تعديل الدستور.. كيف مهدت الديمقراطية الطريق لديكتاتورية الحكام العرب؟

فريق التحرير - نون بوست

"الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط"، بهذه الكلمات ألمح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه بالشباب فى أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس، في سبتمبر/أيلول 2015، إلى عدم رضاه عن الدستور، وإمكانية تعديله لمنح الرئيس صلاحيات أوسع ومدد أطول.

بدت كلمات السيسي بعيدة كل البعد عن التصريحات النظرية، فالرجل يعمل مع أركان دولته على قدم وساق من أجل تعديل الدستور، ليضمن البقاء في السلطة التي وصل إليها بعد انقلابه في الـ3 من يوليو/تموز 2013 على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر.

دستور مصر.. طريق البقاء في السلطة "للأبد"* 

ليست المرة الأولى التي قد يشهد فيها الدستور المصري تعديلاً لضمان بقاء الرئيس فترة أطول، ففي أوائل عام 1980 عدَّل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات المادة 77 من دستور 1971، الذي كان الأطول عمرًا بعد ثورة 1952، ما سمح للسادات بالبقاء في الرئاسة لمدد غير معلومة، بدلاً من الاكتفاء بدورتين رئاسيتين فقط.

استمر العمل بهذه المادة في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك،  وفي عام 2005، أدخل مبارك تعديلات على نظام الترشح، سمحت بدخول أكثر من مرشح بدلاً من نظام الاستفتاء على مرشح واحد الذي كان معمولاً به منذ عام 1952، لكنها وُصفت بأنها "صياغة مطبوخة" تضع قيودًا تعجيزية.

ذلك التعديل "المعيب" منع ترشيح المستقلين، وهو الأمر الذي يعني ضمنًا إقصاء مرشحي جماعة الإخوان المسلمين المحظورة منذ عام 1954، وتمت هندسته ليمنح جمال مبارك فرصة الفوز بمنصب الرئاسة في الانتخابات القادمة.

وفي عهد السيسي، عاد الحديث مجددًا عن تعديلات دستورية، خلال النصف الأول من العام المقبل، تضمن تمديد الفترة الرئاسية الثانية للسيسي - التي مضى منها ستة شهور فقط - عامين إضافيين على الأقل، وإتاحة الفرصة لإعادة انتخاب السيسي أكثر من مرة، مما يُبقي السيسي في موقعه على رأس السلطة التنفيذية وقمة المؤسسة العسكرية لما بعد عام 2022، وهو الموعد المقرر لانتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة بحكم الدستور القائم الذي أقسم السيسي على احترامه مرتين لدى توليه الرئاسة في يونيو/حزيران 2014، ثم عند إعادة انتخابه في يونيو/حزيران الماضي.

لكن أخطر ما سربته الصحافة عن مشروع تعديل الدستور، هو مقترح لوضع مادة انتقالية في الدستور تنص على إنشاء مجلس أعلى لحماية الدستور برئاسة السيسي "مدى الحياة" سواء كان في السلطة أم تركها، تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على "هوية الدولة" وحماية الأمن القومي للبلاد في حال تولي قيادة سياسية جديدة.

سوريا.. "الدستور أكله الحمار* "

سمح دستور 1973 للرئيس السوري السابق حافظ الأسد - الحاكم المطلق لسوريا الذي أمسك مقاليد البلاد بقبضة من حديد زهاء 30 عامًا - بالترشح لفترات غير محدودة، لكنه اشترط أن يكون عُمر الرئيس 40 عامًا.

عُدل الدستور السوري مرتين، كانت الأولى عام 1981، في عهد حافظ الأسد الأب، وفي 10 من يونيو 2000، وبعد ساعات من وفاة الأسد الأب، انعقد مجلس الشعب السوري في جلسة استثنائية، وخلال نصف ساعة، وعلى الهواء مباشرة، عُدَّلت المادة 83 من الدستور السوري، لخفض سن الرئيس من 40 إلى 34 عامًا، وهو سن العقيد بشار الأسد ابن الرئيس السوري، ليتمكن من تولي منصب الرئاسة.

