عشرون رصاصة على جسد صبي مُعاق… ودبابة دهست مُسنّة على كرسي المعاقين
«هذا مكان إياد، انظروا إلى جثته متحللة، قتلوه في فراشه بدم بارد يا عمي» تقول امرأة غزية وهي تشير إلى مكان في ساحة منزلها، الذي دمرته آليات إسرائيلية شرقي خان يونس، ويظهر رفات ابنها الشهيد متفحما، بعد أن أعدمه جنود الاحتلال في فراشه، وألقوا بجثته في هذا المكان، رغم كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تؤكد أفنان أبو دقة، (51 عاماً) أن ابنها قعيد، لا يقوى على الحركة، فيما تضع يدها على كرسيه المتحرك غير السليم، والذي يفتقد إلى بعض العجلات البلاستيكية، ما صعّب عملية الفرار به، تحت وابل من النيران.
تقول لـ «القدس العربي»: «هذا الكرسي، حاولنا أن نضع إياد عليه ونهرب، عندما هاجمنا طيران الاحتلال ليلاً، ولكننا لم نستطع، كان القصف عنيفاً، والقنابل تنزل بجوارنا، والرصاص يمر فوق رؤوسنا، ومن تحتنا».
«هربنا دون إياد» تضيف النازحة العائدة إلى بيتها المدمر في منطقة بني سهيلا، بعد رحلة نزوح مضنية إلى مناطق وسط وغرب خان يونس، دامت 3 أشهر.
وتكمل: «بعد هروبنا، دخل جنود الاحتلال إلى غرفة إياد، حيث كان راقداً على فراشه، وقتلوه بدم بارد وبدافع التسلية، أطلقوا عليه عشرين رصاصة في صدره، قمنا باستخراج تلك الرصاصات من جسده».
وتتساءل: «ماذا فعل هذا المعاق لهم؟ هل حاربهم؟ هل ضرب عليهم النيران؟ لم يفعل لهم أي شيء. كان نائمًا في فراشه. أليس هذا حراماً؟ ألا يخافون ربهم؟».
وبدافع التسلية أيضاً، طاردت الدبابات والمدرعات الإسرائيلية النازحين من بني سهيلا، حيث كانت تدهس المقعدين وكبار السن، الذين لم يتمكنوا من النجاة بأنفسهم، وبينهم راوية أبو صلاح، (75 عاماً) التي لم تهملها الدبابات وقتاً للنجاة فداستها بجنازيرها، وحولت جسدها الضعيف الهزيل إلى أشلاء.
يحكي الحفيد معاذ، ما حدث مع جدته في أثناء الفرار من آليات الاحتلال، ويقول: «خرجنا أنا وعمي من الخيمة، التي أقمناها فوق منزلنا المدمر، ركضنا عندما اشتد القصف علينا. كان القصف من جميع النواحي، وكانت معنا جدتي، نحملها على كرسي متحرك، متجهين غرباً».
يشير خلال حديثه لـ «القدس العربي» إلى الكرسي المتحرك، الذي سوته الدبابة بالأرض: «هذا الكرسي كُسر منّا ووقع ونحن نجري، وسقطت الجدة على الأرض».
من شدة القصف وإطلاق النيران بغزارة من جميع الاتجاهات، لم يلحظ الحفيد والابن أنهما تركا الجدة خلفهما، حيث دهستها الدبابة.
يشير الشاب العشريني إلى مكان الجريمة المليء بآثار القصف والدماء: «في هذا المكان تحديداً، صعدت الدبابة فوق جسدها».
ويوضح: «حاولنا العودة وأخذ جثتها، لكن كان علينا طخ بشكل مش طبيعي. قصف مدفعي وإطلاق نار من الدبابات».
أشلاء الجدة المقعدة:
وقبل عشرين يوما، عادت العائلة من رحلة نزوح إلى منطقة مواصي خان يونس، يوضح الابن سامي أبو صلاح: «بعدما رجعنا من النزوح وجدنا أشلاء الجدة على الكرسي، بالأمس القريب وجدنا قدمها، وقطعاً أخرى صغيرة من جثتها. كانت الكلاب تنهش تلك الأشلاء، وتأكل فيها. كان المشهد مأساويًا، وأشعرنا كثيرًا بالحزن والضياع».
