نديم العروضيين المجلس التاسع

سلامٌ عليكم!

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!

طبتم صباحا -يا أبنائي!- وطاب مسعاكم إلينا! بسم الله -سبحانه، وتعالى!- وبحمده، وصلاة على رسوله وسلامًا، ورضوانا على صحابته وتابعيهم حتى نلقاهم! كيف حالكم؟ كيف أصبحتم؟ أصبحتم نائمين حقا! بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، ويسر لنا ولكم كل عسير، وسهل كل صعب! اليوم نستمتع بتناول نمطين جديدين من الوزن ومن القافية، من خلال قصيدةٍ مهمةٍ مؤثرة مشهورة، أهميتها من أن صاحبها استطاع أن يبعث الموتى مجازا، وتأثيرها من أنها حملت الشعراء على تقليدها، حتى صار لها تراث من المعارضات، سمعتم عن المعارضة؟ ما المعارضة؟ ما المعارضة في الأصل؟ المعارضة المخالفة؟ من أين جاءت الكلمة؟ من المشي بالعرض؛ تمشي ويمشي بجوارك شخص، تتسابقان، هل تستويان أم يسبق أحدكما الآخر؟ هذه هي المعارضة. ومنه مِشية العِرِضْنى من سير الخيل:

"تَمْشِي الْعِرِضْنَى مِشْيَةَ الْمُخْتَالِ"!

"قَدْ مَلَّ مَرِيضَكَ عُوَّدُهُ وَرَثَى لِأَسِيرِكَ حُسَّدُهُ"!

"مَنْظُومُ الْخَدِّ مُوَرَّدُهُ يَكْسُونِي السُّقْمَ مُجَرَّدُهُ"!

"صَبٌّ بِالْهَجْرِ تَهَدُّدُهُ قَدْ ذَابَ جَوًى مَنْ يُنْجِدُهُ"!

"اَلْحُسْنُ مَكَانُكَ مَعْبَدُهُ وَاللَّحْظُ فُؤَادِي مَغْمَدُهُ"!

"أَقَرِيبٌ مِنْ دَنِفٍ غَدُهُ فَاللَّيْلُ تَمَرَّدَ أَسْوَدُهُ"!

"مُضْنَاكَ جَفَاهُ مَرْقَدُهُ وَبَكَاهُ وَرَحَّمَ عُوَّدُهُ"!

هذه "يا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ"، ومن أشهر الأخطاء فيها أن يقول القائل: "يَا لَيْلَ الصَّبِّ". سأكلمكم عنها في أثناء قراءتها وفيما بعدها -إن شاء الله!- فانتبهوا؛ ينبغي لنا أن نضبطها في علم اللغة بحيث لا نتيح لأي خطأ أن يتسرب -وإن كان يسيرا!- فالسكوت على اليسير باب الوقوع في العسير، "يا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ"، للحُصْرِيِّ الْقَيْرَوَانِيِّ المتوفى سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمئة الهجرية -هكذا تتكلمون عن التواريخ- المتوفى سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمئة "الهجرية" - لا "هجرية" كما يقولون، ولا "هجريا"- هكذا تقولون، معنى هذا أنه من رجال القرن الخامس الهجري، ولا تنسوا هذا، لا تنسوا أنه من رجال القرن الهجري الخامس، لا من رجال العصر الجاهلي ولا صدر الإسلام ولا بني أمية ولا العصر العباسي الأول، متى بدأت دولة بني العباس؟ سنة أربع وعشرين ومئة من الهجري، أي قبل وفاة هذا الرجل بزمان، فهو إذن في النصف الثاني. الحُصْرِيِّ الْقَيْرَوَانِيِّ، (الْحُصْرِيّ) نسبة إلى صناعة (الحُصْر)، و(الحُصْر) مخففة من (الحُصُر) -حَصِير، حُصُر- وهذا التخفيف معروف حينما ننسب إلى مثل هذه الكلمة يخففون، كما ينسبون إلى "كُتُب" فيقولون: "كُتْبِيّ" -كتبتُ عن الكُتْبِيِّين مرة- والكُتْبِيّ: الْوَرَّاق -هذه كلمة معروفة- والورَّاق المشتغل بالورق والكتب والنسخ والطباعة وجمع الكتب ومداولتها. وهذا الحصري القيرواني الشاعر هو قريب الحصري صاحب (زهر الآداب)، و(زهر الآداب) أحد كتب الأدب المشهورة التي يحرص الطالب على اقتنائها وقراءتها وحفظ ما فيها، مِنْ مِثْل؟ ها، ذكروني بكتب الأدب الكبار! هل تذكرون الكتب التي أوصى بها ابن خلدون في المقدمة طالب الأدب حتى يكوِّنَ منها ذخيرته؟

البيان والتبيين.

البيان والتبين، صحيح.

الأمالي.

الأمالي للقالي، صحيح.

الكامل.

الكامل للمبرد.

أدب الكاتب.

أدب الكاتب لا بن قتيبة، وهذا يُذكَر كذلك، وإن لم يكن صريحًا في هذا المجال، كذلك ...؟

خزانة الأدب للبغدادي.

خزانة الأدب؟ وارد كذلك، وارد على الرغم أنه - سبحان الله!- في شرح شواهد الكافية، لكنه استطرد؛ قيل: كان ينتهزها فرصة، كلما وجد بيتا استطرد؛ فتكلم عن صاحب البيت، وعن كذا، وعن كذا، وعن الأحداث التي حدثت في البيت، فصار خزانة. ها، وكذلك ...؟

العقد الفريد.

العقد الفريد، وكذلك...؟

الأغاني.

الأغاني للأصفهاني، طيب! هذه الكتب تُقتَنَى لِتُقْرَأ، هكذا كنت أقتنيها وأقرؤها كلمة كلمة، وأحاول أن أحفظ، وأن أنقل إلى كتبي كذا، واشتريتها من المعرض، وقد كان المعرض أمامكم فمن ذهب منكم إلى المعرض؟ من ذهب؟ خولة -من؟- مارية، ورحاب، ومنى، وأسماء -ومن؟- وريان وصفية -ما شاء الله!- العدد هنا أكثر! وكذلك أحمد، ومكتوم، ومروان، والسَّرْحَنِي، وياسر، ومنصور، في الوسط. بعض الناس ذهب إلى الشارع ورجع من الزحام!

رحت ولا اشتريت شي!

ولهذا أشار بيده هكذا في الوسط، لم يصل إلى هذا ولا إلى ذاك! هناك ناس ذهبوا إلى قرب المكان، ورجعوا من الزحام! ما شاء الله! وفد على المعرض مليون وستون ألف شخص! لا بد لهذه المشكلة من حل! لا بد لمشكلة الزحام من حل، لابد! طيب، ماذا اشتريتم؟ ها، خولة، ماذا اشتريتِ من المعرض؟

هذه الكتب كانت هدية منكم.

اشتريتِها مرة أخرى؟

اشتريت العمدة لأنني أضعته.

العمدة لابن رشيق؟ بتحقيق من؟ أتذكرين المحقق؟

لا.

حققه رجل مهم، حققه أولا عالم مصري كبير من علماء النصف الأول من القرن الميلادي العشرين، ثم حققه مرة أخرى رجل سوري مهم! طيب! ها، صفية، ما أهم ما اشتريت من المعرض؟ لا تذكرين! ها! من ساوَمَ؟ من نجح في المساومات كما أوصيتكم؟ من؟ أوصيتكم، ها! قولي، قولي يا ريان، ماذا فعلتِ عند المساومة؟ قال لكِ: بمئة، فقلتِ: بخمسة؟

ههه!

