافقة على تعيين وكلاء الوزارات وأصحاب الدرجات الخاصة، ومساءلة الحكومة أو منحها الثقة وان كانت تحتاج إلى نسبة معينة في التصويت وغيرها من القرارات التي أناط الدستور والقوانين بالمجلس اتخاذها فلا تعد قوانين بل هي تنفيذ للقوانين وفيها يقترب عمل المجلس من الوظيفة التنفيذية حيث ينقلب دوره من مشرع إلى منفذ لإرادة الدستور والقوانين.
ونعطي آية ذلك حيث نجد إن قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 منح المجلس بالمادة (20) منه إمكانية حل مجلس المحافظة وهذه الوظيفة تنفيذية بامتياز تم إسنادها للبرلمان ما يحدونا إلى القول ان القرار البرلماني لا يرقى إلى مرتبة القانون فهو أقل قيمة منه والمنطق القانوني المجرد يقول (بما ان الفرز والعد اليكتروني بنص القانون فلا يعاد بنسبة 10% إلا ان تم تعديل قانون الانتخابات وهذا ما كان يجب على المجلس ان يسلكه بدل التصويت على مجرد قرار برلماني كون هذا العمل سيشكل سابقة خطيرة في الاعتداء على حرمة التشريعات).
ولعل المجلس أختلط الأمر عليه فظن انه كما كان مجلس قيادة الثورة المنحل في ظل حكم النظام البائد ودستور العراق لعام 1970 يملك إصدار قرارات لها قوة القانون تعدل وتلغي القوانين، لذا فالقرار بما تضمنه من إلغاء جزئي للمادة (38) من قانون الانتخابات غير مشروع ومخالف للدستور والقوانين النافذة.
أما إلغاء أصوات الخارج وعدم اعتمادها بحجة أن التزوير طالها نقول إن البرلمان لا يملك إلغاء النتائج التي يؤول إليها الاقتراع العام للعراقيين لسبب بسيط (البرلمان سلطة منشأة أو مشتقة والشعب هو السلطة الأصيلة أو التأسيسية، فلا يملك البرلمان التعقيب على إرادة المالك الحقيقي للسلطة ولا أن يصادرها أو يلغيها وما قام به مجرد عبث لا قيمة له من الناحية الدستورية والقانونية فهذه المادة الخامسة من الدستور تصرح بما تقدم "السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر" فلا يملك المجلس مخالفة السيد وهو القانون في قراراته وأعماله البرلمانية ولا يملك أن يصادر إرادة الشعب التي تعد الأساس في كل شيء)، مع ملاحظة إننا لا ننفي وقوع الفساد في بعض أجزاء العملية الانتخابية لكننا نرى إنها نتيجة طبيعية لإخفاق مجلس النواب في سن قانون انتخابي صالح.
ثالثاً/ ما الذي فات البرلمان فيما يخص الانتخابات؟: نقول إن إلزام المفوضية العليا (بإعادة العد والفرز يدوياً بنسبة 10% فان ظهر مخالفة للنتائج المعلنة تتم إعادة العد والفرز في جميع المحافظات)، هذا القرار في جزء منه صحيح لو تحول إلى قانون يسمى التعديل الثالث لقانون الانتخابات وهو إلزام المفوضية بإعادة العد والفرز يدوياً بما نسبته 10% كون هذا الأمر لا يعدو إلا أن يكون رقابة على عمل المفوضية الخاضعة بحكم الدستور لرقابة مجلس النواب بحكم المادة (102) التي منحت المفوضية صفة الاستقلال عن الحكومة والخضوع لرقابة مجلس النواب للتأكد من دقة احتساب الأصوات وسلامة عمليات العد والفرز، بيد إن تشريع هذا القانون خلال هذه الفترة غير ممكن لسبب بسيط إن البرلمان الآن يتمتع بعطلة تشريعية ويمكن أن يجتمع لعقد جلسة استثنائية وتشريع أي قانون يحتاج إلى قراءة أولى وثانية ثم التصويت وما تبقى من عمر البرلمان لا يتجاوز الشهر الواحد فهنالك استحالة فنية، والشق الثاني من القرار غير واقعي فكان الأولى ان يصاغ على انه إن وجد اختلاف بين الواقع وما هو معلن يتم إعادة فرز جميع الأصوات يدوياً أي إن إعادة العد بنسبة 10% تشمل جميع المحافظات لا محافظات بعينها خسر فيها المروجون للقرار البرلماني فيكون الأمر متفقاً مع أعلاء إرادة الناخب وضمانة لعدم حرفها عن مقاصدها، ومن الراجح إن هنالك تأثير سلبي حصل على خيارات الناخب إذ لاحظنا بعض تطبيقاته بأم العين في أغلب المحافظات حينما قام بعض المرشحين باستغلال فقر الناس فبادروا إلى شراء أصواتهم ليضمنوا الوصول إلى البرلمان من جديد لغايتان أساسيتان؛
أولاهما، التمتع بالحصانة لكي لا يحاسب قضائياً عن مخالفاته السابقة ويبقى قادرا على المناورة وعقد الصفقات المشبوهة ومنها تكميم الأفواه والسكوت عن الفاسدين الحقيقين نتيجة الحصول على منافع آنية.
