انحطاط مؤسف في سلوك حركة المرور في مدينة الألفية إلى أسفل درك
من المعلوم أن تحضر الأمم إنما يقاس ويحكم عليه بمدى استقامة سلوكها وفق معتقدها وقيمها وقوانينها . وقد تحمد أمة من الأمم حمدا يرفع من قدرها بين الأمم بسبب سلوك يومي روتيني قد لا يأبه به كثير من الناس ، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر في سلوك حركة المرور الذي تخصص له الأمم مدونات تتضمن قواعد صارمة تضبطه من أجل تنظيم السير بين الراكبين والراجلين درءا للحوادث التي تزهق الأرواح ، وتخلف العاهات المستديمة ، والعواقب الوخيمة من قبيل القبوع خلف القضبان ، وما تترتب عنه من تداعيات على حياة الأسر والأفراد .
ولا يختلف اثنان في أن مدينة الألفية لم تعد تتسع لحركة المرور كما كانت قبل عقود ، وذلك بسبب تزايد عدد ما يركب من مركبات على اختلاف أنواعها وأحجامها. وما يلاحظ اليوم بالنسبة لسلوك المرور أنه تردى إلى أسفل درك التردي غير المسبوق ، وذلك الاستهانة المتهورة بمدونة السير وبما تتضمنه من قوانين صارمة ، فصرنا نعاين في كل وقت وحين خروقات تطال قوانين السير عشرات المرات يوميا في غياب الوازع الرادع سواء الديني أو الأخلاقي ، أو الجزائي مع موت الشعور بالانتماء إلى هذه المدينة والغيرة عليها مع ما لها من حق وواجب كبيرين على كل الوجديين المستقرين بها أو الوافدين عليها ، وهي التي تحتضنهم احتضان أم رؤوم دون تمييز .
وسبب تردي سلوك حركة المرور إلى هذا الدرك المخجل هواستخفاف الكثرة الكاثرة من أصحاب المراكب على اختلاف أنوعها وأحجامها و بكل رعونة بقوانين السير ،وفيما يلي نماذج من الخروقات الصارخة لها ، والتي تلحظ كل وقت وحين :
1 ـ تجاهل إشارات الوقوف الإجباري الضوئية التي تنظم عمليات المرور والحائلة دون وقوع الحوادث ، وذلك من طرف شريحة عريضة المتهورين المتجاسرين على تجاهلها أثناء غياب دوريات شرطة المرور ، ونذكر من هؤلاء الراكبين درجات نارية من الصنع الصيني ، التي انتشرت بكثرة في المدينة ، والتي تنطلق بأقصى ما فيها من سرعة في الشوارع والأزقة. والملاحظ أن الأغلبية الساحقة ممن يمتطونها هم من شريحة الشباب الذين يتحدون أضواء منع المرور الحمراء ، ويمرون بسرعة كالسهام، لا يبالون بحركة المرور في مختلف الاتجاهات التي تسمح فيها الأضواء الخضراء بالمرور .
ولقد انتشرت عدوى السرعة المفرطة لراكبي هذه الدرجات من شريحة الشباب إلى مختلف الشرائح بما فيها شريحة الكهول الذين صاروا يحاكونهم في تهورهم ، وكأن ذلك النوع من الدرجات معفى من الوقوف عند الأضواء المانعة للمرور . وقد لوحظ أنها لا تتوقف إلا حيث توجد دوريات شرطة المرور، بل أحيانا لا يبالي البعض بها بكل تحد ، فيمرون بها بسرعة فائقة ، الشيء الذي يجعل المواطنين يستغربون هذا التحدي السافر مع وجود تلك الدوريات .
وإذا كان هذا حال أصحاب هذه الدراجات مع الإشارات الضوئية المنظمة للسير ، فإن حالهم أشد سوءا مع صفائح الوقوف الاجباري في بعض الشوارع والطرقات احترازا من وقوع الحوادث أيضا . ولقد صار من المستحيل أن يقفوا عندها أو أن يحترموا حق الأسبقية في المرور إلا إذا اضطروا لذلك بسبب حركة المرور الكثيف.
ومما يزيد من استهتار أصحاب هذه الدراجات أنهم يتجاوزون المركبات عن يمينها ،الشيء الذي يتسبب في حوادث مميتة يكونون ضحايا بالدرجة الأولى ، وقد يشبعون سبا وشتما من ينتقد طريقة تجاوزهم غير القانونية محتجا على تهورهم السافر سواء في التجاوز عن يمين المركبات أو عدم احترامهم لحق الأسبقية .ومن سلوكاتهم الشاذة أن أبواق دراجاتهم لا ينقطع زعيقها المزعج منذرة بالسرعة المفرطة ، وأفواههم لا تنقطع عن الشتائم في حق من ينكر سرعتهما الجنونية . أما أضواء تلك الدرجات ليلا فتؤثر على الرؤيا لدى سائقي المركبات لأنها غير مضبوطة ، ولعلها صممت وفق حالات الجو المؤثرة على الرؤيا الليلة في البلاد المصنعة لها .