ها! وتنجح المحاولات، تنجح، وأنجح الناس في المساومات النساء، حتى إن الرجل يكره نفسه، يتمنى لو كان ترابا! -"يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا"- قبل المساومة –ههه!- وللنساء قدرة على المساومة جبارة!

وإذا كانت البائعة امرأة؟

مشكلة، هذه مشكلة؛ امرأة لامرأة! "صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْءًا يَصْدَعُهُ"! كما قال المثل القديم، أي قابلت ألعن منها!

ههه!

ها، من؟ سرحني، ماذا اشتريت؟

كتاب في النحو وكتاب...

ما هذا الكتاب؟

...

لا يذكر، مسكين! مروان، ماذا اشتريت؟

ما اشتريت شيئا.

لكن ذهبت، حضرت الأمسيات والأصبوحات وكذا؟ ماذا حضرت؟

اشترى زميلي يا دكتور!

أن تكون صاحب شاري كتب أفضل من أن تكون شاري كتب!

ههه!

لتذهب هذه العبارة حكمة كالحكمة التي أذهبتها للدكتور محمود محمد الطناحي -رحمه الله، وطيب ثراه!- قال: "أن تكون صاحب صاحب سيارة خير من أن تكون صاحب سيارة"!

ههه!

نعم؛ يتنقل مجانًا! "أن تكون صاحب صاحب سيارة خير من أن تكون صاحب سيارة"؛ فقياسًا عليها: "أن تكون صاحب شاري كتب خير من أن تكون شاري كتب"! قياس مع الفارق، مستحيل، أو ربما -والله!- ربما تستعيرها منه كلها فيما بعد، وتقرؤها، وتعيدها؛ كان الجاحظ يذهب إلى المكتبات -تمام؟- كمكتبة الضامري مثلًا، يقول: أجِّر لي المكتبة اليوم أو ثلاثة أيام، أجرها! بكم؟ ويُغْلي له، فيقرؤها كلها بالإيجار، ويذهب! بارك الله لك في مكتبتك! يقرؤها في ثلاثة أيام، كلها، ثم يتركه، ويذهب! هكذا كان يفعل هذا الشيطان الجاحظ! وأنا في المعرض أحيانا أقرأ الكتاب واقفا في المكان: مع السلامة قرأناه، وانتهينا! وأنت واقف تقرأ الكتاب، وتذهب مرتاحا من دون أن تدفع أي شيء! كان نزار قباني -رحمه الله، أو فعل به ما شاء، كما يقول الأدباء!- يبيع كتبه غالية جدا! كانت له دار نشر اسمها "منشورات نزار قباني"، والكتاب صغير هكذا وغال جدا، كنت أقرؤه وأنا واقف: انتهينا، السلام عليكم! في الماجستير مثلا عثرت على كتاب: يا سلام! هذا هو! وَأَنا وَاقِف انتهيت منه: السلام عليكم! مَجَّانًا، حيلة بالإضافة إلى حيلة المساومة! بارك الله فيكم! على أية حال، فتح الكلام في هذا كتاب "زهر الآداب"، وهو كتاب رجل من هذه العائلة؛ يعني هو ابن خال صاحب هذه القصيدة. "زهر الآداب" كتاب في أربعة أجزاء، كتاب مهم، كالعقد الفريد، العقد أفضل طبعًا وأشهر، لكنه كذلك مهم. وفي أول التحقيق تكلّم المحقق عن هذا الرجل، وأورد قصيدته، وأورد بعض المعارضات، هي أول ما واجهني من معارضات هذه القصيدة، كانت في مقدمة محقق "زهر الآداب"، وهو رجل معروف جدا، يسمونه الدكاترة زكي مبارك، يسمونه "الدكاترة" لا الدكتور، "الدكاترة" لحصوله على أكثر من دكتوراة! هذه ظاهرة معروفة عندنا، يطلقون على الرجل "دكاترة" إذا كان قد حصل على أكثر من دكتوراة، كالدكاترة حامد ربيع مثلا –أستاذ سياسة، عبقري جبار، حصل على أكثر من دكتوراة!- وعندكم ناس هنا من مثل هؤلاء، يحصلون على أكثر من رسالة. طيب! فالذي فتح باب الكلام عن كتب المعرض هو الحصري قريب هذا الرجل صاحب "زهر الآداب"، هذا الكتاب المهم. نعود إلى صاحبنا هذا، فالقيرواني أي التونسي -القيروان: تونس، ونحن نفتخر ببلادنا كلها، وحينما كلمَنا بعض أفاضل إخواننا الجزائريين عن دورة الحضارة قلنا له: يا أخي، حضارتنا هذه واحدة، لكنها تشرق من هنا ثم من هناك ثم من هنالك، لكنها حضارة واحدة، لا عصبية هنا لبغداد ولا لدمشق ولا للقاهرة ولا لتونس ولا للجزائر ولا للخرطوم ولا لمسقط، لا، لا عصبية إلا لحضارتنا على وجه العموم، التي تشرق كل مدة من مكان، تشرق شمسها كل مدة من مكان، لظروف. طيب، ماذا يقول صاحبنا هذا؟         

يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ، للحُصْرِيِّ الْقَيْرَوَانِيِّ، المتوفى عام ثمانية وثمانين وأربعمة الهجري.

"يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

رَقَدَ السُّمَّارُ وَأَرَّقَهُ أَسَفٌ لِلْبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

فَبَكَاهُ النَّجْمُ وَرَقَّ لَهُ مِمَّا يَرْعَاهُ وَيَرْصُدُهُ

كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذِي هَيَفٍ خَوْفُ الْوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ

نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكًا فِي النَّوْمِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ

وَكَفَى عَجَبًا أَنِّي قَنِصٌ لِلسِّرْبِ سَبَانِيَ أَغْيَدُهُ

صَنَمٌ لِلْفِتْنَةِ مُنْتَصِبٌ أَهْوَاهُ وَلَا أَتَعَبَّدُهُ

صَاحٍ وَالْخَمْرُ جَنَى فَمِهِ سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ

يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفًا وَكَأَنَّ نُعَاسًا يُغْمِدُهُ

فَيُرِيقُ دَمَ الْعُشَّاقِ بِهِ وَالْوَيْلُ لِمَنْ يَتَقَلَّدُهُ

كَلَّا لَا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَدُهُ

يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْناهُ دَمِي وَعَلَى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ

خَدَّاكَ قَدِ اعْتَرَفَا بِدَمِي فَعَلَامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ

إِنِّي لَأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِي وَأَظُنُّكَ لَا تَتَعَمَّدُهُ

بِاللَّهِ هَبِ الْمُشْتَاقَ كَرًى فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِدُهُ

مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِدُهُ

لَمْ يُبْقِ هَوَاكَ لَهُ رَمَقًا فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُوَّدُهُ

وَغَدًا يَقْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ

يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُوَرَّدُهُ

يَهْوَى الْمُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ وَصُروفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ

مَا أَحْلَى الْوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ لَوْلَا الْأَيَّامُ تُنَكِّدُهُ

بِالْبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ فَيَا لَفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلُّدُهُ"!

"يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ"، من أخطاء الناس كما ذكرت لكم "يَا لَيْلَ الصَّبِّ"! خطأ طبعا؛ فهو يسأل الليل عن الصَّب، لا ليل الصب: يا ليل، الصب متى غده، متى يأتي الغد؟ أما لهذا الليل من آخر -كما قال محمود درويش- أما لهذا الليل من آخر! "أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ" -ومنه أخذ صاحب أغنية "في عشق البنات"، قوله: "أَجَّلْ دَعْوَتِي لَمّا الْقِيَامَة تْقُومْ"!- أما لهذا الليل من آخر! "رَقَدَ السُّمَّارُ"، مَن السُّمَّار؟

الذين يتسامرون في الليل.

