نديم العروضيين المجلس الثامن عشر
سلامٌ عليكم!
طبتم مساءً -يا أبنائي!- وطاب مسعاكم إلينا!
بسم الله -سبحانه، وتعالى!- وبحمده، وصلاةً على رسوله، وسلامًا ورضوانًا على صحابته وتابعيهم حتى نلقاهم!
كيف حالكم، كيف أمسيتم؟
الحمد لله!
لله الحمد والشكر، بارك الله فيكم، وشكر لكم، وأحسن إليكم، ويَسَّرَ لنا ولكم كل عسير، وسَهَّلَ كل صعب!
اليوم نعمل على الهواء مباشرةً! لا بأس، لا بأس؛ فالمغني يحتاج إلى جمهور، الآن سيكون جمهورنا الجامعة كلها، لا بأس! اليوم نستمتع بتناول نمطين جديدين من الوزن ومن القافية، من خلال قصيدة فاخرة من الشعر العربي، ما تزال كما قال شاكر: "تتردد بين جبال الشعر الباذخة"، هي نونية الشريف الرضي. وما أدراكم ما الشريف الرضي! أسمعتم عنه؟ له ديوان في المكتبة كبير، وهو من أصحاب النفس الطويل، لا يصعب عليه أن يقول القصيدة من ثلاثمئة بيت أو قريبٍ من هذا، وهذا غير معروف كثيرًا في الشعرالعربي. الشريف الرضي سيد من السادة (آل البيت)، شاعر آل البيت، أخوه الشريف المرتضى عالم كبير جدًّا، مقدر أيضًا عند أهل السنة، قرأت له أماليه في مجلدين على ما أذكر، وله فيها فتوحات طيبة مباركة. أما الشريف الرضي فشاعر فذ، والشعراء كما تعرفون متعصبون، وهو الذي أعَدَّ "نهج البلاغة"، لسيدنا الإمام علي، كرم الله وجهه! و"نهج البلاغة"، كتاب له تقدير كبير عند الشيعة، وقد حصلت تلميذتنا سعاد العجميّة قريبًا على الماجستير في بعض مسائله، وهي طالبة متميزة، لكن الناس اختلفوا في الكتاب: فمنهم من يقول أكثره من إعداد الشريف الرضي. وهذا لا يقبله الشيعة طبعًا؛ هذا كتاب كبير مقدر عندهم. وهو كتاب مهم، وله شروح وتحقيقات، يستحق أن تمتلكوا منه في مكتبتكم نسخة. وفي رمضان الماضي نقلت عنه مئات النقول في سلسلة سميتها "علويات"، إذا دخلتم إلى موقعي وكتبتم مثلا "علويات"، فربما جاءتكم ألف حكمة، أو أكثر، أخذتها مما شُهِرَ عن سيدنا علي من الكلام الموجز، كقوله مثلا: "قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُ"، منتهى الروعة، منتهى الجمال؛ فسيدنا علي باب مدينة العلم، لا يُعلى عليه، ليس فوق كلامه غير كلام رسول الله -صلى الله وعليه، وسلم!- الذي ليس فوقه غير القرآن الكريم، شيء يستحق أن يحفظ. "علويات" نصوص موجزة، تستحق أن تحفظ، كنت أنشر منها كل يوم عشرات الحكم. اليوم نستمتع بمقطع طويل من نونية الشريف الرضي المتوفى سنة ست وتسعين وثلاثمئة؛ فهو إذًا من أعيان القرن الهجري الرابع!
الرابع أم الثالث؟
لا، هذا تاريخ وفاته! الشريف الرضي إذن من أعيان القرن الهجري الرابع، وفي هذا القرن معظم الكبار، معظم الكبار؛ فهو قرن تألق الحضارة العربية الإسلامية في المشرق.
في المشرق والمغرب!
