اغلاق الاحتلال للمؤسسات الفلسطينية انتهاك خطير للقانون الدولي
في إطار انتهاكاتها الجسيمة لقانون حقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية، وقواعد القانون الدولي العام، أقدمت إسرائيل "السلطة القائمة بالاحتلال" على اغلاق 7 مؤسسات فلسطينية. حيث اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم الخميس الماضي 18/8/2022، عددا من جمعيات العمل المدني ومؤسسات حقوقية في رام الله والبيرة، وذلك بعد أن أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، مساء اليوم السابق الأربعاء، عن تصنيف بشكل نهائي 3 جمعيات فلسطينية بأنها "إرهابية". وطالت اقتحامات قوات الاحتلال مقار جمعيات ومؤسسات حقوقية في رام الله، وجميعها ممن أعلنتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي سابقا "منظمات إرهابية" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
والمؤسسات هي: الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، والحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان العمل الصحي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء. إذ أغلقتها قوات الاحتلال وثبتت ألواحا حديدية على بواباتها وعلقت أوامر إغلاق تام عليها، بعد أن عبثت بمحتوياتها واستولت على ملفات ومعدات عدد منها.
وقامت قوات الاحتلال بتثبيت ألواح حديدية على بواباتها وتعليق أوامر إغلاق تام عليها بحجة "تبعيتها لمنظمة محظورة واستخدامها في أنشطتها"، في إشارة للجبهة الشعبية، وقبل يوم واحد من اغلاقها، أعلن وزير الأمن غانتس، عن تصنيفه بشكل نهائي إلى 3 مؤسسات وجمعيات فلسطينية بأنها "إرهابية"، وذلك بحجة تمويلها للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وردّ مركز عدالة - عضو الطاقم القانوني للدفاع عن المؤسسات الحقوقية الست، والممثل القانوني لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز بيسان للأبحاث والتنمية، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية بعد التصديق على إعلانهم منظمات "إرهابية"، بعدما تم رفض الاعتراض الذي قدّمه الطاقم القانوني ضد هذا الإعلان، واقتحام مكاتب المؤسسات الست وإغلاقها، فجر يوم الخميس ، أنه "بعد أن رفضت عشر دول أوروبية التصريحات التي صدرت في غياب أي دليل، تواصل إسرائيل ملاحقة المجتمع المدني الفلسطيني والناشطين الحقوقيين، بهدف واضح وهو إسكات أي محاولة لتوثيق وكشف انتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي. ويقود الهجمة على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية وزير الأمن الإسرائيلي، المشتبه بارتكاب جرائم حرب، بمحاولة لترهيب كل من يحاول الشهادة على انتهاكاته". وقد تمت مداهمة مكاتب المنظمات بعد ساعات قليلة فقط من قيام القائد العسكري برفض الالتماسات التي قُدّمها مركز عدالة رفضًا لإعلان المنظمات كإرهابية، من دون إعطاء أي رد جوهري أنه لم تتوفر للمؤسسات أي فرصة للدفاع عن نفسها بحجة امتلاك مواد وأدّلة سريّة ضد المنظمات. وجاء هذا الاعتداء ليس فقط على مؤسسات المجتمع المدني، بل على الشعب الفلسطيني بأكمله وعلى حقه في تقرير مصيره.
وتعد المؤسسات التي أغلقت، مؤسسات أهلية تعمل منذ عشرات السنوات في فلسطين، وعن مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان: فهي مؤسسة أهلية فلسطينية مستقلة غير ربحية تعنى بحقوق الإنسان، أسسها في القدس أواخر عام 1991 مجموعة من النشطاء والمهتمين بحقوق الإنسان لدعم ونصرة الأسرى. كما أن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال– فلسطين: عملت لأكثر من عشرين عاما في تقديم الدعم للأطفال الفلسطينيين، وهي أحد فروع الائتلاف الدولي للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال الذي لديه أكثر من خمسين فرعا في جميع أنحاء العالم وأمانة دولية في مدينة جنيف السويسرية. أما مؤسسة الحق: فهي جمعية حقوق إنسان فلسطينية، غير حكومية ومستقلة، تأسست عام 1979 من قبل مجموعة من المحامين الفلسطينيين بهدف توطيد مبدأ سيادة القانون، وتعزيز صون حقوق الإنسان واحترامها في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولجان العمل الصحي: هي مؤسسة فلسطينية أهلية تقدمية، تعمل في التنمية الصحية والمجتمعية في الأرض الفلسطينية بمنظور حقوقي، من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية وبناء النماذج التنموية لكافة شرائح المجتمع خاصة الفقراء والمهمشين. واتحاد لجان المرأة الفلسطينية: هي منظمة نسوية أهلية جماهيرية تقدمية، تأسست عام 1980، بهدف الارتقاء بوضع المرأة الفلسطينية وتمكينها. ومركز بيسان للبحوث والإنماء: هو مؤسسة أهلية تقدمية ديمقراطية غير هادفة للربح، تأسست عام 1989، ويعمل من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، ومن أجل المساهمة في بناء مجتمع مدني فلسطيني ديمقراطي وتقدمي فاعل ومؤثر. أما اتحاد لجان العمل الزراعي: تأسس عام 1986 بمبادرة من مجموعة من المهندسين الزراعيين. ومن أهدافه تعزيز صمود واستدامة سُبل العيش لصغار المزارعين، تعزيز السيّادة على الموارد الطبيعيّة وملاءمتها مع التغيرات المناخيّة، وحماية حقوق المزارعين الوطنيّة والديموقراطية والدفاع عنها. والاتحاد عضو في العديد من الشبكات الدولية والوطنية.
