العنف ضد المرأة موضوع من المفروض ألا يكون له محل من الإعراب في بلدان تدين بدين الإسلام
من المعلوم أن البلاد الإسلامية، وبلدنا المغرب منها ،تعاني من عقدة الانبهار بالبلاد غير الإسلامية، وتحديدا الغربية منها والمتفوقة تكنولوجيا . ومن أسباب الانبهار الذي أفضى بالبلاد الإسلامية إلى الوقوع في التبعية والتقليد الأعمى للبلاد الغربية اعتماد مقياس غير صحيح، وهو ربط التفوق التكنولوجي بتفوق مثله في مجال القيم والأخلاق . ومعلوم أن التفوق التكنولوجي لا يعني بالضرورة التفوق الأخلاقي ، وهو ما يؤكده الواقع المعيش ، ولنضرب مثالا على ذلك، وهو أخر ما عرفته الساحة العالمية بموقف الولايات المتحدة الأمريكية من جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي حيث تغلب لديها الجانب المادي وتسويق الصناعة الحربية على الجانب الخلقي، ومنعها ذلك من اتخاذ موقف حازم وصارم من جريمة صارخة ، ومن مجرم ملطخ اليد بدم الصحفي الضحية .
فإذا كانت الأمور تسير في أقوى بلد متفوق تكنولوجيا بهذا الشكل، فهل يصح ربط التطور التكنولوجي بالتطور على مستوى القيم والأخلاق ؟
كثيرة هي القضايا التي تتلقفها البلاد الإسلامية من الغرب المتفوق تكنولوجيا عن طريق التقليد الأعمى ، ومنها اعتماد ما يسمى بالأيام العالمية، والتي يحتفل بها لأمور تعني وتخص البلاد الغربية ، ولا صلة له بالبلاد الإسلامية . وكثيرة هي المعاهدات التي توقع عليها البلاد الإسلامية ولا ناقة لها فيها ولا جمل، ولا تعنيها باعتبار خصوصياتها .
ومن الأيام التي تحتفل بها البلاد الإسلامية تقليدا للبلاد الغربية اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد المرأة . ووجود عنف ضد المرأة في عالم اليوم دليل على بؤسه، لأنه كان من المفروض أن يواكب تطوره المادي تطور قيمه وأخلاقه ، ولكن مع الأسف العكس هو ما يحصل، ذلك أنه كلما ازداد هذا العالم تطورا ماديا ازداد ترديا وانحدارا أخلاقيا وقيميا .
وتقليدا للبلاد الغربية واكب بلدنا المغرب المسلم الاحتفال باليوم العالمي لمحاربة العنف ضد المرأة بحملة وطنية تحسيسية للسنة السادسة عشرة على التوالي لوقف العنف ضد النساء . وضجت وسائل الإعلام عندنا بالحديث عن هذه الآفة ، وحتى منابر الجمعة تناولتها بالحديث . ولقد كان من المفروض ألا يدور عندنا حديث عن هذه الآفة ونحن أمة يتلى في القرآن الكريم بكرة وأصيلا ، وفيه أوامر إلهية توصي بالنساء خيرا ، وعندنا سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وهي سنة خصصت حيزا كبيرا يتضمن كيفية معاملة النساء المعاملة اللائق بهن .
ووجود عنف ضد النساء عندنا دليل على انقطاع صلتنا بمرجعيتنا الإسلامية قرآنا وسنة ، وارتباطنا بمرجعيات أخرى عن طريق التقليد الأعمى الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه حيث قال فيه : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم " قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال :" فمن ؟". ومعلوم أن أنتن حجر هو حجر الضب ،لأن بوله خبيث الرائحة بل هي أخبث رائحة على الإطلاق . ولقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبهنا إلى ما ستصير عليه الأمة المسلمة من اتباع وتقليد لليهود والنصارى حتى يصل بها الأمر تقليدهم واتباعهم في أخبث الأمور.
ومعلوم أن كل طارىء يطرأ على سلوك المسلمين، ويكون مناقضا لما أمروا به في الكتاب والسنة ، أو يكون مما نهوا عنه، إنما هو من نتائج اتباع اليهود والنصارى وقد فصل القرآن الكريم والسنة النبوية في ما خالفوا فيه الأوامر الإلهية وما أحدثوا من تحريف فيما أنزل إليهم الله عز وجل من رسائل .