في المشرق، أظن أن الخامس هو قرن تألق الحضارة العربية الإسلامية في المغرب، أي الأندلس وشمال إفريقية. ينبغى إذن أن تقدروا هذا الرجل تقديرًا خاصًّا جدا، وسيأخذ بعضكم ديوانه للبحث، وعلى رغم كبره سيستمتع به، ويستفيد منه، إن شاء الله! هذه قصيدة يُعَزِّي بها أحد الوزراء عن وفاة ابن له. ستجدون في هذه القصيدة جمرات تتوقّد -كما يقال- جمرات تتوقد؛ تُرى لو كان يقولها في ابنه فكيف كان سيقول؟ أظن أنه لم يكن ليقول شيئا! ها، ماذا قال؟
مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ، لِلشَّرِيفِ الرَّضِيِّ، في تعزية الوزير أبي الحسن بن أحمد، عن ولد له توفي سنة ست وتسعين وثلاثمئة.
"مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا تَمْضِي عَلَيْنَا ثُمَّ تَمْضِي بِنَا
فِي كُلِّ يَوْمٍ أَمَلٌ قَدْ نَأَى مَرَامُهُ عَنْ أَجَلٍ قَدْ دَنَا
أَنْذَرَنَا الدَّهْرُ وَمَا نَرْعَوِي كَأَنَّمَا الدَّهْرُ سِوَانَا عَنَى
تَعَاشِيًا وَالْمَوْتُ فِي جِدِّهِ مَا أَوْضَحَ الْأَمْرَ وَمَا أَبْيَنَا
وَالنَّاسُ كَالْأَجْمَالِ قَدْ قُرِّبَتْ تَنْتَظِرُ الْحَيَّ لِأَنْ يَظْعَنَا
تَدْنُو إِلَى الشِّعْبِ وَمِنْ خَلْفِهَا مُغَامِرٌ يَطْرُدُهَا بِالْقَنَا
إِنَّ الْأُلَى شَادُوا مَبَانِيهِمُ تَهَدَّمُوا قَبْلَ انْهِدَامِ الْبُنَى
لَا مُعْدِمٌ يَحْمِيهِ إِعْدَامُهُ وَلَا يَقِي نَفْسَ الْغَنِيِّ الْغِنَى
كَيْفَ دِفَاعُ الْمَرْءِ أَحْدَاثَهَا فَرْدًا وَأَقْرَانُ اللَّيَالِي ثِنَى
حَطَّ رِجَالٌ وَرَكِبْنَا الذُّرَا وَعُقْبَةُ السَّيْرِ لِمَنْ بَعْدَنَا
كَمْ مِنْ حَبيبٍ هَانَ مِنْ فَقْدِهِ مَا كُنْتُ أَنْ أَحْسَبَهُ هَيِّنَا
أَنْفَقْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَلَّ دَمْعُ الْعَيْنِ أَنْ يُخزَنَا
كُنْتُ أُوَقِّيهِ فَأَسْكَنْتُهُ بَعْدَ اللَّيَانِ الْمَنْزِلَ الْأَخْشَنَا
دَفَنتُهُ وَالْحُزْنُ مِنْ بَعْدِهِ يَأْبَى عَلَى الْأَيَّامِ أَنْ يُدْفَنَا
يَا أَرْضُ نَاشَدْتُكِ أَنْ تَحْفَظِي تِلْكَ الْوُجُوهَ الْغُرَّ وَالْأَعْيُنَا
يَا ذُلَّ مَا عِنْدَكِ مِنْ أَوْجُهٍ كُنَّ كِرَامًا أَبَدًا عِنْدَنَا
وَالْحَازِمُ الرَّأْيِ الَّذِي يَغْتَدِي مُسْتَقلِعًا يُنْذِرُ مُسْتَوْطِنَا
لَا يَأْمَنُ الدَّهْرَ عَلَى غِرَّةٍ وَعَزَّ لَيْثُ الْغَابِ أَنْ يُؤْمَنَا
كَأَنَّمَا يَجْفُلُ مِنْ غَارَةٍ مُلْتَفِتًا يَحْذَرُ أَنْ يُطْعَنَا"!
"مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا تَمْضِي عَلَيْنَا ثُمَّ تَمْضِي بِنَا"، هذه الأيام تمضي علينا، تأملوا "عَلَيْنَا" هذه، كأنها تدوسنا، ثم تمضي بنا، تطوينا. تخيلوا أنكم تسيرون على سجادة مثلا، وبعدما تسيرون تجلبونها معكم، تأخذون السجادة بالطرَف، وتسيرون، تدوسون عليها، وتأخذونها معكم مثلا -ها!- "طَيَّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ"؛ صدق الله العظيم! "فِي كُلِّ يَوْمٍ أَمَلٌ قَدْ نَأَى"، ما معنى "نَأَى"؟ ابتعد، أي استحال علينا، "قَدْ نَأَى مَرَامُهُ"، استحال تحقيقه، وتَكَشَّفَ "عَنْ أَجَلٍ قَدْ دَنَا"، كما قالوا في المثل القديم: "حَالَ أَجَلٌ دُونَ أَمَلٍ"، أي تأملنا الآمال، فاعترضتها الآجال، كلما تصبح تقول أحب كذا، أريد كذا، ولا تحسب حساب المُراقِب الأكبر. "أَنْذَرَنَا الدَّهْرُ وَمَا نَرْعَوِي" -ما معنى "نَرْعَوِي"؟ نزدجر، نتعظ، نكُفّ- كأنما يصيح في واد، أو ينفخ في رماد، هذه الأمثال القديمة. كل يوم نجد الموتى، أصلي الجمعة بالقاهرة في مسجد، وكل صلاة نصلي على الأموات، وآخذ أبنائي طبعا، وأمهم لا تحب هذا المنظر، تخاف منه، منذ أن توفي أبوها ترتعش لمناظر الموت، ولا أحب منها هذا، بل أدرّب أبنائي على على أن يقوموا في هذا المقام، حتى إن ابني الكبير أرسل إليَّ أخيرًا صورة -والله، يا جماعة!- له وكأنه نائم في قَبر، فأعجبتني الصورة! قلت له: ذكرتني صاحب رسول الله -صلى اللله عليه، وسلم!- الذي كان يحفر لنفسه في بيته قبرًا! ولو رأت أمه هذه الصورة لهلعت وأغمي عليها! أما أنا فأحب أن أتذكر الموت، وأن أرى ما يذكرني الموت دائمًا. فكان ذلك الصحابي -رضي الله عنه!- قد حفر لنفسه في بيته قبرًا، وكل حين يذهب ليتمدّد فيه، يتذكر مآله الذي سيؤول. "كَأَنَّمَا الدَّهْرُ سِوَانَا عَنَى"، يكلم أناسًا آخرين، أما نحن فلا نموت، نحن مخلدون، أمثالنا لا يموتون، نحن أبناء الله وأحباؤه، وهل يُميت الحبيبُ حبيبَه، نحن أبناء الله وأحباؤه! كأنما غيرنا، أو كما قال الحسن بن أبي الحسن البصري: "مَا رَأَيْتُ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍّ لَا يَقِينَ فِيهِ مِنَ الْمَوْتِ"! الله على الكلام! كتبتم؟ هذا فتى الفتيان، تلميذ سيدنا علي -رضي الله عنهما!- ماذا تتوقعون أن يقول؟ يتكلم ببيان النبوة، يُوقِّع عن رب العالمين -سبحانه، وتعالى!- القائلِ واليقينُ في كلامه الموت: "كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ"؛ صدق الله العظيم!- لماذا نفعل هذا؟ "تَعَاشِيًا"، ما إعراب "تَعَاشِيًا"؟
مفعول لأجله.
مفعول لأجله؛ فما معنى تعاشيًا؟
تناسيا.
أشد أشد، تعاميًا؛ التعاشي التعامي. في العربية "عشا يعشو"، و"عَشِي يعشَى"، كما في "هَوَى يَهْوِي"، و"هَوِيَ يهوَى". ما "عَشَا يَعْشُو"؟ ضَعُفَ بصره. ما "عشِي يعشَى"؟ عَمِي؛ ولهذا قالوا في الكلمة القديمة: "لَا يَعْشَى إِلَّا بَعْدَمَا يَعْشُو"! نتعامى "وَالْمَوْتُ فِي جِدِّهِ"، لا يتعامى، هذا -ما شاء الله!- في طريقه، شغال، والموت في جده، "مَا أَوْضَحَ الْأَمْرَ وَمَا أَبْيَنَا"، أي ما أوضح الأمر وما أبينه، لكن لم يتمكن من أن يقول: "وَمَا أَبْيَنَهُ"، فقال: "وَمَا أَبْيَنَا"، هذا معروف، جرى فيه مجرى قول ربنا: "مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى"، "أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى"، هذا معروف، أي أن تحذف الضمير وهو مفهوم. "وَالنَّاسُ كَالْأَجْمَالِ"، الناس كالجمال، ما فرق ما بين "جِمال" و"أَجمال"؟ كلاهما جمع جمل، لكن جمال جمع...، وأجمال جمع...