ومما يزيد أيضا من تهور بعض من يمتطونها استغلال الشوارع للقيام بحركات بهلوانية بحيث تسير درجاتهم على العجلات الخلفية فقط ، وهي عبارة عن مغامرة خطيرة قد تؤدي بحياتهم ، وحياة غيرهم من المارة في حال انزلاقها.ولا يقتصر التهور على أصحاب الدرجات الصينية بل يشاركهم في ذلك أصحاب عربات النقل الثلاثية العجلات الذين يعربدون أيضا في الشوارع والطرقات بطيش وتهور ، والمشكل أنها تكون أحيانا محملة بالبشر معرضة حياتهم للخطر. ولا تعني علامات تنظيم المرور عند أصحابها شيئا ولا يأبهون بها إلا حيث توجد دوريات شرطة المرور .
ومما ظهر مؤخرا في شوارع المدينة الدرجات الهوائية التي تشغل بالشحن الكهربي ، ولا تحدث صوتا ، وأغلبها تسير دون أضواء ليلا بحيث يصعب الانتباه إليها من طرف سائقي المركبات ، ويمتطيها أصحابها وقوفا ، وقد يرادف بعضهم بعضا ، وهم في الغالب من شريحة الشباب المراهق الذين يمرون بين المركبات ذات اليمين وذات الشمال غير مبالين بما قد يحدق بهم من مخاطر مميتة. ولا ندري لحد الساعة ما لهذا النوع من الدرجات من قانون يسمح بحركتها في الشوارع والطرقات ، وقد راج أنها ربما ممنوعة من الاستعمال سوي في ممرات خاصة بها كما هو الشأن في بلاد الغرب على سبيل المثال.
ولقد انتشرت عدوى عدم احترام علامات الوقوف الضوئية والصفيحية على حد سواء من الدراجين إلى أرباب المركبات كرد فعل منهم على استخفاف هؤلاء بقوانين السير والدوس عليها والدخول معهم في عناد ، في حين يلتزم غيرهم بها ، وهكذا يصير سلوك السير المتهور مبررا لشيوع فوضى السير في الشوارع والطرقات .
ومن مشاهد التهور المعتادة في مدينة الألفية عدم احترام حق الأسبقية في النقط الدائرية بالنسبة للدرجات الصينية والدرجات الثلاثية العجلات ، والعديد من المركبات ، بل من تلك الدرجات من يسير أصحابها في الاتجاه المعاكس بكل تحد وتهور المصحوب بالشتائم والسباب لكل من ينكر هذا السلوك المتهور .
ومما ابتليت به بعض شوارع مدينة الألفية ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تلك التي توجد في مدار الجامعة درجات نارية من الحجم الكبير التي تحدث أصواتا مزعجة تقلق راحة الناس مارة ، ورواد مقاهي، وساكنة خصوصا بالليل ، ويقوم أصحابها باستعراضات من أجل جلب الأنظار إليهم خصوصا الجنس اللطيف من الطالبات الجامعيات ،وهي سلوكات غريبة لا تعبر إلا عن مراهقة متأخرة مزمنة لدى هؤلاء . ولقد اشتكت مرارا وتكرارا ساكنة المدار الجامعي من هذه الظاهرة المقلقة دون أن يوضع حد لها من طرف الجهات المسؤولة ، مع أنه يكفي أن توضع صفائح منع مرور مثل تلك الدرجات وغيرها بذلك المدار لاستئصال سلوك مشين لا يليق بمدينتنا ولا بطابعها المحافظ .
وأخيرا ومع تثمين جهود شرطة المرور التي تقوم بحملات متكررة لحمل كل المستخفين بقوانين منظومة السير ،وتهورهم في الشوارع والطرقات على الانضباط ،وهي تحجز بين الحين والآخر العديد من الدرجات النارية إلا أن المقاربة الأمنية لا زالت في حاجة إلى المزيد من الصرامة من أجل تصحيح كل سلوك مستهتر بقوانين السير، ومعرض سلامة ساكنة مدينة الألفية للخطر ، ومقلق لراحتها ومعبر بصفاقة عن عدم احترامها.
ونتمنى أن يجد هذا النداء آذانا صاغية من الجهات المسؤولة ، وألا يكون مجرد صرخة في واد كصرخات سابقة .
ولا شك أن المقاربة الدينية قد تؤتي أكلها أيضا إذا ما اهتمت خطب الجمعة بهذه الآفة عوض صرف الوقت في تسديد تبليغ لا زال لحد الساعة لا يبارح الحديث عن أثر الإيمان في النفوس بناء على افتراض افترضته الوزارة الوصية بوجود هوة بين الدين والتدين لدى المغاربة هكذا إطلاقا ، وكان الأولى بها أن تعالج مختلف الآفات الآنية والملحة بصرامة وجدية عوض المبالغة في سرد الرقائق التي تجلب النوم لسواد من يحضرون الجمع ، ثم يعودون كما جاءوا دون تلقي شيء مما يوقظ ضمائرهم ،و يثير في نفوسهم فكرة تمثل الإيمان في الأفعال الإجرائية وليس في أقوال عبارة عن رقائق تلقى دون مفعول يرجى.
أما دور المؤسسات التربوية فميئوس منها لأنها أصبحت عاجزة عن أداء أدوارها التربية ، بل أصبحت بؤرا لسوء التربية بسبب عجز المربين عن مجرد ضبط السلوك داخل الفصول الدراسية ، وهو سلوك لا يختلف عن سلوك الشارع المستخف بالأخلاق والقيم .
وأما أثر أولياء أمور الناشئة المتعلمة في تربيتها ، فلا وجود له ، وقد أرخوا العنان لها ، وهم عاجزون عن الصمود أمام تربية الشوارع التي غزت عليهم بيوتهم وأسرهم .
وسوم: العدد 1098