يتضح أن هذه المؤسسات تعمل في المجال الحقوقي، والإنساني، والتنموي، في المجتمع الفلسطيني، وتربطها علاقات وثيقة مع المؤسسات والمنظمات الدولية الرسمية والأهلية النظيرة لها، كما أنه تتلقى الدعم من هذه المؤسسات وخاصة من الاتحاد الأوروبي، ولا تقوم بأي دور تحريضي أو سياسي أو إرهابي كما تدعي حكومة الاحتلال، ولهذا أدانت المنظمات الدولية قرار سلطات الاحتلال اغلاق هذه المؤسسات ومنعها من العمل، وطالبت حكومة الاحتلال بالتراجع عن قرارها غير القانوني وتمكين هذه المؤسسات من مواصلة عملها الإنساني والحقوقي والتنموي. وقد أعربت 9 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، وعرقلة عملها. كما قالت في بيان مشترك لكل من وزارات خارجية: بلجيكا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وأيرلندا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، والسويد. وقالت الدول في بيانها: "لا غنى عن وجود مجتمع مدني حر وقوي لتعزيز القيم الديمقراطية، ومن أجل حل الدولتين". وأضاف البيان، أن "تقليص مساحة عمل منظمات المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يزال مصدر قلق". وأكدت الدول أن إسرائيل لم تقدم معلومات جوهرية من شأنها تبرير سياستها تجاه المنظمات المدنية الفلسطينية، التي قامت بتصنيفها "منظمات إرهابية".
وطالب 22 مشرعا من أعضاء الكونغرس الأميركي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، برفض التصنيف الإسرائيلي إلى 6 مؤسسات حقوقية فلسطينية بارزة بـ "الإرهابية". وجاء في الرسالة التي أرسلتها عضو الكونغرس أيانا بريسلي، برفقة 21 عضوا آخر إن "المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية الست التي استهدفتها التصنيفات الإسرائيلية تعمل بشكل مباشر مع النساء والفتيات الفلسطينيات والأطفال وأسر الفلاحين والمعتقلين ونشطاء المجتمع المدني، وتقدم خدمات مباشرة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان وفضحها". وبحسب ما ورد، طالبت الرسالة وزير الخارجية الأميركي بتقديم إحاطة وتقرير إلى الكونغرس في غضون 30 يوما، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في تقديم أدلة كافية تربط منظمات حقوق الإنسان بـ"النشاط الإرهابي". وأكدت أن هذا القرار يهدف إلى قمع المجتمع المدني الفلسطيني والعمل القانوني في مجال حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة. وأيدت الرسالة أكثر من 140 منظمة أميركية بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأم، وشبكة المنظمات الفلسطينية الأميركية، ومنظمة جيه ستريت، ومنظمة موف اون، ومركز الحقوق الدستورية، والمعهد العربي الأميركي، و"أصوات يهودية من أجل السلام"، ولجنة خدمة الأصدقاء الأميركية
وكانت ردة فعل هذه المؤسسات المستهدفة، وسائر مؤسسات العمل الأهلي الفلسطينية، بإدانة ورفض جريمة اغلاق هذه المؤسسات، والعمل على فتح أبوابها، والإصرار على استمرار عملها، وقد لقيت هذه الخطوة الدعم والاسناد من قبل شعبنا وقواه الوطنية، وكذلك أيضا من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.
إن حماية هذه المؤسسات وتمكينها من مواصلة عملها الإنساني والتنموي والحقوقي لن يتحقق فقط بالتصريحات السياسية، وحملات التنديد والشجب على أهميتها وضرورتها، بل ينبغي أن تترافق بفرض العقوبات من قبل المجتمع الدولي على حكومة الاحتلال، لالغاء قرار اغلاق المؤسسات، وتمكينها من العمل بشكل طبيعي وبدون أي قيود، ومحاكمة مرتكبي هذه الجريمة حتى لا يفلت هؤلاء الجناة من العقاب.
وسوم: العدد 994