قلة وكثرة.
قلة وكثرة، أجمال جمع قلة، وجِمال جمع كثرة. لم يشبههم بالجمال الكثيرة، ومَنْ هؤلاء في ملك الله؟ "وَالنَّاسُ كَالْأَجْمَالِ قَدْ قُرِّبَتْ تَنْتَظِرُ الْحَيَّ لِأَنْ يَظْعَنَا"، هم في هذا البيت مركوبون لا راكبون، فمن الراكب يا تُرى؟ وسيأتينا بعد قليل بيت يكونون فيه راكبين لا مركوبين -سبحان الله!- وهم في الحالين يبدون ضعفاء جدا -ها!- "تَنْتَظِرُ الْحَيَّ لِأَنْ يَظْعَنَا"، الحي القبيلة، لكن مَنْ هذا، مَنْ هذا المقصود بالحي؟ هل يركبهم الموت مثلًا؛ فهم دوابّ الموت! أم هم ركائب الآمال إلى الآجال، تركبهم الآمال إلى الآجال! "تَدْنُو إِلَى الشِّعْبِ"، والشعب عادة مكان الأهل -ها!- على رغم قول شوقي:
"بِاللهِ يَا حَادِ
فَتِّشْ بِتَوْبَادِ
فَالْقَلْبُ فِي الْوَادِي
والْعَقْلُ فِي الشِّعْبِ"!
وكنت أظن أن الشعب هو موطن القلب، ولعله أراد أن صاحبته قد سال بها السيل، ورحلت عن الأهل، فتعلق بها في الوادي القلب! "تَدْنُو إِلَى الشِّعْبِ وَمِنْ خَلْفِهَا مُغَامِرٌ يَطْرُدُهَا بِالْقَنَا"، من هذا المغامر الذي خلفها، والمغامر لا يخاف شيئًا؟ الموت هو هذا الشاب المغامر الذي يركب الأهوال ولا يخاف شيئًا، من خلف الأجمال يضربها، يسوقها سوقًا شديدًا. طيب! هذا السائق، وهؤلاء الركائب المركوبة، فمن الراكب؟ خطر لي الآن أن يكون الراكب هو الأمل الذي ينتهي بالأجل! "إِنَّ الْأُلَى شَادُوا مَبَانِيهِمُ"، ها، ما معنى الألى؟
الأوائل.
ما شاء الله! ها، ألم تقرؤوا قول عَبِيد لامرئ القيس:
"نَحْنُ الْأُلَى فَاجْمَعْ جُمُوعَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا"!
نَحْنُ الْأُلَى نَحْنُ الَّذِينَ، لكن لم يأت بصلة الموصول، نحن الذين غلبنا وانتصرنا، فاجمع جموعك، ثم وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا! الألى الذين. عندنا "ألى" بمعنى الذين، و"أُولَى" بمعنى هؤلاء؛ ما فرق ما بينهما؟ واضح يكشفه السياق، لكن في رسم الإملاء كذلك اختلاف؛ كيف؟
"أُولَى" التي بمعنى "هؤلاء"، تكتب فيها واو.
أحسنت! عندنا إذن "أُولَى" و"أُولاء" و"هؤلاء" و"أُولئك"، لكن دعنا في هذه الآن. عندنا إذن "أُولى" بمعنى هؤلاء، و"أُلى" بمعنى الذين -والنطق واحد- ولكن التي بمعنى "الذين" فيها "أل": "نَحْنُ الْأُلَى"، والتي بمعنى "هؤلاء" ليست فيها "أل"، إضافة إلى وجود الواو هذه. "إِنَّ الْأُلَى شَادُوا مَبَانِيهِمُ تَهَدَّمُوا قَبْلَ انْهِدَامِ الْبُنَى"، "البُنى" جمع "بُنية"، وهي البناء المبني. جلس -ما شاء الله!-يبني القصر، ثم مات، وبقي القصر! هذا معروف مشاهد في بلادنا كلها، يظل يبني يبني، ثم يموت، ويستمر البناء! من الذي يستفيد؟ الوارث:
"هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلَا تَوْلَعْ بِإِشْفَاقِ فَإِنَّمَا مَالُنَا لِلْوَارِثِ الْبَاقِي"!