فإذا وجد العنف ضد النساء عندنا ، فهذا من اتباع سننهم، لأنه لا مكان لهذا العنف في الكتاب والسنة . ففي الكتاب يأمر الله عز وجل أن تكون معاشرة الرجال للنساء بالمعروف، وهو أمر صريح إذ يقول سبحانه وتعالى : (( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )). والمعاشرة هي المخالطة التي تقتضيها العلاقات بين الرجال والنساء، وهي علاقة الزواج، وعلاقة الرحم ،وعلاقة المصاهرة ، وعلاقة الأخوة في الدين التي تؤطر باقي العلاقات . والمعروف هو كل محبوب تأنس به النفس . والمعاشرة بالمعروف لا مكان فيها للعنف لأنه ليس من المعروف . وهذا النص القرآني وحده كاف للحكم على أن العنف ضد النساء في الإسلام لا محل له من الإعراب كما يقول النحاة . وإذا كان سبب نزول هذه الآية الكريمة ما كان بين رجل وزوجه زمن نزول الوحي ، فإن الحكم الصادر فيها يلزم كل مسلم في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة ،لأن العبرة في نصوص القرآن الكريم بعموم ألفاظها لا بخصوص أسبابها . ومما نبهت إليه الآية الكريمة أنه قد يكره المسلم من زوجه شيئا وهو لا يعلم ما جعل فيه الله عز وجل من خير كثير، لأنه لا ينظر إلى عواقب الأمور . والله تعالى يدعو المؤمنين إلى تعميق النظر في عواقب الأمور ، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات التي قد تكون ميلا مع الأهواء ، علما بأن النفس البشرية تميل إلى النظرة السطحية والمتسرعة للأمور ، فينتج عن ذلك أن تحب ما فيه شر لها ، وتكره ما فيه خير لها ، كما كان الشأن حين كره المسلمون القتال ، وأحبوا السلم ،فنبههم الله عز وجل إلى عدم صواب تقديرهم فقال : (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ))، وبالفعل لقد كرهوا القتال، وكان لهم فيه خير لما حصل بعده من أمن وسلام واستقرار وردع لأعدائهم، بينما أحبوا السلم الذي قد يطمع فيهم أعداءهم ويهدد أمنهم وسلامهم واستقرارهم .وعلى غرار كراهية القتال على ما فيه من خير، قد يكره الرجال بعض طباع أو تصرفات النساء سواء كن زوجات أو قريبات وفيها خير لهم لم يدركون بالنظر إلى عواقبها .
وهذا الذي نبه إليه القرآن الكريم، نجده في سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي المشهور : " استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع أعوج ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فاستوصوا بالنساء خيرا " ففي هذا الحديث يستوصي النبي صلى الله عليه وسلم مرتين بالنساء خيرا، الشيء الذي تعني توكيد ذلك، وهو من وظائف التكرار في الكلام . وبالمناسبة لا بد من أن نوضح دلالة هذا الحديث الذي يسيء فهمه ودلالته كثير من الناس ذكورا وإناثا حيث ترى فيه بعض الإناث استنقاصا من شأنهن، وقد يحرضن على هذا الحديث النبوي لرفضه وللتنديد به، وهو مما ينطبق على الشيء الذي يكره وفيه خير كثير . فتشبيه المرأة بالضلع في هذا الحديث إنما القصد منه أنه كما أن العوج في أعلى الضلع ،والذي نعتبره نحن عيبا إنما هو طبيعة فيه ليقوم بوظيفته ، ولو أزيل اعوجاجه لشابه العيب حينئذ ولم يؤد وظيفته، فكذلك المرأة خلقها الله عز وجل على هيئة معلومة خلقا وخليقة ،وقد يساء فهم طبيعتها أو بعض طبائعها، فيظن أنها عيوب ،والحقيقة خلاف ذلك إذ لو غيّر منها شيء لصارت حينئذ عيوبا . ولنضرب مثالا على ذلك ليس عل سبيل الحصر بل على سبيل التمثيل فقط ، ولنأخذ طبع الغيرة المعروفة عند المرأة، والتي يعتبرها كثير من الرجال عيبا خصوصا إذا ما تجلت بحدة ، فإنها في الحقيقة طبيعة وليست عيبا بل جعل فيها الله عز وجل خيرا كثيرا ،ولو زالت من المرأة لكان ذلك عيبا فيها لمخالفته طبيعتها وطبعها ولترتب عن زوالها شر . فغيرة المرأة سواء كانت زوجة أو أما أو أختا أو بنتا أو قريبة أو أختا في الإسلام فيها خير كثير للرجل لما تعكسه من محبة وتقدير وصيانة للرجل . ومن سوء التقدير أن يرى الرجل غيرته أمرا سويا ،بينما يرى غيرة المرأة عيبا، وهي مخلوق خلقه الله عز وجل بإحساس مرهف يفوق رهافة إحساسه لحكمة أرادها سبحانه وتعالى . وإن من غيرة الرجل ما يحمله أحيانا على ارتكاب الحماقات التي لا تخطر على بال في حين يرى في غيرة المرأة تصابيا وعيبا يسخر منه . وما قيل عن طبع الغيرة عند المرأة يقال عن غيرها من الطباع التي جبلت عليها ، والتي قد يكرهها الرجل، ويجعل فيها الله عز وجل خيرا كثيرا .