ساهرو الليل، والكلمة أصلا من السمر، وهو ظل القمر -متى تخرجون إلى الرمال؟ إلى رمال وهيبة؟ متى يخرج أهل الشرقية للسمر في رمال وهيبة؟ في الليالي البيض التي يكون فيها للأشياء في القمر ظل- فالسمر ظل القمر، يسمى الشخص من هنا سَامِرًا، وجمع "سَامِر" "سُمَّار"، لا كما قالت طالبة: مفرد "سُمَّار" "سَمِير"! لا، "سَمِير" لا تجمع على "سُمَّار"، تجمع على "سِمَار"، وعلى "سُمَرَاء"، لكن "سُمَّار" جمع "سامِر"، كـ"رُكَّاب" جمع "راكِب"، وهكذا. "رَقَدَ السُّمَّارُ": رقدوا، حتى الساهرون رقدوا! "وَأَرَّقَهُ أَسَفٌ لِلْبَيْنِ يُرَدِّدُهُ"، أسف أي حَزَن، للفراق، "يُرَدِّدُهُ"، يردده؟ مَن الْمُرَدِّدُ؟ ومَا الْمُرَدَّدُ؟ أيردده الأسف بين رغبة في النوم ورغبة في الأرق؟ ما هذا! كلام عميق! مَن الْمُرَدِّدُ؟ ومَن الْمُرَدَّدُ؟ "فبكاه النجم"، النجم نفسه بكاه ورق له! لماذا؟ "مما يرعاه ويرصده"، وما الذي يرعاه ويرصده؟ الغزال في البيت التالي.

"كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذِي هَيَفٍ خَوْفُ الْوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ"، ما الهَيَف؟ طول في رشاقة. أي من خوفه أن يكون مرئيا يشرد من هنا إلى هنا إلى هنا، فلا يستطيع أن يمسك به. "نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكًا فِي النَّوْمِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ"؛ فكيف بي في الحقيقة! ها! أي لم أمسكه في الحلم؛ أفأمسكه في اليقظة! "نصبت عيناي له شركًا"، ما الشرَك؟ الشرَك المِصيَدة، الحِبَالَة، الأُحبولة، الشبَكة كما تقولون. "وَكَفَى عَجَبًا أَنِّي قَنِصٌ   لِلسِّـرْبِ سَبَانِيَ أَغْيَدُهُ"، "وكفى عجبًا أني قنِصٌ"، مَن القنِص؟ الصياد هذا، القانص، هذه مبالغة في قانِص.

صيغة مبالغة على وزن فَعِل.

نعم؛ مثل حَذِر يَحْذَر فهو حاذِر والمبالغة حَذِر. "وَكَفَى عَجَبًا أَنِّي قَنِصٌ لِلسِّرْبِ سَبَانِيَ أَغْيَدُهُ"؛ راح يصطاد صادوه كما تقولون في العمانية، صادوه، عندكم لعبة "صادوه"، كيف تقولون؟

صادوه.

صادوه، واسم البرنامج مأخوذ أصلا من اسم هذه اللعبة العمانية "صادوه"؛ يفعل كذا كذا، فيقولون له: "صادوه"، أي وقع في الفخ! ها! وصاحبنا هذا ذهب يصطاد فاصطِيد -هكذا يقولون في العربية- ذهب يصطاد فاصطيد. "صَنَمٌ لِلْفِتْنَةِ مُنْتَصِبٌ أَهْوَاهُ وَلَا أَتَعَبَّدُهُ"، هذا الغزال "صنمٌ للفتنة منتصبٌ" يكفر -ها!- أوشك أن يكفر! "أَهْوَاهُ وَلَا أَتَعَبَّدُهُ"، رجع إلى إيمانه، الحمد لله، ما شاء الله، متدين، مطوع، طيب، الحمد لله! "صَاحٍ وَالْخَمْرُ جَنَى فَمِهِ سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ"، صاحٍ هذا الغزال، صاحٍ سكران -ها!- فيه متناقضات! "يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفًا وَكَأَنَّ نُعَاسًا يُغْمِدُهُ"، "ينضو من مقلته سيفا": ما معنى ينضو؟ يَشْهَر.

يُشْهِر.

يَشْهَر، لا يقال يُشْهِر، هي الشَّهْر، شَهَر سيفه. لا، لا تقل: أَشْهَرَ سَيْفَهُ، شَهَر سيفه -ها!- "ينضو من مقلته سيفا"، يعبرون عن أن العين في الأجفان كالسيف في الأغماد، "يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفًا وَكَأَنَّ نُعَاسًا يُغْمِدُهُ": يعني إذا نظر شهر وإذا نام أغمد. "فَيُرِيقُ دَمَ الْعُشَّاقِ بِهِ وَالْوَيْلُ لِمَنْ يَتَقَلَّدُهُ"، "فيريق دم العشاق به"، أي في الشارع طوال الطريق يقتل العشاق من عن يمين ويسار، ولا يبالي، "والويل لمن يتقلده"، أي هذا الغزال محمي لا يستطيع أحد أن يقترب منه، محمي هذا، "والويل لمن يتقلده"! "كَلَّا لَا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَدُهُ"، يدفع عنه: وما ذنبي أنا؟ هكذا خلقني ربي، فأنا أمشي في الطريق أقتل عباد الله المساكين دون قصد، فهل عليَّ من ذنب! ما لي أنا! هكذا خلقني ربي -سبحانه!- فتنة للناظرين؛ فعليهم أن يغضوا أبصارهم -ها!- أم ماذا؟ أنتحر! عليهم أن يغضوا أبصارهم! ما شاء الله! فتوى فقهية! وهي واردة؛ كلما جاء هذا البيت تذكرت حدثا حدث لأمي حينما خرجت إلى السوق القريبة من البيت -وكانت تسمى "سوق المُكسَّحين"، لأن السوق في العادة تبدأ مبكرًا، أما هذه فتبدأ متأخرًا و تنتهي متأخرًا جدًّا!- تذهب الظهر مثلًا، وأنا كنت أذهب إلى هذه السوق بعد الصلاة، كانت تنفعنا بتأخرها -ها! هذه الأسواق في القديم كانت تبدأ بعد الفجر، وتستمر إلى الضحى، وتنتهي، والسلام عليكم! هكذا كانت أسواقنا، ثم صارت تبدأ من الضحى لا من الفجر، وهكذا وهكذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!- فذهبت تشتري، فوجدت بائعة تطلع صاحبتها على عِقد عُرسها عروس جديدة -ما شاء الله!- تطلع صاحبتها البائعة على عقدها: جميل! فانقطع في اللحظة إلى قطع، انفرط -ها!- فأمسكت بها: حسدتِني! طيب! تخيل أنهما ذهبا إلى القاضي، إلى قاضي السوق -ههه!- فكيف سيفتي في هذه المشكلة؟ كيف سيفتي؟ أين الدليل؟ "حسدَتْنِي"؟ أين الدليل؟ هل من جهاز لكشف الحسد!

ههه، لا!