نسأل الله لنا ولكم ألا نغفل عن هذا المعنى وأن نعمل لأنفسنا قبل أن نعمل لغيرنا، والعمل للأبناء مطلوب، لكن دون أن نستهلك فيه أنفسنا. "إِنَّ الْأُلَى شَادُوا مَبَانِيهِمُ تَهَدَّمُوا قَبْلَ انْهِدَامِ الْبُنَى"، يا ربي على هذا الكلام! ما معني "شَادُوا"؟ لها في العربية معنيان: "رَفَعوا" و"طَلَوْا"، رفعوا البناء هكذا، وعظموه -ها!- أو طلوه بالشِّيد (الجِص)، حتى بدا جميلًا هكذا في المنظر. يا ويلهم! كيف تهدموا؟ ماتوا! كيف ماتوا؟ "لَا مُعْدِمٌ يَحْمِيهِ إِعْدَامُهُ وَلَا يَقِي نَفْسَ الْغَنِيِّ الْغِنَى"، لا مفر من الموت، لا مفر ، أين المفر؟ ها! "كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ"؛ صدق الله العظيم! هل سمعتم بفقير جاءه الموت، فاعتذر إليه بفقره، حتى يكتسب لأولاده شيئا؟ لم يحدث. أم هل سمعتم بغني جاءه الموت، فرشاه بمليون ريال، حتى يؤخره إلى العام القادم؟ لم يحدث لا هذا ولا ذاك، والموت لا يقبل لا توسل فقير ولا رِشوة غني! "كَيْفَ دِفَاعُ الْمَرْءِ أَحْدَاثَهَا وَأَقْرَانُ اللَّيَالِي ثِنَى"، هنا فهمنا ضمير "أحداثها" أنه ضمير "الليالي"، لأنه جاء بها في آخر البيت، وقد فسرتُها بالأيام. لكن أحيانا يأتي العربي بالضمير اطمئنانًا إلى أنه سيفسره بعده سريعا -ها!- كأنه يقول: كيف دفاع المرء أحداث الليالي وحيدًا وأقرانها ثنى، فأضمر هنا وأظهر هنا، والمعنى واضح. "دِفَاع" هنا يحتمل أن يكون بمعنى المدافعة، وأن يكون بمعنى الدفع، في المدافعة تدفعه ويدفعك، وفي الدفع تدفعه أنت فقط. هذا وارد، وهذا وارد، لكن طبعًا المناسب المناسب للسياق أن يكون من المدافعة، يريد أنه يدفع المصائب وتدفعه، ولكنه يدفعها وحيدًا، وهي مصائب "يُرَقِّقُ بعضها بعضًا"، كما يقول الفقهاء؛ كلما جاءته مصيبة قال: هذه مصيبة المصائب أعظم من السابقة، فتأتيه أعظم منها، فأعظم، فأعظم، فقالوا: يرقق بعضها بعضًا، "يضيع ماله" مصيبة كبيرة، "يموت ابنه" أشد، كذا أشد، كذا أشد، ما هذا؟ هذه الدنيا! "كَيْفَ دِفَاعُ الْمَرْءِ أَحْدَاثَهَا (وقائعها) فَرْدًا (وحيدا) وَأَقْرَانُ الليالي (مصائبها) ثِنَى (جماعات)"! تحدث جماعات جماعات، ثنى ثنى، أي مثنى مثنى، ولكن المراد جماعات. "حَطَّ رِجَالٌ وَرَكِبْنَا الذُّرَا"، هنا معنى الراكبية، تكلم عن الناس بمعنى المركوبية فيما سبق، والآن يتكلم عنهم بمعنى الراكبية، وكلا المعنيين مخيف، وسواء أتحدث عنهم بمعنى مركوبين ركبتهم الآمال ودفعتهم الآجال، أم بمعنى ركاب يركبون قطار الحياة وينزلون عندما تأتي أوطانهم. "حَطَّ رِجَالٌ وَرَكِبْنَا الذُّرَا، في غزوة العسرة كانت لديهم أجمال محدودة، فكانت المجموعة تتعاور على الجمل الواحد، ينزل هذا، ويركب هذا، ينزل، ويركب؛ فكانوا يسمون المرة عُقبة -لي نوبة هذا المساء في الحراسة مثلا، أو لي نوبة في قيادة السيارة، هذه نوبتي، فتقول له: هذه عقبتي بمعنى نوبتي- "وَعُقْبَةُ السَّيْرِ لِمَنْ بَعْدَنَا"، أي هذه الدنيا كأنها قطار، فمن جاءت محطته نزل! هل هناك مَنْ يذهب ويجيء في هذا القطار، يذهب ويجيء؟ لا، اتجاه واحد - one way، ههه!- فمن جاءت محطته نزل. وهنا أتذكر مُلحة لا بد أن أذكرها كل محاضرة، لا بد: حكوا أن رجلًا مصريا ماتت حماته، وهذا عند المصريين خبر خير -ههه!- هذا عند المصريين خبر خير، نعمة كبيرة، طبعا هذه سخرية سخرية، نقول هذا من باب السخرية؛ كيف لا وقد رأيته جاري كما قلت لإخوانكم، تمون عنه زوجه وتبقى عنده أمها يخدمها إلى أن ماتت! ما شاء الله! هذا نعده من أولياء الله الصالحين. كنا نعزيه ونعرف له هذا العمل الصالح، ما شاء الله!- ماتت حماة رجل الحكاية، فجاء إلى أصحابه على المقهى -فهم إذن من أصحاب المقاهي العابثين- وقد اصطنع الاكتئاب على غير العادة والجميع عابثون وساخرون، فقالوا له: ما لك؟ فقال: ماتت حماتي. طيب! هذا خبر خير، لا يحتاج إلى كل هذه الكآبة، لكنه كان مكتئبًا، تظاهروا له بالكآبة رعاية مزيفة لمشاعره المزيفة، وبعد قليل حاول واحد أن يُسرّي عنه، أن يعزيه قائلا: هييييييه، دنيا زي القطر، كل اللي بتيجي محطته بينزل، ولا المرحومة كانت قاطعة ذهابًا وإيابًا!
ههه!
فانفجروا بالضحك -ههه!- وزالت تلك الكآبة، وظهرت الحقيقة، ظهرت حقيقة الفرح بموت الحماة من تحت من تحت خداع الظاهر. ما حكاية الحماة؟
"إِنَّ الْحَمَاةَ أُولِعَتْ بِالْكَنَّةْ
وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بِالْظِنَّةْ"!
هذا من كلام القدماء. إن الحماة أُولِعَتْ بِالْكَنَّةْ -أي زوجة ابنها- وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بِالْظِنَّةْ -أي سوء الظن فيها، ما شاء الله! سوء الظن متبادل!- فهي تلومها صباح مساء: فعلتِ كذا، فعلتِ كذا! "وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بِالْظِنَّةْ"، تراها تفضل عليها غيرها، أو ترى أمثالها في نعيم دونها! "كَمْ مِنْ حَبيبٍ هَانَ مِنْ فَقْدِهِ مَا كُنْتُ أَنْ أَحْسَبَهُ هَيِّنَا"، حفظت عجز هذا البيت أولَ ما حفظته "مَا لَمْ أَكُنْ أَحْسَبُهُ هَيِّنَا"، عن أستاذنا في "أباطيل وأسمار"، لكنني وجدته هكذا في الديوان، فلم أستطع أن أغيره، ومن مقتضيات تحقيق النصوص أن أثبت ما وجدته كما وجدته. كأنه يقول: ما كنت، ولا عشت، ولم يكن يجوز لي، ولا أتخيل ولا تتخيل عني أن أكون بهذه المنزلة أن أستهين به، مستحيل! وفي العربية "أحسَب" و"أحسِب". "أَنْفَقْتُ..."، نعم!