إفلات إسرائيل من العقاب والتعامل معها كدولة فوق القانون هذا ما يرى فيه الفلسطينيون سبباً لاستمرار الإعدام الممارس بحقهم بشتى الطرق منذ 76 سنة، فالمشكلة ليست فقط في مرتكبي الجريمة، بل في منظومة دولية بعيدة تماماً عن الإنصاف.
ويرى المواطن الأربعيني خلال حديثه لـ «القدس العربي»: «لو كان في محاكم عادلة لم تكن قوات الاحتلال لتتمادى في القتل. قتل المدنيين. لو كانت هناك محاكمات دولية لحكومة الاحتلال لما وقع القتل فينا يومياً».
ويؤكد ابنها سامي أن الاحتلال يستهدف المدنيين الضعفاء من الشيوخ والمقعدين: «جدتي مسنة مقعدة حولوا جسدها إلى أشلاء دون أن يهتز لهم جفن. وهناك أيضًا شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة. أعدموه بدم باردٍ».
ويشير إلى جريمة الإعدام الميداني للشاب المعاق حركيًا إياد الحلبي على فراشه في بني سهيلا. ويجيب على سؤال طرحه بنفسه: «من الذين يموتون في هذه الحرب؟ المدنيون والعجائز والأطفال!».
سكان يروون عن فظائع ارتكبها الاحتلال قبل انسحابه
أزهار أبو رضوان، شاهدة عيان على إعدام المسنة الفلسطينية، راوية أبو صلاح، في أثناء فرارها مع أبنائها من هجوم قوات الاحتلال الكاسح، كما وصفته. تقول: «كانت المرأة العجوز تقيم في الخيمة المجاورة لنا، وفجأة أتت جرافات وآليات الاحتلال لتهدم الخيام فوق رؤوسنا، فهربنا جميعاً».
وتضيف: «حاول أبناء السيدة الفرار بها من جيش الاحتلال، لكن ما باليد حيلة. دهسوها بالدبابة واستُشهدت، وأتى أولادها اليوم وجمعوا أشلاءها».
تشير المواطنة، التي فرت إلى المواصي، غرب خان يونس، أنهم هربوا بالملابس التي كانوا يرتدونها، وقت هجوم آليات جيش الاحتلال دون سابق إنذار، والقذائف تحوطهم من جميع الجهات، بعدما تركوا جميع أغراضهم خلفهم، فيما توضح بعد عودتها.
وتتابع: «قلنا سنرجع ونجد الخيام كما هي، لكننا فوجئنا أن كل شيء قد تحول إلى دمار. لم يبق هنا سوى الصحراء» مؤكدة أن منطقة بني سهيلا قد تعرضت لما وصفته بـ«دمار شامل».
وتناشد المواطنة الثلاثينية، التي نزحت أكثر من مرة واستشهد زوجها بعد حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كل دول العالم أن تساند الشعب الفلسطيني، من خلال الضغط على الاحتلال، كي يوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها ضد أبناء قطاع غزة.
وتقول: «يا عالم انظروا إلينا بعين الرحمة! قوموا وقفوا مع أهل غزة. والله غزة تعبت، لا نستطيع أن نصف لكم ما في قلوبنا من كلام. اشعروا بما في قلوبنا من حزن على الشهداء، أعطونا أمل».
ولم تكتف قوات الاحتلال بإعدام امرأة مسنة وشاب قعيد، أثناء مداهمة بلدة بني سهيلا، قبل عدة أشهر، بل استكملت فصول جرائم الإعدام الميداني بحق المدنيين في قطاع غزة، بدهس طفل، 4 أعوام، بالإضافة إلى والده وجدته، حسب كريمة عوض، شاهدة عيان أخرى على استهداف المواطنين المسالمين دون شبهة أو مبرر.
تقول المواطنة الأربعينية لـ: «نظرت خلفي أثناء الهرب من نيران الاحتلال، فرأيت دبابة تدهس خيمة داخلها امرأة ستينية وابنها الشاب وحفيدها الصغير».