سمعنا عن جهاز كشف الكذب مثلا، لكن لم نسمع عن جهاز كشف الحسد! هذا يحتاج إلى أشعة ليزر! لعله يكون، إن شاء الله! "كَلَّا لَا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَدُهُ"، هذه الفتوى التي استفزتنا إلى حكاية الحكاية! "يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْناهُ دَمِي وَعَلَى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ"، "يا من جحدت عيناه دمي"، قتلتَنِي وأَنْكَرْت، "وَعَلَى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ": انظروا إلى اللعب بالجماليات! تستطيعون أن تقولوا: إنه لم يستحدث في الجماليات جديدا، لكنه كان ظريفا جدا في إدارتها، كان ظريفا جدا في سياساتها! لم يبتكر ملمحا جماليا جديدا عند التدقيق؛ فالجماليات هي هي؛ هكذا كانوا يحبون، هكذا كانوا يتغزلون، لكنه طوَّر الطريقة، طوَّرها إلى مستوى من الظَّرف بعيد جدا، إضافةً إلى هذا الوزن الذي سنتناوله بعد قليل. "وَعَلَى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ"، يشهد على كذبه! "خَـدَّاكَ قَدِ اعْتَرَفَا بِدَمِي فَعَلَامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ"، خداك أنفسهما دليلي، قد اعترفا بدمي، فعليهما دمي! "فَعَلَامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ"، لأنها تنكسر هكذا عند النعاس، وتُعرض، وتنكر! "إِنِّي لَأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِي وَأَظُنُّكَ لَا تَتَعَمَّدُهُ"، أربأ بك عن أن تكون قتلتَني -ها!- أعيذك من قتلي، "وأظنك لا تتعمده"، هل رأيتم قتيلا يجتهد في تبريء القاتل قبل هذا القتيل -ها!- هل سمعتم بقتيل يجتهد في تبريء القاتل قبل هذا القتيل! "بِاللَّهِ هَبِ الْمُشْتَاقَ كَرًى فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِدُهُ"، "بِاللَّهِ هَبِ الْمُشْتَاقَ كَرًى" نوما؛ "فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِدُهُ"، "يسعده" فهمها بعضكم على أنها من السعادة، وهي ربما كانت من الإسعاد بمعنى الإعانة؛ يأتيني، ويأخذني من هذا الأرق، وأنام. الإسعاد في العربية الإعانة، وهو من الساعد، في الذراع ساعدان، أعلى وأسفل -ها!- فمن هنا جاء الإسعاد بمعنى المعاونة. "مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِدُهُ"، "لَـمْ يُبْـقِ هَـوَاكَ لَهُ رَمَقًا   فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُـوَّدُهُ"، ما الرمق؟ بَقيّةُ النَّفْس؛ حينما يُقتل القتيل يظل مدّة قبل أن تهمد جثته. كم هذه المدّة؟ تتفاوت الحيوانات في هذا -والإنسان داخل فيها طبعا- ويضربون المثل بأحد الحيوانات، أنه أطول الحيوان ذَماءً كما يقولون -والذَّماء بقية الحركة- ها، ما هذا الحيوان؟ الضب، قالوا: يذبح مثلا اليوم وبعد أسبوع تجده يتحرك -ههه!- تأتي لتطبخه، فتجده يتحرك! متى يهمد هذا! والضب هو حكيم الحيوان، في أساطير العرب أن الضب هو الحكيم، ويسمى أبا الحِسْل، يُكنى أبا الحِسْل، ابنه الحِسْل، يا أبا الحسل: كذا كذا جئناك نختصم إليك...- "فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُوَّدُهُ": عُوَّد جمع أم مفرد؟ جمع؟ فما مُفرَده؟ مُفرَد فما جمعه؟ لا مهرب!

عائد.

عائد، ومن العائد؟ الزائر في المرض- "فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُوَّدُهُ"، جاءوا يعودونه فوجدوه قد مات -ولا حول ولا قوة إلا بالله!- أو وجدوه في الرمق الأخير! "وَغَدًا يَقْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ"، "وغدا يقضي"، ما معنى يقضي؟ يموت تماما، يقضي نحبه -وإن لم يذكر "نحبه"!- "وغدا يقضي"؛ فهو في الرمق الأخير، "هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ": يتزوده! لأي شيء يتزوده! يحمله معه إلى الموقف العظيم! إلى يوم البعث والنشور -ها!- يأخذه معه إلى قبره! لا حول ولا قوة إلا بالله! وهنا أتذكر أغنية شعبية اسمها "شَحّات الغَرام" - الشحات الطَّلَّاب عندكم، هذا مُتسوِّل الغرام، يشحَت غراما- الحبيب واقف في الشارع، وحبيبته في الشرفة، فيشحت -أليس طَلَّابًا!- يقول: "شَحّاتْ وَمَدّ إِيديهْ وَكَسْرِ خَاطْرُو حَرَامْ"، فتجيبه: "حَدَفُو الْهَوَى هِنا لِيه"؟ فيقول: "طَالِبْ تِحِنّو عَلِيه، يا مُحسنينِ الغَرام! فتقول له: ونحن قول لي بإيه"، فيقول: "اِرْمُوا لُو نَظْرَة -تذكروا: "مِنْ نَظَرٍ"، الفكرة نفسها!- أو ابتسامة، حَسَنة وتنفَعْ يُومِ القِيامة" -ها!- هذا الكلام طبعا شديد، نتفكه به ولا نتجاوز حد التفكه، لأنه شديد يوشك أن يهلك الناس، نتفكه به، وهكذا كان أهلنا وقدماؤنا يتفكهون بمثل هذه السخافات، ولا يتجاوزون حد التَّفَكُّه: انظروا كيف قال، انظروا كيف قال، يتفكَّهون!- "هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ"، من مات على شيء بعث عليه.

نعم.

فنسأل الله ألا نموت إلا على خير وصلاح حتى نبعث عليه! "يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُوَرَّدُهُ"، ما الشَّرَق -شَرِقْتُ بدمعي- ما الشَّرَق؟ الْغُصَّة. "يَا أَهْلَ الشَّوْقِ"، انظروا إلى اللعب بالكلام، "شوق" و"شَرَق"، "شوق" و"شَرَق"، "شوق" و"شَرَق"، وفي الكتابة يعني قريب من قريب، بديع هذا بديع، من فن البديع يسمى جناس التصحيف، لكنه لم يكثر منه، "يَفِيضُ مُوَرَّدُهُ"، ما المورَّد؟ الدمع المورَّد، ما الدمع المورَّد؟ ها، نعم!

وُرِّدَ من الحزن.

ما معنى وُرِّد من الحزن؟ ها! هي من الورد، لكنه لا يريد الورد، هو مُوَرَّد، لا مُدمًّى يبكي دمًا، الدم طبعا والورد قريب من قريب، فأراد ببكائه دمعًا موردًا دمعًا مُدَمًّى، يبكي دمًا! أنا أبكي دمًا يفيض حتى أشربه، تأملوا: يبكي، يبكي حتى يَدخل الدمع المدمّى فمه، ويملأه، ويشرقَ به! إلى هذا الحد! "يَهْوَى الْمُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ وَصُروفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ"، تأملوا: "لِقَاءَكُمُ"، لو قلتم "لِقَاءَكُمْ"، لكسرتم الوزن! وهذا عربي، لم يخترعه الشاعر، بل قرئ به القرآن الكريم، في سورة الفاتحة مثلا: "عليهِمُ" في بعض القراءات "عليهِمُ"...

قراءة ابن كثير.

أحسنت! معنا لَيْثٌ، فكيف نتكلم؟ تفضل!

هذه قراءة ابن كثير براويتَيِ البِزّي وقُنْبل.

الله الله!

وكذلك في ورش تضم الميم إذا كانت بعدها همزة.

الله الله، يا سلام، شيء جميل أن يكون معنا ليث، بارك الله فيك!

آمين.

