انقسامات البيت الشيعي وتحديات عادل عبد المهدي
الانقسام في المجتمع العراقي سواء على المستوى المكوناتي العرقي بين العرب والأكراد، أو على المستوى الطائفي بين الشيعة والعرب السنة، يذهب أبعد من هذا إلى الانقسام والخلافات داخل المكون الشيعي نفسه، أو "البيت الشيعي".
زيادة حدة الخلافات داخل "البيت الشيعي" دون ضوابط تتصدى لها المرجعية الشيعية، السلطة الاعتبارية الأعلى، تُنذر بوضع العراق على حافة موجة جديدة من الحرب الداخلية بين الشيعة انفسهم، المؤسسة الأمنية والحشد الشعبي.
سبق للقوات الأمنية في عملية "صولة الفرسان" في مارس/اذار 2008 ان قاتلت جيش المهدي، لفرض القانون بعد اتساع نفوذ جيش المهدي وسيطرته على موارد البصرة الغنية بالنفط وايرادات الميناء الوحيد للعراق على الخليج، والتي انتهت بالقاء جيش المهدي السلاح وتسليمه للقوات الأمنية بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من القتال الشرس ووقوع عشرات الضحايا بين الجانبين
وجيش المهدي تأسس عام 2003 بعد غزو العراق مباشرة، وهو من أهم المجموعات الشيعية المسلحة، ويقوده مقتدى الصدر الذي حوّله فيما بعد إلى "سرايا السلام" العاملة الان ضمن فصائل هيئة الحشد الشعبي.
وترتبط فصائل هيئة الحشد الشعبي رسميا بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، الذي هو نفسه رئيس الوزراء؛ وللهيئة رئيس يسمى رئيس هيئة الحشد الشعبي
وفي نهاية أغسطس/آب 2018 أقال رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ليحل العبادي بدلا عنه رئيسا للهيئة بالوكالة. رأت قيادات الحشد الشعبي في قرار العبادي بانه تصفية حسابات شخصية، وبادرة خطيرة بإدخال فصائل الحشد والأجهزة الأمنية في الصراعات السياسية. وتتوزع ولاءات فصائل الحشد الشعبي حسب تقليدها وبيعتها الشرعية لمراجع دينية شيعية؛ وتعد مرجعية المرشد الإيراني الأعلى هي الأكثر اتباعا من هذه الفصائل. من الثابت أن ما لا يقل عن 41 فصيلا في هيئة الحشد الشعبي من أصل 72 فصيلا مسجلا بشكل رسمي اعلنوا "بيعتهم الشرعية" للمرشد الإيراني الأعلى علي الخامنئي، وما تستلزمه هذه "البيعة" من انصياع كامل لمنهج المرشد الأعلى واتباع صارم لتعليماته
تمتلك معظم الأحزاب السياسية اجنحة عسكرية لا تخضع لسلطة الحكومة المركزية أو المؤسسة العسكرية التابعة لها؛ وسيكون لمثل تلك الاجنحة ما يكفي من القوة لإسقاط الحكومة، أو ادخال العراق في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار تبعا لخلافات متوقعة بين تلك الأحزاب حول الموقف من العقوبات الأمريكية على إيران والالتزام بتنفيذها، أو رفض الوجود الأمريكي والتدخل في الشأن العراقي. يتشكل تحالف البناء الذي يراسه القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر الحليفة لإيران، من خمسة عشر حزبا سياسيا يمثلون اجنحة سياسية لفصائل الحشد الشعبي التي فكت ارتباطها باجنحتها العسكرية. وترفض قيادات الحشد الشعبي، الحليفة لإيران بشكل خاص، استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق بعد انتهاء العمليات القتالية الكبرى ضد تنظيم الدولة، وتهدد باستهداف القوات الامريكية في العراق؛ كما يرفضون الدعوات لحل فصائل الحشد الشعبي وإدماج مقاتليه في المؤسسات الامنية، والتحذير من أي قرار يتضمن حله
تعتقد الكتل السياسية الحليفة لإيران ان التزام الحكومة العراقية بالعقوبات الأمريكية على إيران يعني سقوط العراق في دائرة النفوذ الأمريكي بشكل كامل؛ وتتبنى تلك الكتل موقفا موحدا من تصريحات العبادي باعتبارها غير ملزمة للحكومة الجديدة، وان على العراق الوقوف إلى جانب إيران ودعمها لمواجهة تداعيات العقوبات الأمريكية.