وتوضح السيدة الفلسطينية بعد عودتها من النزوح: «قلبنا أغراض هذه الخيمة المهدومة بعد عودتنا، فوجدنا جميع من فيها ميتين، بمن فيهم الطفل، كانت جثثهم متعفنة، وعبارة عن خليط من اللحوم المحروقة».
وتتساءل: «ما الفرق بين هذا الطفل الغزي المقتول والطفل المغربي الريان الذي لقي تعاطفا عالميا وساهمت فرق إنقاذ من دول عدة في جهود انتشال جثمانه بعد 5 أيام من سقوطه في بئر عميقة خلال عام 2022؟ لماذا لا ينتفض العالم من أجل أطفال غزة؟».
جثث في شوارع خزاعة
ولم ينفذ جيش الاحتلال، الإعدامات الميدانية في بني سهيلا فقط، بل في العديد من البلدات الواقعة شرقي خان يونس مثل قرية خزاعة، التي نزح منها أحمد النجار إلى منطقة المواصي غربا.
يقول: «بسبب الدمار الذي أحدثه جيش الاحتلال في خزاعة قبل عدة أشهر، اضطررنا إلى النزوح إلى المواصي، التي زعم الاحتلال أنها آمنة، لكن كانت هناك أيضًا استهدافات». وفي شهر مايو/ أيار الماضي وبعد انسحاب القوات البرية لجيش الاحتلال من خان يونس في اتجاه مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، تناهى إلى سمع النازحين أن بلدة بني سهيلا أصبحت آمنة، فاتجهوا غرباً. ويوضح المواطن الأربعيني : «ونحن في الطريق بالقرب من خزاعة فوجئنا بالجثث تملأ الشوارع وحجم الدمار الهائل في كل أرجاء القرية. وهذا يؤكد أن قوات الاحتلال نفذت إعدامات ميدانية بحق المواطنين وهم في طريق النزوح».
نبش قبور والعبث فيها
ليست الإعدامات الميدانية فقط ما قام بها جيش الاحتلال في مناطق شرق خان يونس، بل امتد الأمر إلى نبش قبور الشهداء والعبث فيها، بحثًا عن جثث القتلى من الأسرى الإسرائيليين.
ويقول أحمد النجار ابن بلدة خزاعة: «ذهبنا إلى منطقة المقابر، كي نطمئن على جثامين أبنائنا وأبناء بلدتنا، حيث وجدنا حفرًا عميقة جدًا. وجثث الشهداء على وجه الأرض متحللة ومبعثرة، حتى جثث السيدات. كانت الكلاب قد نهشت تلك الجثث، فقمنا بجمعها ودفنها مرة أخرى»
ويؤكد أن ما فعله جيش الاحتلال من «تعد على حرمة الموتى» في مقابر خزاعة، يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، فضلاً عن قتل وتشريد المدنيين: « على المجتمع الدولي أن ينظر إلى ما يفعله الاحتلال من انتهاك للمواثيق والأعراف الدولية. أنا لم أتوقع حجم هذا الدمار.
الاحتلال يقتل الناس ويدمر منازلهم ويحرمهم من الحياة، ولا يكتفي، بل يؤرقهم في موتهم».
مسعد أبو الخير، أحد أهالي خزاعة، يشير إلى أن جنود الاحتلال استخدموا الجرافات واللوادر في الردم على جثث النازحين، الذين «قتلوهم بدم بارد».
ويؤكد : «وجدنا شهداء وقد أهال جنود الاحتلال عليهم التراب، بعد أن تم قصفهم بالصواريخ، وهم يهربون إلى مكان آمن. كان الهدف بالطبع التغطية على جريمتهم، وما فعلوه من قتل للمدنيين».
ويوضح الشاهد على تدمير قوات الاحتلال لمقابر بلدة خزاعة: «الاحتلال حفر كل القبور، وأخرج كل الجثث منها، لم أجد جثتي أبي وأمي ولا حتى قبرهما، القبور كلها دخلت على بعض. قمنا بإعادة دفن الجثث التي وجدناها على ظهر الأرض، كان منظر الجثث فظيعًا، حسبي الله ونعم الوكيل في هذا المحتل الهمجي البربري».
وسوم: العدد 1093