"عليهِمُ" -ها!- فالرجل لم يرتكب إثما، بل فعل مثلما يفعل بعض العرب في بعض الكلام، استفاد منهم، استفاد من هذا الملمح، كما ستستفيدون في الاختبار -إن شاء الله!- ستحتاجون في الاختبار إلى القراءات كلِّها -إن شاء الله!- وطبعا سيكون لَيْث مرجعا عندئذ! ها، ماذا قلنا؟ "يَهْوَى الْمُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ"، لكن لو قلنا "يَهْوَى الْمُشْتَاقُ لِقَاءَكُمْ وَصُرُوفُ الدَّهْرِ" انكسر، فعندنا حل موجود، وهو عربي مبين، قرئ به القرآن الكريم، وإذا قرئ القرآن بشيء فهو فصيح عالي الفصاحة، لا يمكن أحدًا أن يتهمه بأنه ضرورة، مستحيل، إلا إذا كان ملمحا جماليا في القرآن في الفواصل المتناسبة؛ ففيها يحدث من البديع مثل ما يحدث في الشعر، كما قال ربنا مثلا: ﴿سَلَـٰسِلَا وَأَغْلَـٰلًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان: 4]، "سلاسلا" مصروفة في بعض القراءات...

سلاسلَ!

لحظة، لحظة، ليث، ألا يقال في بعض القراءات: "سلاسلًا وأغلالًا وسعيرا"؟ تَذَكَّرْ، تَذكَّرْ، لا تخطئ -ها!- وهناك موضع آخر!

سلاسلَ.

"سلاسلَ" هذه نعرفها.

لكن لا، لا، لا أعرف أنه قد...

لحظة لحظة -طيب!- في قواريرَ؟

"قواريرَا، قواريرَ من فضة"؟

الأولى نقف، والثانية لا نقف.

لحظة لحظة، أحسنت أحسنت، الوقوف على "قواريرا".

نعم.

هذا الوقوف ما معناه؟ المفروض إذا كان ممنوعا من الصرف أن نقول: "قوارير"، لا أن نقول: "قواريرا"، لا تقال "قواريرا" إلا إذا كانت الكلمة مُنَوَّنَة، معنى هذا أنه صَرَفَ الممنوع من الصرف.

نعم.

رأيت؟

هذا في سبعة مواضع في القرآن.

ها، قُلْ!

في سورة الأحزاب ثلاث آيات.

ماذا قال؟

"الظنونا".

كيف نسينا "الظنونا"! ها، "وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا"، المفروض في العادة "وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ".

هذه تقف عليها، عندما تقف تقف بالألف، عندما تصلها تصلها بالفتح.

صحيح، صحيح.

وكذلك قوله: "الرسولا".

و"الرسولا".

"أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠".

أحسنت أحسنت، هذا هو، هذا الذي أقصد، فهناك في القرآن ملامح بديعية مثل التي في الشعر، ملامح بديعية مثل التي في الشعر، كيف نتكلم عنها؟ كيف نقول؟ هذا من تناسب الفواصل، وعندكم كتب في هذا المعنى: "تناسب الفواصل". نعود "يهوى ...

دكتور.

نعم.

الشعر أكثر من أن يكون الضرورة الشعرية ...

كلمة ضرورة لا تليق بالشعراء الكبار، ولا يجوز أن تُذْكَر في القرآن الكريم، أنا أُعَلِّمُكُمْ أصلًا...

في الشعر.

أنا أُعَلِّمُكُمْ في الشعر ألا تفهموا من كلمة "ضرورة" ما يُفهم منها خطأ أنه مضطر، ما أكثر ما قلت لك يسمونها الضرورة، وأحسنُ من هذا الاسم أن تسمى "لغة الشعر"، لأن الشاعر الكبير غير مضطر، ما الذي اضطره؟ يمكنه أن يحذف هذا لكنه أراده، قصده، هو يريد هذا؛ فلماذا يريده؟ لأثر فني، هذا هو. وعندكم في المكتبة كتاب اسمه "لغة الشعر دراسة في الضرورة الشعرية"، كتاب ضخم هكذا، يقول فيها صاحب الكتاب: الأفضل أن تسمى لغة الشعر. هي طبعًا مصطلحها الضرورة -هذا معروف على مدار التاريخ- لكن أحيانًا يَفهم منها الشخصُ خطأ أن الشاعر مضطر -أي لابد- والشاعر الكبير يستطيع أن يحذف البيت أصلًا كما نصحه أبو العلاء: احذف ما يضرك من الأبيات فعندك غيره! طيب، أما هذا فليس منه، هذا الذي نحن فيه ليس منه أصلا. "يهوى المشتاق لقاءكمُ" هذا قُرئ به القرآن، وهو من لهجات العرب. "وَصُروفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ": ما الصروف؟ المصائب. "مَا أَحْلَى الْوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ لَوْلَا الْأَيَّامُ تُنَكِّدُهُ"، "مَا أَحْلَى الْوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ"، ينزل في آخر القصيدة، ينزل ويهدأ، ويقدم ختاما هادئا. "لَوْلَا الْأَيَّامُ تُنَكِّدُهُ"، بم تُنكّده؟ بالبَيْنِ، وبالهِجْرَانِ، ما فرق ما بين البين والهجران؟ أهما واحد؟ ها! لا طبعا، في كل منهم انقطاع، لكن في البين انقطاع بالسفر، بالرحلة، وفي الهجران انقطاع في الحضور، البين انقطاع في الغياب، والهجران انقطاع في الحضور، بم تُنَكِّدُه؟ بالبين.

بالبين وبالهِجران.

بالبين وبالهِجْران، قال بعضكم: "الهُجران"! و"الهُجْران" مثنى هُجْر، والهُجْر: القبيح من الكلام! خطأ، والصواب: هِجران، هِجْران. كذلك من أخطائكم وأخطاء الناس عموما "فُقْدان"، خطأ، والصواب: "فِقدان"، "فِقْدان"، مثنى "فُقد"، وليس في العربية "فُقْد" هذه! "فِقْدان" لا "فُقْدان" -ها!- و"هِجْران" لا "هُجْران". "فَيَا لَفُؤَادِي" ما هذا الأسلوب؟ يتعجّب كيف تجلّده، كيف مع البيّن والهجران يتجلّد! سبحان الله! سبحان من صبَّر الإنسان!

قد ضبطناها في علم اللغة كل ضبط، فمن يستطيع أن يقرأها في منافسة دون خطأ، بخمس درجات إذا أصاب، وبِطَرد إذا أخطأ؟ من يقدر؟ ها! طَرَدْنَا مَنْ طَرَدْنا ما شاء الله أن نَطْرُد المحاضرات السابقة، فلعلنا هذا اليوم نحظى ببعض المتقنين، ها، ليث!

نعم.

مستغنٍ عن المحاضرة؟ أإلى هذا الحد تستغني عن المحاضرة؟

بإذن الله -سبحانه، وتعالى!- بتوكلي على الله سأجتازه بإذن الله!

والله يحب المتوكلين!

الله يحب المتوكلين.

ها -"إنَّ الأمَانِيَّ غَرَر"!- تفضل!

"يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

رَقَدَ السُّمَّارُ وَأَرَّقَهُ أَسَفٌ لِلْبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

فَبَكَاهُ النَّجْمُ وَرَقَّ لَهُ مِمَّا يَرْعَاهُ وَيَرْصُدُهُ

كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذِي هَيَفٍ خَوْفُ الْوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ

نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكًا فِي النَّوْمِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ

وَكَفَى عَجَبًا أَنِّي قَنِصٌ لِلسِّرْبِ سَبَانِيَ أَغْيَدُهُ

صَنَمٌ لِلْفِتْنَةِ مُنْتَصِبٌ أَهْوَاهُ وَلَا أَتَعَبَّدُهُ

صَاحٍ وَالْخَمْرُ جَنَى فَمِهِ سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ

يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفًا وَكَأَنَّ نُعَاسًا يُغْمِدُهُ

فَيُرِيقُ دَمَ الْعُشَّاقِ بِهِ وَالْوَيْلُ لِمَنْ يَتَقَلَّدُهُ

كَلَّا لَا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَدُهُ

يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْناهُ دَمِي وَعَلَى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ

خَدَّاكَ قَدِ اعْتَرَفَا بِدَمِي فَعَلَامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ

إِنِّي لَأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِي وَأَظُنُّكَ لَا تَتَعَمَّدُهُ

بِاللَّهِ هَبِ الْمُشْتَاقَ كَرًى فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِدُهُ

مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنًى

مع السلامة ضَنَى صبٍّ، مع السلامة، مع السلامة، مُدهِش! ليث مُدْهِش! وسيكمل إدهاشه في الخارج!

