من وحي لحظة استجمام عابرة

أفضل ما تهفو إليه النفس  لحظات الاستجمام  في الأماكن الساحرة طبيعتها برا أوبحرا ، وهي لحظات باخلة لا تجود إلا نادرا ، لأنها ليست كباقي اللحظات في عمر الإنسان، بل هي نادرة وقد تكون مكلفة ماديا، لكنها لا تخلو من متعة ،يجد الإنسان في توثيقها تسجيلا أو تصويرا كي يعود إليها بين الحين والآخر محاولا عبثا استحضار مشاعره التي صاحبتها، والحقيقة أنها ممتنعة لأنها لا تتكرر، بل تصير مجرد أحلام تفسدها اليقظة كما قال الشاعر :

تأمل إذا ما نلت بالأمس لذة            فأفنيتها هل أنت إلا كحالم

اقتنصت لحظة من لحظات الاستجمام ، وصدق القول أنني أرغمت عليها إرغاما من أجل سعادة من يسعد الإنسان بسعادتهم راضيا أومكرها من فلذات الأكباد وممن تقر بهم العيون . وأنا جالس تحت شمسية بمسبح في مركب سياحي جميل وسط قرية تافوغالت الساحرة ، أتأمل منظر الغابة المعانقة للمكان الذي لم تفسد هدوءه إلا أبواق موسيقى زاعقة صاخبة كان من يذيعها عبر مكبر الصوت شاب  يختارها وفق ذوقه ومزاجه ،  وهو يفرضها على نزلاء المركب فرضا وقسرا ،وكانت كلها مما ينعت بفن"  الراي "  الذي لا أرغب في وصفه ولسان حالي قول إحدى صويحبات أم زرع  التي أحجمت عن ذكر زوجها في لحظة استعراض نسوة في الجاهلية أزواجهن بخير أو بشر حيث قال : " زوجي لا أبث خبره إني أخاف ألا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره"، فكذلك حالي مع فن الراي ، ولعلي قد شخت عما جاء به هذا الزمان من أعاجيب أو مما سماه الفيلسوف الكندي سيادة التفاهة في  كتابه " نظام التفاهة " . وأنا على الحال التي وصفت، امتدت يدي إلى كتاب كان على الطاولة المظللة بالشمسية اتقاء القيظ ، وكان مما اختارته إحدى ابنتي رفيقا لها في فترة عطلتها ، وكان كاتبه  روائي اسباني  ، فنظرت كعادتي مع كل الكتب إلى  صفحة غلافه الأخيرة التي غالبا ما يستغلها الكتاب من أجل إغراء القراء بالإقبال على ما يكتبون ، فقرأت ما لم أقرأ من قبل حيث ذكر الكاتب أنه اكتشف وهو في العشرين من عمره أن الروائيين أو الكتاب لا يستهدفون شريحة الشباب فيما يكتبون أو يبدعون، فكان كلامه بالنسبة إلي وأنا أقرأه لأول مرة ، ولم أسمع به من قبل ، أو أقول لم يخطر لي بال من قبل  مفاجأة، خصوصا وأنني ممن يكتبون أو ممن يسرفون في الكتابة حتى وصفني أحدهم ذات يوم أنني مصاب بإسهال الكتابة مع أنه ليس من العيب أن يكون الإسهال في الكتابة، بل العيب أن يكون العسر فيها ، ولعل الذي نعت الكتابة بالإسهال وهو ذو عسر فيها قد زل لسانه إذا شبه  الإقبال على الكتابة  بالإقبال على الطعام  ، ولا يفعل ذلك إلا ذو شره ، وما تذهب الفطنةَ إلا البطنةُ كما يقال .

لم أفكر في يوم من الأيام في الكتابة من أجل شريحة الشباب تحديدا ، ولم أستهدفها يوما ، لهذا بدت لي الفكرة التي خطرت للروائي الإسباني غاية في الأهمية حتى أنها قدحت في ذهني أن أفكر فيما سماه الكتابة الشبابية . ولعل من قارب العقد السابع من عمره مثلي ، إن كان ممن يمارسون الكتابة أن يحمل قلمه على خوض تجربة الكتابة الشبابية شريطة أن يوفق فيها كما وفق الروائي الإسباني على حد قوله .

ولا شك أن الكتابة الشبابية  إذا ما تعاطاها من هم في مثل سني ستتطلب منهم أولا معرفة شباب هذا العصر جيدا  دون العودة  إلى ذكريات شبابهم  والقياس الخاطىء عليها ،لأن كل شباب إنما يخلق لعصره ، وهو قول ينسب للإمام علي كرم الله وجهه ، وهو ممن  أجرى الله تعالى الحكمة على لسانه .

ولقد قمت من مكاني وقد أوحت لي لحظة استجمام عابرة بأن اقتحم الكتابة الشبابية لعلي أصيب الذي أصابه الروائي غير أني لست من هواة الكتابة الروائية . وأشير على كل من يتعاطون الكتابة هواية لا ارتزاقا أن يخوض مثل هذه التجربة فلعلهم يكونون ممن يجيدونها .

وسوم: العدد 1089