ولتفادي موقف إيراني معادي يؤدي إلى إشعال حرب أهلية، وبعد تفجير مخزن للسلاح في مدينة الصدر ببغداد في 6 يونيو/حزيران، وعملية إحراق أحد مكاتب المفوضية العليا للانتخابات في 10 يونيو/حزيران؛ اتخذ مقتدى الصدر خطوات وقائية لمنع وقوع حرب أهلية عبر التحالف الاضطراري في 12 يونيو/حزيران 2018 مع قائمة الفتح التي يرأسها القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، أحد أهم حلفاء إيران في العراق. وتمتلك إيران القدرة على اثارة الازمات أو تصعيدها، عبر أحزاب سياسية، أو مجموعات مسلحة حليفة لها من أبناء بعض دول المنطقة لتجنب إجراءات رادعة يمكن لدول "معادية" ان تتخذها ضد إيران في تلك الدول، ومنها العراق ممثلا بفصائل الحشد الشعبي
ولا يعتقد ان إيران ستتخلى عن تلك القوى التي استمرت بدعمها حتى في ذروة العقوبات الاقتصادية المفروضة امميا قبل الاتفاق النووي عام 2015؛ وتجد إيران في مواصلة دعم القوى الحليفة لها ضمانة لاستمرار مشروعها خارج حدودها واتساع جغرافية نفوذها وتناميه؛ وفي العراق ترفض إيران اتّخاذ أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الحشد الشعبي.
لذلك، سيكون على رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، لضمان هيبة الدولة وسيادتها مواجهة تحدي النفوذ الواسع الذي تتمتع به فصائل الحشد الشعبي في مراكز القرار نتيجة لازدواجية القيادة التي جمعت بين النفوذ السياسي المتاتي من قيادة الاجنحة السياسية، والنفوذ العسكري نتيجة لقيادتهم الاجنحة العسكرية لتلك الفصائل الممثلة في مجلس النواب والسلطة التنفيذية
وبعد أكثر من خمسة اشهر على انتخابات مايو 2018، تم التوافق على تسمية القيادي في الجلس الأعلى الإسلامي عادل عبد المهدي كشخصية توافقية للكتل النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة. ويعد تكليف الشخصية التوافقة عادل عبد المهدي، خرقا للدستور العراقي الذي اقرت المحكمة الاتحادية العليا، السلطة القضائية الأعلى، عام 2014 في تفسيرها للمادة 76 من الدستور ان الكتلة النيابية التي تكلف بتشكيل مجلس الوزراء هي التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتلة أو الكتل الاخرى؛ في حين لم يكن عبد المهدي مرشحا لاي كتلة نيابية، انما تمت تسميته بالتوافق بين رؤساء بعض الكتل
المسيرة السياسية والأداء الوظيفي الذي عرف عن عبد المهدي انه يميل أكثر إلى تقديم الاستقالة من مواجهة التحديات، وسبق له ان استقال من وزارة النفط في مارس/اذار 2016؛ كما انه شغل منصب وزير المالية في الحكومة المؤقتة التي رأسها اياد علاوي عام 2014. ينظر إلى عادل عبد المهدي بأنه رجل دولة رصين يحتفظ بمكانة اعتبارية لدى السياسيين العراقيين الشيعة والعرب السنة والأكراد؛ وله دائرة واسعة من العلاقات الخارجية مع الدول ذات التأثير في الملف العراقي.
سيكون على رئيس الحكومة الجديدة، إعادة الثقة بين المكونات الأساسية للمجتمع العراقي، أو بين مكون أو أكثر مع الحكومة المركزية لمعالجة الخلل في العقد الاجتماعي بين المكونات الأساسية، وإلا سيبقى احتمال دخول العراق في صراع داخلي قائما، وله ما يكفي من مقومات وجوده في هذه المرحلة اذا استمرت سياسة التهميش والاقصاء للمكونات الأخرى من قبل المكون المهيمن على السلطة والثروات التي تتطلب توزيعا عادلا دون تمييز
وسوم: العدد 794