ههه!

مع السلامة، لا، لا عذر، ليث ليس بالذي يُعتَذَر عنه، ها، مع السلامة!

لا حول ولا قوة إلا بالله!

ههه!

أحسنت يا ليث! أحسنت، لا عذر، مع السلامة، ها، من يكمل؟ من؟ ريان، أرأيتِ المستوى؟ وسيخرج! مع السلامة -ها!- ليث، مع السلامة! ليث هذا أقوى من الحاضرين، فينبغي أن يعاقَب ضعف العقاب!

لكن دكتور...

لا، يقرأ على قراءة حفص!

ههه!

أنا تدربت عليها "ضنًى" يعني طول الوقت.

من الذي درَّبك؟ قاتله الله!

أنا بنفسي.

أحسنت، يا ليث لو كانت "ضنًى" لوضعنا فتحتين على النون، ها؟

لم أنتبه لها.

ثم لنفترض أنها "ضنًى"، ما سبب كسر "صبٍّ" هذه؟ ها! لنفترض أنها "ضنًى"، تقول: "داويت ضنًى صبٍّ"! معقول هذا الكلام! كيف كنتَ ستقول -يا ربي، ليتني صبرت عليه حتى أعرف!- هذا شيء مثير فعلا! كيف كنت ستقول؟ صَبًّا، صَبٍّ، صَبٌّ، كيف كنت تنطقها -ها!- كيف كنت ستنطقها؟ تقول "صبٍّ" -"ما ضرك لو داويت ضنًى صبٍّ"- ولا في الهندية! مع السلامة، تفضل، تفضل!

ريان أكملي.

أكمل؟

أكملي.

بسم الله...

أعيدي هذا البيت، وأكملي، أعيدي السادس عشر وأكملي، إلى الثاني والعشرين.

مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِدُهُ

لَمْ يُبْقِ هَوَاكَ لَهُ رَمَقًا فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُوَّدُهُ

وَغَدًا يَمْضِي

يمضي! امضي مع السلامة، يمضي! ما شاء الله! "وغدا يقضي"، منتهى التحقيق! ها، مع السلامة! ليث، إما أن تخرج، وإما أن أحذف خمس درجات!

دكتور لكن...

إذن نحذف خمس درجات.

لا حول ولا قوة إلا بالله!

ريان تخرجين أو أحذف خمس درجات؟

سأخرج.

تفضلي!

ليث!

لا تقدر تضحّي بالدرس، صعب، صعب!

الله عليك! الله عليك! هذا كلام الكبار هذا! هذا كلام طلاب العلم.

لا أستطيع التضحية.

ما شاء الله، ما شاء الله! هذا الكلام قالته من قبل زينبُ الخاطرية، وقبلت أن تخسر خمس درجات ولا تخرج! زينب فقط، وأحمد الناصري خسر عشر درجات وصمم على الجلوس، هذا موقف طلاب العلم. ليــث ناقص خمس درجات، وبالله التوفيق! طيب، ماذا بقي؟ ماذا بقي؟ لا، لا، هذا يُعلّمه التحقيق، ليكون في المرة القادمة أفضل. طردنا أسماء مرة، فجاءت مِن التي بعدها شيطانة من الشيطانات، ها! هكذا يتعلم الواحد. طيب، إلى أين وصلنا؟ أكملي يا ابنتي -ها!- ما اسمك؟

ليلى.

ليلى، ها، أعيدي "وغدا...

وَغَدًا يَقْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ

يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُوَرَّدُهُ

يَهْوَى الْمُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ وَصُروفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ

مَا أَحْلَى الْوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ لَوْلَا الْأَيَّامُ تُنَكِّدُهُ

بِالْبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ فَيَا لَفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلُّدُهُ!

أحسنتِ يا ليلى! بارك الله فيك! ها، تريدين أن تنافسي على الدرجات؟ أكملي من الأول، إلى حيث وقفتِ -ها!- حقها، سنعطيها حقها، ها! يبدو أنها عندها شغل في الخارج، ها!

يَا لَيْلُ الصَّبُّ...

لحظة، إلى كم استمعنا؟ إلى ليث وريان وهذه ليلى، ثلاثة ثم نعود إلى المجانية، ها!

"يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

رَقَدَ السُّمَّارُ وَأَرَّقَهُ أَسَفٌ لِلْبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

فَبَكَاهُ النَّجْمُ وَرَقَّ لَهُ مِمَّا يَرْعَاهُ وَيَرْصُدُهُ

كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذِي هَيَفٍ خَوْفُ الْوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ

الدكتور: أعيدي، كَلِفٌ..

ليلى:

كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذِي هَيَفٍ خَوْفُ الْوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ

نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكًا فِي النَّوْمِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ

وَكَفَى عَجَبًا أَنِّي قَنِصٌ لِلسِّرْبِ سَبَانِيَ أَغْيَدُهُ

صَنَمٌ لِلْفِتْنَةِ مُنْتَصِبٌ أَهْوَاهُ وَلَا أَتَعَبَّدُهُ

صَاحٍ وَالْخَمْرُ جَنَى فَمِهِ سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ

يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفًا وَكَأَنَّ نُعَاسًا يُغْمِدُهُ

فَيُرِيقُ دَمَ الْعُشَّاقِ بِهِ وَالْوَيْلُ لِمَنْ يَتَقَلَّدُهُ

كَلَّا لَا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَدُهُ

يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْناهُ دَمِي وَعَلَى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ

خَدَّاكَ قَدِ اعْتَرَفَا بِدَمِي فَعَلَامَ جُفُونَكَ...

جُفُونَكَ! مع السلامة! وانتهت المنافسة، الحمد لله الذي وفقنا إلى طرد ثلاثة! الحمد لله! اليوم استمتعنا! أمس استطاعت ميسون أن تقرأ من غير خطأ، وحصلت على خمس درجات. وأولَ من أمس استطاع مصعب أن يقرأ من غير خطأ ويحصل على خمس درجات. واليوم تفضل الله علينا بطرد ثلاثة، إلا أن واحدا آثر أن يجلس على الخسارة! ها، اختاري، اختاري الحب أو اللَّاحُب!

أخرج.

ماذا قال نذار؟ إني خيرتك فاختاري، ها!

ما بين الـ...

ما بين الجنة والنار -لا أريد أن أذكر الأشياء الأخرى- ما بين الجنة والنار، ها!

أخرج.

تفضلي، طبعا خمس درجات ما شوية، تخرج الميت من الحي بالحذف، وتخرج الحي من الميت بالإضافة! طيب، الحمد لله! استمتعنا فعلا، هذه المنافسة فعلا مثيرة، أعرف أنكم تنتظرونها كل مرة: ها من الذي طُرِد؟ مَن الذي أخذ؟ من الذي فقد، شيء بديع مثير جدا! نكتب الآن بيتين من أول القصيدة، لأنني أرى أنها ستجري على ما جرت عليه في مطلعها، فلا حرج، لا قلق.

بسم الله!

يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده

رقد السمار وأرقه أسف للبين يردده

كتبنا، فهل من خطأ، بغض النظر عن فساد الخط؟ طيب! نُشَكِّل، نتقرب إلى الله بحسن الإملاء والتشكيل، نشكل في أثناء النطق لكيلا نُرَحِّلَ الحركات:

يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

يا أخي تَعلّمْ!

رَقَدَ السُّمَّارُ وَأَرَّقَهُ أَسَفٌ لِلْبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

طيب! ولحنها جميل، لحنها جميل، تعرفون أنها غنتها فيروز، أما معارضتها "مُضْنَاكَ جَفَاهُ مَرْقَدُهُ" فغناها محمد عبد الوهاب أستاذ الطائفة، ويسمى الدكتور، الدكتور محمد عبد الوهاب، منح الدكتوراة الفخرية، نعم؟

عندي سؤال: ماذا عن "أسفٌ"، ما هو الأصح في اسم الفاعل، أَسِف أم آسِف؟

أَسِفَ، يَأْسَف، أَسَفًا، تقصد التوقف في آسِف؟

نعم.

آه، ننظر فيها، إن شاء الله! ماذا قال ربنا؟

"فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِه غَضۡبَانَ أَسِفࣰا".

آه، وفي قراءات أخرى؟ ليث؟ "أَسِفࣰا" هل قُرِئَتْ "آسِفًا"؟

لا أعتقـد، لا لا أعلم.

هذا إذن يؤكد أنها من نصيب الصفة المشبهة (حَزِن – يَحْزَن)، وهذا الأولى في الحقيقة، سامي مشغول دائما -وهذه مَشْغَلَةٌ طيبةٌ جدا- بتدقيق الأبنية، وهو كثير الاطلاع على كتب الأخطاء الشائعة، فالتقطها الآن؛ يقول الناس في كلامهم: "أنا آسِف"، و"نحن آسِفُون"، والمفروض على حسب تنبيهه، أن نقول: "أنا أَسِفٌ"، و"نحن أَسِفُون"، من "أَسِفَ، يَأْسَف أَسَفًا"؛ فهو "أَسِف" مثل حَزِنَ يَحْزَن حَزَنًا؛ فهو حَزِين، هذه حَزِين، وتلك أَسِف، وعندنا "أَسِيف" كذلك، قإذن أظن أن هذه هي، ماذا عندك فيها؟ قل، ماذا قرأت لصاحبنا؟

قرأت أنه يمكن على أساس أن يكون اسم الفاعل من "أَسِفَ" .

لا، ماذا قال في المروي عن العرب، ها، ماذا قالوا؟

قالوا: أَسِفٌ.

"أَسِف"، لكنه يحاول أن يُسَوِّغ كلمة "آسِف". عندنا -يا جماعة!- طريقة في تسويغ الشائع، حينما يجدون الكلمة قد شاعت يلتمسون لها العذر، وهذه طريقة كتبتُ عنها من قبل فجعلتها وجهًا من الفسوق اللغوي، أن تُسَوِّغَ الوجه لشهرته، يوشك هذا أن يخرجنا من أقطار السماوات والأرض، أن يخلعنا من العروبة، كلما شاع خطأ، وعندهم مثل يقولونه، يقولون: "خطأ شائع خير من صواب مهجور"، هذا قطعًا نمط من الفسوق اللغوي! كيف هذا! ألأنه شائع مشهور نقبله ونروِّج له، ومع الأسف تجري مجامعنا هذا المجرى! أكثر أعمالها تسويغ الشائع -مهما كان خطأ!- وأنا لا أفعل هذا طبعا، بل أحقق وأدقق وأجتهد، وكلما عرفت شيئا التزمته حفاظا على وجه العربية الناصع. بارك الله فيك، يا سامي، ها، فانتبهوا إلى هذا اللحن -[وقد تبين لي بعد ذلك أن الآسِف في العربية من قديم، مع الأسِف والأسيف والأسوف والأَسْفان]- ها، فلنغن البيتين! 

ثم نُنْزِلُ هذا على الصفحة:

يَا لَيْـ| لُ الصَّبْـ| ـبُ مَتَى| غَدُهُ| أَقِيَا| مُ السَّا| عَةِ مَوْ| عِدُهُ

نستعمل الأحمر أحسن، نغير الألوان هذا أفضل وأستطيع أن أوفق بين الدندنة والنفس بغير ضرب هكذا هكذا كأنني أتنفس بقلمي كذلك:

رَقَدَ السْـ| ـسُمَّا| رُ وَأَرْ| رَقَهُ| أَسَفٌ| لِلْبَيْـ| ـنِ يُرَدْ| دِدُهُ

طيب! نضيف التفعيلات:

يَا لَيْـ

ـلُ الصَّبْـ

ـبُ مَتَى

غَدُهُ

أَقِيَا

مُ السَّا

عَةِ مَوْ

عِدُهُ

دن دن

دن دن

دددن

دددن

دددن

دن دن

دددن

دددن

فاعلْ

فاعلْ

فعِلن

فعِلن

فعِلن

فاعلْ

فعِلن

فعِلن

مقطوعة

مقطوعة

مخبونة

مخبونة

مخبونة

مقطوعة

مخبونة

مخبونة

بالعروض.

بالعروض، واعتنى سيبويه...

بالنحو.

ثاني...

دكتور!

نعم.

ألا تأتي سالمة؟

انتظروا، سنقسم على أنفسنا التفعيلات، فلنا تفعيلة وللأعداء تفعيلة، ها نحن الآن خصمان واضحا الخصومة -ها!- نبدأ مع الشباب وتثني الفتيات:

لحظة، يبدو أنكم تضحكون عليَّ في الداخل؛ لهذا سأكشف هذا الإفساد الباطن بأن أستمع إليكم فردًا فردًا، يوسف!

نعم.

ابدأ بالخامس عشر، طمئنا على القراءة!

بِاللَّهِ هَبِ الْمُشْتَاقَ كَرًى فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِدُهُ

ها، خَرِّجْ!

أَعِد!

لحظة! أرأيتم الخطأ حينما شكَّلْنَا -ها!- والجهاز يشكل تلقائيا؟ فانظروا! يجب علينا ألا نشكل اسم الجلالة، وإلا خرج على ما ترون، خطأ بشع، شكل بشع، نكتفي بالكسرة، وكسرة اللام تقع على كسرة الهاء -سامحوني!- ليست اللام مكسورة في قولكم: لله، لله الحمد، كسرة اللام في "لله"، تقع على كسرة الهاء، فلا فائدة، ها!

أحسنت!

أسقطت كذلك، بطيء، مسكين!

أحسنت!

أحسنت!

تعلمت، الآن تعلمت! أحمد، ها!

ما ضَرُّكَ...

ما ضَرَّكَ.

مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنًى...

ضَنًى؟

ضَنَى.

ضَنَى.

صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِدُهُ

ها، خرِّج!

أحسنت، أحسنت، مروان!

نعم.

طمئنا!

لَمْ يَبْقَ هَوَاكَ لَهُ...

الدكتور: لم...

لَمْ يُبْقِ...

لَمْ يُبْقِ هَوَاكَ...

لَمْ يُبْقِ هَوَاكَ لَهُ رَمَقًا فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُوَّدَهُ

عُوَّدُهُ.

نعم.

ها!

لَمْ يُبْـ.

كذلك تثقل عن إضافة الحركة الزائدة في "دَدَدَنْ"، تأملوا!

نعم.

أنا منذر.

منذر، ها -كأنه منذر قوم يقول: صبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ- ها!

وَغَدًا يَقْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ هَلْ مِنْ نَظَــرٍ يَتَزَوَّدُهُ

ها!

