ألق في أريحا
ألق في أريحا
منى عساف
البيدر للإعلام
في أريحا مدينة القمر وأقدم المدن الحضرية في التاريخ، والتي بناها الكنعانيون قبل ما يزيد عن عشرة ألاف وخمسمائة عام، وبدعوة من مكتبة بلدية أريحا، عُقدت ندوة حول العزوف عن القراءة في العالم العربي عامة وفي فلسطين خاصة للكاتب والإعلامي زياد جيوسي.
في بداية الندوة قدمت السيدة مي هلال مديرة المكتبة، الكاتب للجمهور الجيد من مختلف الأعمار الذي امتلأت به القاعة، وأشارت لدورة في توثيق تراث وآثار وتاريخ البلدات الفلسطينية بشكل عام، وما وثقه بمقالات متعددة عن إرث أريحا التاريخي في عدة مقالات نشرت عبر الصحافة الورقية والالكترونية ووكالات الأنباء ولاقت ترحيباً مميزاً.
رحب الكاتب بالحضور واعتبر مشاركتهم تبشر بمستقبل مشرق للعودة للقراءة والثقافة، والتي ستساهم بجعل فلسطين في مصاف الدول المتحضرة والمتمدنة، وقال إنه من الضروري أن تعود أمة "اقرأ" للقراءة والثقافة. إسوة بالرسول محمد عليه السلام الذي شجع في عهده العلم والقراءة ومحو الأمية، وسنه قانون يقضي أن يتم "فداء أسرى بدر" بقيام الأسير بتعليم عشرة صبية من المسلمين القراءة والكتابة". وذكر فترة الخلافة الأموية والعباسية التي تميزت بمساهمتها الفعّالة في النهضة العلمية، وظهور علماء عظام بكافة مناحي العلوم وما زالت كتبهم تدرس في الجامعات الأوروبية. وقال أنه في احصائية تناولت معدل القراءة للفرد في العام، نتيجتها كانت أن حصة الفرد العربي هي ربع كتاب، بينما حصة الفرد الغربي في حده الأدنى هي تسعة كتب في العام. وقال أن واقع المكتبات في العالم العربي ليس بمفرح حيث أصبحت مهجورة، والكتب التي تحتوي على كنوز المعرفة على الرفوف تبحث عن القراء ولا تجدهم. وقال: "يوجد عندنا حملة شهادات عليا ولكن لا نجد نفس النسبة من المثقفين".
وركز في لقاءه على أهمية وضرورة العودة للقراءة ونهل المعرفة المتعددة والمتنوعة في مصادرها ومحتوياتها، فهي تساهم بشكل مباشر في بناء شخصية الفرد بشكل عام، وهي غذاء يحتاجه عقل الانسان بشكل يومي كما يحتاج الجسد للطعام والماء، وانّ المجتمعات كلما زادت ثقافة وازداد عدد مثقفيها أصبحت مجتمعات متحضرة ومتمدنة وإنسانية. وذكر التجربة الفلسطينية التي قام بها قبل أعوام مجموعة شبابية، حيث قاموا بوضع الكتب في وسائل النقل العام الفلسطينية، بهدف تعزيز القراءة لدى المواطنين خلال تنقلهم بين المدن والقرى الفلسطينية، ويتركوها بعد نزولهم من الحافلة لتبقى في متناول يد جميع الركاب، لكن هذه الفكرة باءت بالفشل واختفت الكتب أو مزقت.
وقال ان مصر بعد أن كانت أحد روافع الثقافة العربية في فترة من الفترات السابقة وازدهرت بالقراءة والتراكم المعرفي، إلا أنها أصبحت الآن تعاني من العزوف عن القراءة وتمر في حالة ركود منذ ثورة 25 يناير، بناء على ملاحظات أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عمرو حمزاوي. وذكر نتيجة الدراسة التي صدرت عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مصر بعنوان "ماذا يقرأ المصريون؟" والتي تناولت نسبة القراء إلى نوع الكتاب المقروء والتي تشير في نتائجها أن القراءة تأتي في المرتبة الثالثة بالنسبة لهم. واستشهد بما قاله عاصم شلبي رئيس اتحاد الناشرين المصريين والعرب "إلى أهمية العامل الاقتصادي في أزمة القراءة، مشيرا إلى أن سوء الوضع الاقتصادي لا يجعل الكتاب من أولويات الحياة". وكذلك ذكر ما قاله الروائي محمد المنسي قنديل في الندوة عن متعة القراءة والكتابة، وذكر إجابة الروائي خليل النعيمي عن سؤال حول اتجاه بعض الشباب في عصر الإنترنت للكتابة بدون قراءة الكتب بقوله: "إن الجيل الجديد يقرأ على (الآيباد) ويتلقى المعلومات من مصادر جديدة غير الكتاب المطبوع، وهذا هو المهم".
ثم تحدث الكاتب عن مراحل التوثيق الفكري والثقافي والاتصالات عبر العصور مروراً بالثورة الورقية الحقيقية، والتي تلتها الثورة الرقمية وثورة الاتصالات، والتي بدورها ساهمت بجعل العالم قرية صغيرة وأعادته الى نقطة الصفر زمانيا ومكانيا. وتساءل خلال حديثه: هل الانتقال لمرحلة الثورة الرقمية لعبت دورا في عملية الابتعاد عن القراءة؟ أم أن المسألة سياسة مقصودة لتجهيل الشعوب وإبعادها عن الثقافة والقراءة؟ وقال أن "العرب يعانون من ارتفاع نسبة "الأمية الرقمية" وتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي للطبقة الوسطى الأكثر عددا، والتي تعد الفئة الأكثر إقبالا على القراءة والمعرفة". واستعرض جيوسي ما ورد في ورقة العمل المقدمة من قبله كعضو في مؤتمر الأيام العربية - أمن وسلامة المعلومات في الفضاء السيبراني الثالث المنعقد في تونس في بداية شهر 12 للعام 2012، تحت عنوان "الأمن الثقافي والفكري في تحديات مواجهة الشبكة العنكبوتية. والتي ركز فيها على ضرورة سن القوانين للمحافظة على الملكية الفكرية والثقافية من السرقة في ظل هذه الثورة الرقمية، والتي تجري حالياً دون محاسبة السارقين في العديد من الدول وخاصة في العالم العربي.
وأختتم اللقاء بقوله أنه يجب على الاسرة القيام بدورها الأساس في تنمية مهارة القراءة لدى الأبناء منذ نعومة أظافرهم لتصبح عادة مكتسبة ومحببة لديهم يمارسونها طواعية، وتمنى ان يصبح الكتاب رفيق الانسان العربي في حله وترحاله كما يجري في العالم الغربي، وخاطب الحضور قائلاً: "أرى بكم شباب وشابات الوطن وسواعده السمراء وحلم المستقبل، الرافعة التي ستهتم بإعادة بناء الثقافة في وطننا الذي نحلم بحريته، من خلال القراءة وتكثيفها".
ومن ثم قدم الاستاذ زياد جيوسي عدداً من الكتب هدية للمكتبة في محافظة اريحا وقال:" أقدم لكم مجموعة من الكتب هدية للمكتبة، لعلها تساهم أن تكون نواة لإعادة القراءة وإحياءها لنكون فعلا أمة (اقرأ).. ليلي اللقاء حوار مطول مع المهتمين من الحضور، وتقدم عدد منهم بالعديد من الملاحظات والمداخلات المثمرة والمفيد،ة والتي اضافت للحضور الكثير من المعلومات والأفكار.