غياب التنسيق بين المدرسين في الفصل الواحد بخصوص تكليف المتعلمين بالإعداد القبلي وسوء برمجة الفروض يؤثر سلبا
غياب التنسيق بين المدرسين في الفصل الواحد بخصوص تكليف المتعلمين بالإعداد القبلي وسوء برمجة الفروض يؤثر سلبا على تحصيلهم وعلى نتائجهم
من المعلوم أن أغلب المدرسين يشتكون من غياب الرغبة الجادة في التحصيل لدى المتعلمين ، وهم مستاءون جدا من انحدار مستوياتهم ، ومن سوء سلوكهم داخل الفصول الدراسية ، وهو أمر لا يمكن الاعتراض عليه، لأن الواقع يؤكده إلا أن البحث الجاد عن الأسباب الكامنة وراء ما آل إليه حال المتعلمين قليلون هم الذين يهتمون به من أجل معالجة هذه الظاهرة السلبية التي تنذر بعواقب وخيمة ستكون لها تداعيات على المدى البعيد باعتبار المتعلمين اليوم هم المسؤولون غدا عن هذا الوطن الذي ينتظر منهم الكثير .
وأود في هذا المقال استعراض يعض الأسباب المباشرة التي تجعل تحصيل المتعلمين ضعيفا ، و تجعل نتائجهم دون المستوى المطلوب ، ويتعلق الأمر بغياب التنسيق بين المدرسين في الفصل الواحد بخصوص ما يكلفون به يوميا تلاميذهم من أنشطة الإعداد القبلي ، وبخصوص برمجتهم لفروض المراقبة المستمرة ، أو الاختبارات الفصلية التي تنجز في نفس اليوم .
ولا أظن أن ما يسمى بمجلس القسم كما تنص عليه التوجيهات التربوية الرسمية يقوم بالدور المنوط به إذ لو كان الأمر كذلك لما تعطل التنسيق بين أعضائه وهم أساتذة نفس الأقسام الدراسية بخصوص الإعداد القبلي، و بخصوص برمجة فروض المراقبة المستمرة .
ولو قمنا بتجربة ـ وأرجو أن تقوم بها الإدارات التربوية ، والإشراف التربوي وأولياء الأمور أو جمعياتهم ـ فاعترضنا سبيل عينة من المتعلمين من مختلف المستويات ، وهم يغادرون مؤسساتهم آخر يوم دراسي ثم تفحصنا ما كلفهم به أساتذتهم من إعداد قبلي خاص باليوم الدراسي الموالي لاكتشفنا ما يدل على غياب التنسيق بين أساتذة الأقسام الواحدة ، والمؤشر على ذلك هو حجم أنشطة الاعداد القبيل المطلوبة من المتعلمين ، وهو ما يكلفهم زمنا معتبرا من كل ليلة بحيث لا يمكن إنجاز تلك الأنشطة إلا بعد ساعة متأخرة من الليل ، وهو ما يجعل المتعلمين أحد صنفين في التعامل مع الواجبات المنزلية : صنف لا يوليها أدنى اهتمام وهم الأغلبية ، وصنف يعاني ويتعب كثيرا من أجل إنجاز المطلوب منه ، وهو دائم السهر ليلا .
والمألوف عند كثير من المدرسين أنهم في تكليف المتعلمين بأنشطة الإعداد القبلي يحيلونهم على المطالب أو الأسئلة التي تقترحها الكتب المدرسية وهي متعددة لأن طبيعة تأليف الكتب المدرسية تقتضي تقديم أكبر قدر ممكن من المطالب على أساس أن المدرسين يختارون منها ما يناسب مراحل دروسهم بل لا يوجد ما يلزمهم رسميا باعتمادها بل الأفضل أن تكون المطالب من اقتراحهم إلا أن غالبية المدرسين يحيلون على مطالب الكتب المدرسية دون تقدير ما تكلف المتعلمين من جهد ومن وقت كأن يقول المدرس على سبيل المثال لتلاميذه أنجزوا مطالب أو أسئلة الكتاب المدرسي من رقم كذا إلى رقم كذا ، ويكون العدد ما فوق خمسة أو ثمانية مطالب أو يزيد.
والمطلوب من المدرسين أن يحيلوا على مطلب أو مطلبين أو ثلاثة على الأكثر مما يكون الاشتغال به مما تستوجبه ضرورة تفرضها مراحل الدروس ، ويشترط أن يكون مما يقدر المدرسون أنه يذلل الصعوبات المحتمل اعتراضها تحصيل المتعلمين فهما واستيعابا ، علما بأن المطالب التي تقترحها الكتب المدرسية ليست كلها على نفس الدرجة من الأهمية.
وإذا كان كل مدرس في الفصل الدراسي الواحد يكلف تلاميذه بأكبر عدد من المطالب مما تقترحه الكتب المدرسية، فإن ما يعودون به إلى منازلهم من واجبات منزلية سيكون عملا مضنيا يستوجب زمنا معتبرا يقتطع من فترات راحتهم ونومهم ، وهي فترات لها أهميته الصحية والنفسية .