أحسنت أحسنت، سامي!

يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُـوَرَّدَهُ

مُـوَرَّدَهُ!

مُـوَرَّدُهُ.

فيها طرد هذه، "مُـوَرَّدُهُ"، أحسنت، بارك الله فيك، ها!

أحسنت! منصور -والمنصور من نصره الله!- أنا أحب أن أتبع كل اسم بإضافة كهذه للذكرى! كما قلت في منذر: كأنه منذر حرب يقول صبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، ها! كيف نقول؟ كيف نقرأ؟

يَهْوَى الْمُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ...

أحسنت!

وَصُروفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ

آه، أحسنت!

الله الله الله! أماني! أين أماني؟ طيب! من؟ مارية؟ سليمة؟ مريم؟

مريم.

مريم، تفضلي!

مَا أَحْلَى الْوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ لَوْلَا الْأَيَّامُ تُنَكِّدُهُ

الله! هذا أداء يوحي بمهارة معينة سنكتشفها اللقاء القادم، إن شاء الله، ها!

ها، هذا يوحي بالطرد! سنكتشفه كذلك اللقاء القادم، ها!

طبعا صح.

أحسنتِ أحسنتِ، ها! من؟

وعد.

وعد، وعد ومكتوب، ها!

بِالْبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ فَيَا  لِفُؤَادِي...

"فَيَا لِـ"؟ هي جائزة في الأصل، لكننا قلنا: "فَيَا لَـ"، هذه فيها طرد، يا وعد! وبعضكم قال: "فَيَا لَـفُؤَادِيَ" وكذلك "دِيَ" هذه واردة جائزة، لكننا لم نشكلها بالفتح، اخترنا هذا الوجه، لماذا؟ لكي نتيح للمنشد خلال المد أن يبكي: "فَيَا لَفُـؤَادِيييييي"، أما "فَيَا لَفُؤَادِيَ" -كيف تجدونها؟- فحركة رجل سعيد؛ الحزين بطيء، والسعيد سريع، ها!

فَيَا  لَفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلَّدُهُ

"كَيْفَ تَجَلَّدُهُ"! هندية هذه قطعا، ربما كانت من الهندية، أما العربية فـ"تَجَـلُّدُهُ"!

تَجَلُّدُهُ.

"تَجَلَّدُهُ" هذه لا نعرفها، أعيدي، أو خَرِّجِي!

انقطع الإرسال!

ههه!

عندنا خلل فني! فاصل ونواصل! ها!

لَفُؤا.

ـفَ تَج...

أحسنتِ، يا وعد، وعد ومكتوب. نعود إلى القافية حتى نخرج، تأخَّرْنَا، أكثرنا من الاستطرادات، ها، ما قافية البيت الأول؟

موعده.

ها!

موعده

أكيد أكيد؟ آخِر آخِر؟ فَكِّرْ، أعِدِ النظر!

موعده.

موعده، كلاما واحدا، لا ثاني له؟

عِدُهُ.

يقترح ليث "عِدُهُ"، يحتاج إلى طرد غير الطرد السابق! لا هي "موعده"، لماذا يا ليث؟ سيقولون لك: لماذا "موعده"؛ فبم تجيب؟

لآخر ساكنين، لآخر ساكنين.

رَدِّدُهُ.

رَدِّدُهُ.

يَرْصُدُهُ.

يَرْصُدُهُ، ها!

شَرِّدُهُ.

شَرِّدُهُ.

صَيُّدُهُ.

صَيُّدُهُ، أرأيتم كيف نستفيد من هذا الإيقاع، لكن مع الحذر، لأنه في بعض الأحيان سيخدعنا، وهو مع هذا نافع هنا جدا، ها!

أَغْـيَدُهُ.

أَغْـيَدُهُ، ها!

عَبَّدُهُ.

صحيحة، عَبَّدُهُ، ها!

عَرْبِدُهُ.

عَرْبِدُهُ.

يُغْمِدُهُ.

يُغْمِدُهُ.

قَلَّدُهُ.

قَلَّدُهُ.

تُلْ يَدُهُ.

تُلْ يَدُهُ.

وَرُّدُهُ.

وَرُّدُهُ.

تَجْحَدُهُ.

تَجْحَدُهُ.

عَمَّدُهُ.

عَمَّدُهُ.

يُسْعِدُهُ.

يُسْعِدُهُ.

تُبْعِدُهُ.

تُبْعِدُهُ.

عُوَّدُهُ.

عُوَّدُهُ.

زَوَّدُهُ.

زَوَّدُهُ.

وَرَّدُهُ.

وَرَّدُهُ.

بَعِّدُهُ.

بَعِّدُهُ.

نَكِّدُهُ.

نَكِّدُهُ.

جَلُّدُهُ.

جَلُّدُهُ، ما هذا، يا أستاذ، لماذا لا تقول تجلده؟ لماذا اكتفيت بكذا؟ لأننا نكتفي كما قلت لكم، بالمقدار الذي سنحاسِبُ عليه الشاعر.

سنحاكم الشعراء.

سنحاكم الشاعر إلى هذا، فإذا أخلّ بشيء قلنا: أخللت، هذا معيب، هذا كذا، هذا كذا...، وهذا كله في علم القافية، في جزء القافية من علم العروض.

طيب، ما أقوى الحروف المكررة؟

الدال.

الدال طبعا، الدال حرف منفجر "أَدْ"، ومجهور، الدال، لكن الرجل كرر عندنا الدال والهاء والمد، كرر هذه كلها، والدال أهم منها جميعا، طيب ما حركة الدال؟

الضمة.

قبلها شيء؟ ألف أو واو أو ياء ساكنة؟

لا.

قبل الذي قبلها ألف؟

لا.

إذن القافية مجردة. طيب! وهذه الدال المضمومة هل أُشْبِعَتْ ضمتها أو جاء شيء في موضع الإشباع؟

جاء شيء.

جاءت الهاء، هل الهاء ساكنة؟

لا.

لا، بل مضمومة، سنثبت هذا كله، والآن نضيف البيانات: هذه القصيدة متداركية الأبيات. هذه الأبيات في أطوالها تامة أم وافية أم مجزوءة أم مشطورة أم منهوكة أم موحدة؟

وافية.

وافية لا تامة، والوافي والتام يستوفيان الأعداد، لكن يتميز التام بتساوي تفعيلات البيت في السلامة والتغير، وتفعيلة الضرب واجبة الخبن دون غيرها من تفعيلات البيت؛ فلم تتساو التفعيلات، وهذا وفاء لا تمام، فهذه القصيدة متداركية الأبيات الوافية. طيب، ما صورتا العروض والضرب؟

صحيحتان.

صحيحتان، كيف، هل جاءت "فَاعِلُنْ"؟

لا.

مخبونة.

مخبونة، فإذن المخبونة الضرب. ننتقل إلى القافية، ما القافية؟

دالية القوافي.

دالية القوافي الـ...

المضمومة.

الموصولة.

لا في الحركة، المضمومة، ها!

الموصولة.

لا، قبل الدال؟

المجردة.

المجردة، بعد الدال؟

الموصولة.

الموصولة بالهاء...

المضمومة.

المضمومة فقط. الآن انتهينا من البيانات. ماذا كتبتم؟ هذه القصيدة...؟

متداركية الأبيات.

متداركية الأبيات...

الوافية.

الوافية...

مخبونة العروض.

المخبونة العروض أو المقطوعتها، المخبونة الضرب...

دالية القوافي.

دالية القوافي...

المضمومة.

المضمومة...

المجردة.

المجردة...

الموصولة.

الموصولة بالهاء...

المضمومة.

المضمومة.

بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، والسلام عليكم!

وسوم: العدد 1096