متطلبات إصلاح النظام التربوي بين المرافق الصحية والجولف
وافاني أحد الأقرباء بمذكرة لوزارة التربية الوطنية تم إصدارها بتاريخ 04 شتنبر 2024 تحت رقم 24/2428 موجهة إلى السيدة والسادة مديرة ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في موضوع تشجيع التلميذات والتلاميذ على ممارسة رياضة الجولف.
في البداية، ظننت أن الأمر يتعلق بمزحة أو فرية من فِرى وسائل التواصل الاجتماعي في انتظار صدور بلاغ يكذب أو ينفي هذه المذكرة. وبما أن شيئا من ذلك لم يحصل رغم مرور كل هذه المدة، فإني لم أجد بدا من التسليم بالأمر الواقع، واعتبرت أنها أصلية شكلا ومضمونا، مما دفع بي للجهر بمجموعة من التساؤلات التي لها علاقة بمدى تقدير الوزارة لمسؤوليتها في إصلاح منظومة التربية والتكوين ومدى جديتها في ذلك، وهي كالتالي:
- ما موقع تجسيد هذه المذكرة على أرض الواقع في سلم أولويات الإصلاح؟ وما هي الدراسات أو لِنَقُل الخلفيات الحقيقية التي تم الاستناد إليها لاستصدارها؟
- إذا افترضنا جدلا أن "رياضة الجولف" تكتسي أهمية لا يمكن الاستغناء عنها، بالقدر الذي يتعين معه تشجيع وتحفيز التلاميذ على ممارستها، فهل يتوفر المغرب على البنية التحتية الملائمة لمزاولتها، وعلى رأسها العدد الكافي من الملاعب التي يمكن أن تستوعب كل الراغبين في ممارستها؟ ومن ثم فما فائدة من تعميم المذكرة على المديريات التي تتربع على مناطق نائية لا تتوفر قَطْعا لا على ملاعب للغولف ولا لغيرها من الرياضات، بل وتفتقر مؤسساتها في كثير من الحالات حتى إلى المرافق الصحية؟ ولنا في مديرية الجنوب الشرقي على سبيل المثال لا الحصر مثالا حيا على ما أزعم.
- هل المذكرة موجهة للاستهلاك الداخلي، أم للتصدير الخارجي؟ ذلك أنه إذا كانت موجهة للداخل، وهو ما يُفهم من منطوق الفقرة التي تُهيب فيها الوزارة بمديري الأكاديميات الجهوية بتعميم المذكرة على جميع المديريات الإقليمية التابعة لنفوذها، فإنها بذلك تُعد استفزازا لمشاعر جل المغاربة الذين يعانون من نتائج إخفاق المدرسة العمومية في أداء الرسالة المنوطة بها على جميع المستويات، فمن جهة يلاحظون هزالة المستوى الدراسي لأبنائهم رغم كل المجهودات التي يبذلونها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، باضطرارهم إلى الاستسلام لظاهرة الدروس الخصوصية، التي أصبحت شبه إلزامية إلى المستوى الذي يُلجِئ العديد منهم للاقتراض من أجلها، أو حتى ممارسة مهام غير مهامهم الأصلية، أو اللجوء إلى الارتشاء، وما إلى ذلك من الممارسات التي قد تدخل في إطار المحظور قانونا وشرعا...ومن جهة أخرى، وفيما يتعلق بالجانب المعنوي والأخلاقي فحدث ولا حرج، بحيث لا أحد يجهل المستوى الذي بلغه انحطاط الأخلاق عند جل المراهقين، والذي يُترجمه الكلام الساقط والممارسات اللاأخلاقية في الشوارع والمدرجات الرياضية، بل حتى داخل المؤسسات التعليمية نفسها.