وثانيهما، التأثير في السلطة والحصول على المغانم والمكاسب غير المشروعة وإلا ما التفسير لقيام بعض المرشحين بإنفاق مليارات الدنانير على حملاتهم الانتخابية وحسب إحدى الإحصائيات غير الرسمية إن مجموع ما أنفقه اثنان من المرشحين في إحدى المحافظات العراقية من شأنه أن يتكفل ببناء (60) مدرسة فلو أنفقت هذه الأموال في مواردها الصحيحة كيف ستغير وجه المحافظة وكيف ستحقق المنفعة العامة التي يدعي هذا المرشح انه حريص عليها.
رابعاً/ ما يتوجب على النواب والمعترضون عمله في هذه المرحلة هو ان يركنوا إلى ما تم على أيديهم هم فهم من سن قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة 2007 والذي رسم طريق للطعن في المادة (8) والتي أعطت لمجلس المفوضين سلطة البت بالطعون ومن لا يقتنع بقرار المجلس فهنالك الهيئة القضائية في محكمة التمييز الاتحادية التي من شأن قرارها ان يؤثر على نتائج الانتخابات وتصحيح الأخطاء التي شابت عملية الاقتراع وعلى من يدعي وجود التزوير ان يقدم الأدلة والبراهين أمام المحكمة لا ان يستعرض مهاراته الإعلامية في التشكيك بإرادة الشعب والركون إلى سياسة التشهير والقذف بدل الاعتراف بالذنب وهو ما يقول عنه أمير المؤمنين علي عليه السلام بانه فضيلة.
خامساً// تعقيب أخير نقول ان العدل لعله تحقق في نتائج الانتخابات التي أفرزت تغيير ما يصل إلى 70% من النواب الذين أدمنوا الفوز بالمقعد البرلماني في الدورات السابقة بركوب موجة الطائفية والعنصرية والذين تقاعسوا عن محاربة الفساد والنهوض بالوظيفة المسندة إليهم، فنتذكر حين بادر مجلس النواب إلى استجواب أعضاء مجلس المفوضين السابق جل هؤلاء الخاسرين كان من المدافعين عن شبهات الفساد التي أثيرت بالقول أو الفعل حينما انسحبوا من جلسة التصويت على سحب الثقة وحينما أغمضوا أعينهم عن شبهات أثيرت آنذاك حول جهاز تسريع النتائج والسر وراء التعاقد مع شركة اسبانية لتوريده بينما جهاز العد والفرز تم التعاقد عليه من جمهورية كوريا، واليوم هم يشربون الكأس الذي طالما أعدوه لبعضهم البعض إلا وهو كأس الفساد والتغاضي عن المفسدين فالسؤال الموجه للنواب لماذا توقف المجلس عن الاستجوابات للوزراء الفاسدين؟
والأدهى لماذا لم يقفوا بوجه شبهات الفساد في المفوضية التي هم يثيروها اليوم؟ رغم علمهم اليقيني إن واجبهم الأخلاقي والقانوني والوطني يحتم عليهم محاربة الفساد والقضاء على الفاسدين لا التستر عليه أو نصرته بتقريب الشخوص المتحزبة أو غير الكفوءة من المناصب العليا والمهمة والخطيرة وكان ما كان نتيجة طبيعية لتوافقاتهم على أسماء معينة مقربة منهم لتدير البلاد أو تتحكم بمفاصل العمل الديمقراطي والخاص بإظهار الإرادة الشعبية، وفي النهاية نقول لهم كل ما قلتموه من كلام حول شبهات الفساد أو فشل في القانون الانتخابي كان نتيجة لأعمالكم السابقة ومن سعى إلى نقض ما تم على يديه سعيه مردود عليه.
وسوم: العدد 781