وقد يؤنب بعض المدرسين تلاميذهم على عدم إنجازهم ما يطلب منهم من أنشطة الإعداد القبلي دون معرفة السبب مع أنهم في الواقع هم السبب ، فلو كلفوا أنفسهم السؤال عن حجم ما كلف به هؤلاء التلاميذ من واجبات منزلية من طرف غيرهم من المدرسين الذين يقتسمون معهم العمل بنفس الفصول الدراسية لأدركوا جسامة أخطائهم في حق تلاميذهم لأنهم يكلفونهم فوق ما يطيقون .
والمؤسف أن بعض المدرسين يكلفون تلاميذه إنجاز الواجبات المنزلية ولا يكلفون أنفسهم مراقبتها أو تثمينها، علما بأن التوجيهات التربوية الرسمية تقضي باحتساب تثمينها ضمن علامات المراقبة المستمرة باعتبارها أنشطة تعلّمية مدمجة .
ومعلوم أنه من مهام الإشراف التربوي أن يتولى تكوين المدرسين انطلاقا مما تمليه التوجيهات التربوية الرسمية على كيفية التعامل مع أنشطة الإعداد القبلي من حيث حجمها ، و أهميتها ، وما تتطلبه من المتعلمين من وقت لإنجازها .
وبناء على توجيهات الإشراف التربوية يلزم الإدارة التربوية أن تحرص على تفعيل التنسيق بين أساتذة الفصول الدراسية الواحدة لتصحيح الوضع غير التربوي الذي يكتنف ما يكلف به المتعلمون من واجبات منزلية ، وهو وضع يعزى إلى غياب التنسيق بين المدرسين كأنهم يتعاملون مع فصول مختلفة وليس مع فصول واحدة .
وإذا كانت الواجبات المنزلية التي تفتقر إلى الواقعية حجما وزمانا ، وإلى الدقة المطلوبة تؤدي إلى انصراف المتعلمين عنها ، الشيء الذي يؤثر سلبا على تحصيلهم الدراسي ، فإن سوء برمجة فروض المراقبة المستمرة الذي يعزى إلى غياب التنسيق أيضا بين أساتذة الفصول الواحدة لا يقل تأثيره السلبي على نتائج المتعلمين حين يفرض عليهم أساتذتهم اجتياز تلك الفروض في أوقات جد متقاربة في صبيحة يوم واحد أو في زواله على سبيل المثال ،علما بأن التحضير لتلك الفروض مجموعة غير ممكن بل وغير تربوي نظرا لاختلاف المواد الدراسية ، واختلاف طرق اختبار المتعلمين فيها ، فمنها ما يقتضي التركيز على مهارة الاسترجاع والحفظ ، ومنها ما يقتضي التركيز على غيرها من المهارات من فهم أو تحليل أو تركيب ... ولا يمكن لذاكرة المتعلمين أن تلتقط بيسر ما يجب استرجاعه بالنسبة لمادتين أو أكثر في نفس الصبيحة ، لهذا تتأثر نتائج المتعلمين الذين يخونهم التركيز في الاسترجاع بسبب سوء برمجة الفروض .
ولا ننسى أن وضع الفروض يتطلب خبرة كبيرة ، وليس كل مدرس يجيد التدريس يكون بالضرورة مجيدا لاختيار الفروض المناسبة حجما وتوقيتا، ذلك أنه قد تكون الفروض جيدة الاختيار لكن يعيبها ما تتطلبه من مدد لإنجازها الأمر الذي تعاني منها الفئات المتفوقة من المتعلمين بله الفئات المتوسطة والفئات المتعثرة .
وقد يسجل بعض المدرسين تعثر تلاميذهم في إنجاز فروض المراقبة ، ويلومون المتعلمين على ذلك ، لكنهم لا يكلفون أنفسهم سؤالهم عن أسباب هم في الحقيقة أطراف مباشرة فيها، لأنهم يعطلون التنسيق فيما بينهم حينما وضع برامج إنجاز تلك الفروض .
ومعلوم أن الإدارة التربوية ملزمة بموجب التوجيهات التربوية الرسمية بتفعيل التنسيق بين الأساتذة في إطار مجالس الأقسام لتفادي سوء برمجة فروض المراقبة وما يترتب عن ذلك من نتائج غير مرضية .
وفي الأخير أدعو آباء وأمهات وأولياء أمور المتعلمين إلى القيام بتجربة فحص ما يكلف به أبناؤهم وبناتهم من واجبات منزلية ، وقياس الوقت الذي يستوجبه إنجازها ، والاتصال بإدارات المؤسسات وإشعارها بما لاحظوه من مشاكل تعترضهم وهم ينجزون تلك الواجبات ، كما أدعوهم إلى تحري ظروف إنجازهم فروض المراقبة خصوصا تلك التي تتزامن في أوقات واحدة دون علم أساتذة الأقسام الواحدة بذلك ، وتبليغ الإدارات التربوية والأساتذة أيضا بذلك من أجل تلافي سوء ظروف إنجاز تلك الفروض التي تؤثر سلبا في النتائج ، ولا يجب أن يقف هؤلاء الأولياء عند حد الإسرار إلى بعضهم البعض عندما يلتقون بقلقهم مما يعترض أبناءهم وبناتهم من عراقيل تحول بينهم وبين التحصيل الجيد ، وتحقيق النتائج المرجوة .
وأرجو آخرا أن يقبل الجميع بصدر رحب ما تضمنه هذا المقال من نقد إنما أريد به النصح ، وما التوفيق إلا بالله عز وجل .
وسوم: العدد 1014