لهذه الأسباب وغيرها كثير، فإن انتظارات سواد المغاربة من الوزارة أكبر من أن تُصْدِر لهم مذكرات من هذا القبيل، ذلك لأنهم يتطلعون لأن تكون قاطرة للنهوض بالمجتمع المغربي من خلال جعل المدرسة نموذجا لتجسيد الأخلاق التي ينص عليها ديننا الحنيف، من جدية في الالتزام باحترام الوقت، وتحمل المسؤولية في أداء الواجبات على الوجه المطلوب، واحترام القانون بما فيه القانون الداخلي للمؤسسات التربوية...هذا من جهة، من جهة أخرى فإنهم يرغبون في اعتنائها بنساء ورجال التربية والتعليم، وذلك بالتركيز على الرفع من سقف مستوى تكوينهم العلمي وممارساتهم البيداغوجية، والاستجابة لمتطلباتهم المادية والمعنوية لاسترجاع المكانة اللائقة بهم في نفوس مختلف شرائح المجتمع، مما يُلزمهم أخلاقيا بمضاعفة جهودهم للرفع من مردودية العملية التربوية ككل، ومما لا شك فيه أن فئات عديدة من المجتمع المغربي تؤكد على ضرورة استرجاع السيادة على قرارات الشأن التربوي، وتطهيره من التدخلات الأجنبية في المناهج والمقررات الدراسية، التي تعمل على تقويض كل ما يمس بهويتنا الدينية والثقافية، بالإضافة إلى الوقوف في وجه كل تلك المهرجانات والتظاهرات التي تروج للميوعة والخلاعة بمختلف أشكالها، علما أن الساهرين عليها ينتمون لنفس الحكومة من قبيل وزير الثقافة والإدارات التابعة لوزارته من إذاعة وتلفزة...، إذا لا يستقيم عقلا أن يقوم طرف بالإصلاح في الوقت الذي يقوم فيه الطرف الثاني بالإفساد، اللهم إذا كان الطرفان مجبران على تنفيذ أجندات أكبر من طاقتهما.
أما إذا كانت موجهة للخارج بهدف تسويق صورة توحي بتوفُّر الوزارة على رؤية واضحة، وبُعْد نظر في التعامل مع الرياضة في شموليتها، فَلْيعلمِ السيد وزير التربية الوطنية، أنه إذا تم إهمال تربية الإنسان، فلن ينفع المغرب تنويه كل حكومات العالم بسياسته الرياضية، ولا تشجيع جماهير الدنيا بأسرها للفرق المغربية ولاعبيها في مختلف الرياضات، ولا عدد الميداليات المحصلة، للوقوف في وجه الصهيونية العالمية التي تستهدف مقوماته وثوابته الدينية والثقافية التي بدونها لا يمكن الوقوف في وجه هذه الموجة المسعورة التي استُأجِرت لها مجموعة من الجمعيات والهيئات الداخلية والخارجية بما فيها أعضاء من الحكومة نفسها.
ختاما أعتقد بأنه لا أحد يجادل في كون "رياضة الجولف" في المغرب رياضة "نخبوية" حتى لا أقول عنصرية في جانبيها المادي والثقافي، ذلك أن ممارستها تنحصر في أبناء الطبقة الميسورة ماديا، والتي تغلب على أفرادها الثقافة الفرنكوفونية التي ينتمي إليها السيد الوزير ومن معه. ومن ثم يحق لأبناء الطبقات الشعبية اعتبار المذكرة نوعا من العبث، إن لم تكن صورة من صور التورية على ملاعب الجولف وتحصينها ضد قرارات المحافظة على الماء، في الوقت الذي يتم اللجوء فيه إلى تقليص أيام اشتغال مغاسل السيارات والحمامات العمومية، التي تعتبر الطبقة الفقيرة من روادها الأساسيين، مع العلم أن هذان المرفقان يعتبرها مورد العيش الوحيد لمجموعة من الأفراد والأسر. وإذا ما صح هذا الاعتبار فلا يُستبعد أن تُصدِر الوزارة مذكرة تحث على ممارسة التلاميذ لرياضة السباحة، لا لأهميتها ولكن لتبرير مواصلة الطبقات الميسورة تجهيز فيلاتهم بالمسابح الخصوصية حتى لا يضطر أبناؤها للاختلاط بأبناء الطبقات الشعبية في المسابح العمومية على الرغم من كميات الماء الكبيرة التي تستهلكها.
في الأخير أرجو أن يستوعب السيد وزير التربية الوطنية ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن يعي بأنها تفوق مسؤولية باقي الوزراء، ذلك لأن فشل أي مشروع من المشاريع الحكومية يمكن استدراكه في أقل وقت ممكن، بينما فشل وزارة التربية في إعداد المواطن الصالح أو على الأقل وضعه على السكة الصحيحة، يتطلب على الأقل جيلا أو جيلين إن لم يكن أكثر، خاصة إذا استشرى الفساد، وتم التفريط في المقومات الأساسية التي تنبني عليها شخصية الفرد الصالح لنفسه ولأمته، وليتيقن بعد هذا كله أنه مسؤول أمام الله، حتى يُعِد للحساب حسابه.
وسوم: العدد 1098