كانت تلك هي السابقة الأولى لتوريث السلطة في دولة من الدول المفترض أنها ذات نظام جمهوري في المنطقة، إلى أن صدر "المرسوم 94" في فبراير/شباط 2012، القاضي باعتماد الدستور الذي يُعرف بدستور 2012، وفيه اُختزلت كل السلطات في يد الحاكم، فالرئيس يرأس السلطة التنفيذية والقضائية، والبرلمان تحت سيطرته المطلقة.

ومؤخرًا، وصل المسار الطويل لتشكيل اللجنة الدستورية السورية إلى مرحلة مفصلية، لكن ما زال الجدل فيها بشأن صلاحيات الرئيس، وللمفارقة، فإن أفضل من أعطى الدستور حجمه الحقيقي في وجدان الشعب، هو الممثل المنحاز للنظام دريد لحام في مسرحية "ضيعة تشرين"، عندما قال: "الحمار أكل الدستور".

*لبنان.. دستور للديكتاتورية*  

مر دستور لبنان الصادر في 23 من مايو/أيار 1926 بالكثير من محطات التعديل، منها 3 مرات عُدِّل فيها الدستور للحفاظ على التوازنات، كانت المرة الأولى في أكتوبر عام 1995، وفيها مُدِّد للرئيس إلياس الهواري لفترة رئاسية ثالثة، إذ أقر المجلس النيابى قانون التعديل الدستورى بتمديد ولايته، فأصبحت مدة ولايته تسع سنوات.

عُدِّل الدستور أيضًا عام 1998 عند انتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود، في خطوة تهدف إلى إعطاء الشرعية لانتخابه رئيسًا للجمهورية لولاية مدتها ست سنوات، بعدما تم التوافق في الآراء على اختياره للمنصب في لقاء قمة جمع الرئيس إلياس الهراوي والرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق، إذ لم يكن الدستور يسمح بانتخاب رئيس من خلفية عسكرية.  

وفي عام 2004 رغب لحود في التمديد لنفسه ثلاث سنوات، وكذلك كانت الإدارة السورية، وكانت عشر دقائق فقط كافية ليقر مجلس الوزراء في جلسة استثنائية مشروع قانون تعديل المادة 49 من الدستور لتمديد ولاية، فتم تعديل الدستور، وهو ما أثار سجالاً سياسيًا حادًا في لبنان، وانضم للمعارضين رئيس الوزراء رفيق الحريري، ما يُعتقد أنه كان السبب وراء اغتياله.  

*الجزائر.. دستور الرئيس "الملك"* 

في عام 2008، ألغى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مبدأ أساسيًا لتداول السلطة، بما يسمح له بالترشح لولايتين رئاسيتين، حيث عدَّل المادة "74" نفسها، وجعل بموجبها الترشح للرئاسة مفتوحًا بعدما كان لعهدتين فقط، ما أعطاه الضوء الأخضر وقتها للترشح في 2009 لعهدة ثالثة، وبعدها رابعة في 2014، رغم مرضه وعدم تمكنه من المشاركة في الحملة الانتخابية، ما جعل بعض المعارضين السياسيين يصفونه بـ"ملك الجزائر".

ومع اقتراب انتهاء ولايته الرابعة، وقد لا تكون الأخيرة، عدَّل بوتفيلقة - 81 عامًا - الدستور مجددًا عام 2016، ليعزز سلطاته دون المرور باستفتاء شعبي، وأهم ما جاء فيه هو عودة البلاد إلى تحديد عهدة الرئيس بفترتين فقط وإقرار الأمازيغية لغة رسمية ثانية بعد العربية، وهو ما اعتبر بأنه محاولة من الرئيس "حرمان خليفته مما تمتع به".    

كما نص مشروع الدستور الجديد على شروط جديدة يجب أن تتوفر في المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية أهمها عدم حمله لجنسية ثانية، وإقامته عشرة سنوات متواصلة في الجزائر قبل ترشحه، وهي الشروط التي تستوفيه شخصيًا، ليصبح بذلك الرئيس الوحيد في تاريخ الجزائر الذي حكم البلاد لأربع عهدات على الأقل حتى الآن.