ولهذا من الجهل أن يفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير الوجه الذي أريد له .
ولنعد بعد هذا إلى موضوع العنف ضد المرأة الذي شاع في مجتمعنا حتى صرنا سنويا نثير نقاشا واسعا حوله وللمرة السادسة عشرة جريا على عادة غيرنا وتقليدا أعمى لهم . لقد تنوعت مظاهر هذا العنف ،وتعددت أشكاله وأساليبه، فمنه ما هو مادي ومنه ما هو معنوي . وأقل ما تتعرض له المرأة عندنا من عنف هو أن تقتحمها عيون الرجال حيثما حلت وهي تشعر بهذا الاقتحام الذي يسبب لها ألما نفسيا، ويشعرها بأنها مستهدفة في جسدها الذي تنهبه العيون بشكل فاضح . وقد يصاحب اقتحام العيون لجسدها عبارات التحرش النابية والمسيئة لمشاعرها ،علما بأن التحرش عنف لا تستطيع المرأة مواجهته إذ لو كانت تقدر على ذلك لما تجرأ الرجل على التحرش بها ، ولهذا تشعر بالغبن وهي تتعرض للتحرش لأنها لا تقوى على الرد عليه بعنف مثله ، ويسبب لها ذلك جروحا عميقة في نفسها . وقد يعرضها الرد على التحرش إلى عنف جسدي، لأن الرد على المتحرش بها بطريقة لا ترضيه يجعله يشعر بالإهانة ،فيحاول الانتقام منها على طريقة لئام الجبناء .
ولقد كان من المفروض ألا يوجد عنف ضد النساء ،ونحن مسلمون يا حسرتاه لأن الله عز وجل أمر بالأخذ بكل ما يصون المرأة بدءا بأمره الرجال والنساء على حد سواء بغض الأبصار التي قد تقتحم الأجساد، وتحرك كوامن الغرائز التي تدفع في اتجاه الاعتداء بما في ذلك اعتداء التحرش والعنف والاغتصاب ... و زيادة على هذا أحاط الله سبحانه وتعالى المرأة بما يصون كرامتها، فألبسها لباسا يليق بها في كتابه الكريم ، ويستر جسدها حتى لا يكون عرضة لنهب العيون ، وأمرها بمشية خاصة تمشيها لا تكسّر فيها حتى لا تجلب إليها الأنظار الجائعة التي تقتحم جسدها ، وأمرها بطريقة معلومة في التحدث لا تغنّج ولا خضوع فيها حتى لا يطمع فيها الطامعون ، كل ذلك صيانة لها ، ووقاية من وقوعها ضحية أمور شتى منها العنف بأنواعه المادي والمعنوي .
ومع شديد الأسف والحسرة ، وتحت تأثير تقليد المرأة الغربية إلى حد دخول جحر الضب وراءها، تخلت المرأة المغربية المسلمة عما صانها به الله عز وجل من ستر في اللباس ، وسمت في المشي ، وتثبت وحيطة في الحديث معرضة نفسها لكل أنواع العنف والإهانة . ومن المؤسف أن يسخر منها ،فتنصح باتخاذ صفارة إنذار تستعملها حين تتعرض للأذى والتحرش عوض أن تنصح بما صانها به الله عز وجل من غض للبصر وستر للجسد ومشي قاصد وحديث متزن بعيد عن الإيحاء الذي يطمع الطامعين .
وأخيرا نقول إن انسياق الرجل والمرأة المغربيين المسلمين وراء الدعوات المغرضة التي تروم إقصاء القيم الإسلامية من واقعهما ومن حياتهما هو أصل الوبال ، ولن تستقيم حياتهما إلا بالرجوع إلى مرجعيتهما الإسلامية قرآنا وسنة.
وسوم: العدد 801