*دستور تونس.. الحكم مدى الحياة* 

في 26 من مايو 2002، أعطى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إشارة انطلاق حملة الاستفتاء - الأول من نوعه في هذا البلد - لتعديل دستور تونس 1959، بهدف إنهاء حد للولايات الرئاسية الثلاثة التي يمكن أن يشغلها رئيس الجمهورية التونسية، ما سيسمح له بالبقاء في السلطة لفترة رئاسية رابعة.  

وينص التعديل على عدم تحديد عدد الولايات الرئاسية، مثلما كان معمولاً به في الدستور السابق الذي لا يسمح بأكثر من ثلاث ولايات، وهي المرحلة التي بلغها الرئيس بن علي عام 2004، كما كسر الحاجز العمري برفع الحد الأقصى لسن الترشح لمنصب الرئيس من 70 عامًا إلى 75 عامًا.

لم ينته جدل تعديل الدستور بالثورة على زين العابدين، فقد أعلن رئيس تونس الباجي قائد السبسي عام 2016 نيته إجراء تعديلات دستورية، بهدف اعتماد شكل جديد لنظام الحكم، فيما رأى معارضون في ذلك "تجميعًا للسلطة التنفيذية بيد رجل واحد".

*السودان.. تعديلات دستورية سلطوية* 

في عام 2018 وافق مجلس الشورى السوداني على تعديلات دستورية اقترحها حزب الرئيس عمر البشير نفسه (حزب المؤتمر الوطني)، تسمح للرئيس الترشح مجددًا في انتخابات 2020، بينما ترفض أحزاب المعارضة تعديل "المادة 57" من الدستور لمنح البشير فترة رئاسية أخرى بعد أن اقترب حكمة من 3 عقود.    

ووفقًا لدستور 2005 يحق للرئيس السوداني الحكم لفترتين رئاسيتين فقط، مدة كل منهما 5 سنوات، وإذا لم يتغير الدستور فلن يكون بإمكانه الترشح مرة أخرى، ففي عام 2010، اُنتخب عمر البشير كرئيس جمهورية رسمي، وسط مقاطعة من أحزاب المعارضة وأُعيد انتخابة لفترة ثانية عام 2015، في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة الرئيسية، ووصفها الاتحاد الأوروبي بأنها "لم ترق للمعايير الدولية".  

وبعد مضي أكثر من 29 عامًا أصبح البشير بعد أن شب عن الطوق يمثل مركز القرار الوحيد، وكرست التعديلات الدستورية التي أُجريت عام 2015 كل السلطات في يده بصورة مطلقة، ولم يعد يكترث لأي سقف مرجعي سواء كان ذلك حزبه الحاكم أو الحركة الإسلامية المرجعية الأيديولوجية للحزب.

*اليمن.. صلاحيات أوسع للرئيس* 

أجرى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح تعديلات دستورية عام 2001، بالتزامن مع أول انتخابات محلية تشهدها الجمهورية اليمنية، وتم بموجبها تمديد فترة رئاسة الجمهورية إلى سبع سنوات بدلاً من خمس سنوات، وأعطت الرئيس صلاحيات أوسع، شملت صلاحية حل البرلمان، كما تمدد فترة البرلمان إلى ست سنوات بدلاً من أربع.  

ورغم أن دستور عام 1990 وتعديلاته عام 1994، تضمنا صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية جعلت النظام اليمني من الناحية الدستورية أقرب إلى النظام الرئاسي، إلا أن صلاحيات الرئيس في الجوانب العملية كانت أكبر بكثير مما هي عليه في الصياغة الدستورية.

لهذا رغبت السلطة في إجراء تعديل الدستور لتحدث تقارب بين ما هو محدد في الدستور، وما هو قائم في الواقع العملي، كما تمَّ تعديل الدستور عام 2003 لتمكين صالح من الترشح لولاية ثانية مدتها سبع سنوات، وفاز بفترة رئاسية جديدة رغم إعلانه في البداية عدم عزمه الترشح لهذه الانتخابات.

وسوم: العدد 805