ما فرق ما بين التعبيرين؟
"مَا لَمْ أَكُنْ أَحْسَبُهُ هَيِّنَا"، أي ما لم أكن أظنه هيّنا، أما "مَا كُنْتُ أَنْ أَحْسَبَهُ هَيِّنَا"، فمعناها ما لم أكن بالمنزلة التي أحسبه فيها هيّنا. هذا يقول: لا أظنه هيّنا، وهذا يقول: لا يمكن أن أكون بالمنزلة التي أحسبه فيها هيّنا، تعبيران. "أنْفَقْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ"، أنفقتُه حتى أفرغته، ولم يعد لدي ما أنفقه! "وَقَلَّ وَقَلَّ دَمْعُ الْعَيْنِ أَنْ يُخزَنَا"، بجوار الأحباب، يستحيل، لماذا أحافظ عليه، وهو أقل من أن يُحافظ عليه بعدما ذهب مَنْ كان ينبغي أن أحافظ عليهم. "كُنْتُ أُوَقِّيهِ"، هنا جاء إلى معنى المحافظة، كنت أحميه -هذا الحبيب- فماذا حدث؟ مات. "فَأَسْكَنْتُهُ بَعْدَ اللَّيَانِ الْمَنْزِلَ الْأَخْشَنَا"، لا يعرف هذه المعاني إلا من عاناها -يا جماعة، عافانا الله وإياكم!- لا يعرفها إلا من اكتوى بنارها. يحكون عن المعتضد بن عبَّاد -وكان جبارًا من جبابرة الأندلس- أنه كان يحب ابنته إلى درجة امتزاج الحياة بها، هي الحياة، كانت صغيرة -ها!- كانت ريحانة قلبه، فماتت، فتحولت حاله، وبعد أن كان جبار الأندلس صار تائه الأندلس، شريد الأندلس، حفر لها قبرًا في البيت، وجلس يبكيها إلى أن مات على القبر، هذا الجبار، هذا الجبار! "كُنْتُ أُوَقِّيهِ فَأَسْكَنْتُهُ بَعْدَ اللَّيَانِ الْمَنْزِلَ الْأَخْشَنَا"، بعدما كنت أصنع له المراتب من ريش النعام -ها!- طرحته في الأرض، وطرحت عليه التراب! تَذَكَّروا مشهد دفن رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- والسيدة فاطمة تقول: ستفعلون به كذا وكذا! "دَفَنتُهُ وَالْحُزْنُ مِنْ بَعْدِهِ يَأْبَى عَلَى الْأَيَّامِ أَنْ يُدْفَنَا"، يستحيل، كل مصيبة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- هيّنة! "يَا أَرْضُ نَاشَدْتُكِ أَنْ تَحْفَظِي تِلْكَ الْوُجُوهَ الْغُرَّ وَالْأَعْيُنَا"، هل تحفظ؟ لا تحفظ، وكيف؟ بماذا ستجيب؟ أنصتوا إليها! أتدرون بماذا ستجيب؟ ستقول: هذه بضاعتي ردت إليَّ! أنتَ مني أصلا، رجعتَ إليَّ، ينبغي أن تذوب فيَّ، حتى تتحول إلى تراب وماء، وتخرج في النباتات، ليأكلك الناس مرة أخرى، هذه دورة الحياة! "يَا ذُلَّ مَا عِنْدَكِ مِنْ أَوْجُهٍ كُنَّ كِرَامًا أَبَدًا عِنْدَنَا"، وهم الآن في أذل موضع؛ لهذا يكفيك أن تُذَكِّر المتكبر بالموت: ستموت! يكفي هذا؛ لهذا كان سيدنا عمر قد حفر على خاتمه "كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا"، فقط، هكذا! أما رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- فقد كان على خاتمه "محمد رسول الله" -ولهذا كان يتركه خارج الخلاء، إذا دخل!- من أسفل إلى أعلى، ليكون أعلاها اسم الجلالة! تأملوا العبارات التي كانوا ينقشونها على خواتمهم، وعباراتكم التي تنقشونها، إذا نقشتم! ماذا تنقشون؟ تنقشون مثلًا: "حب ايه اللي انت جاي تقول عليه" -ها!!- أم ماذا تنقشون؟ "يَا ذُلَّ مَا عِنْدَكِ مِنْ أَوْجُهٍ كُنَّ كِرَامًا أَبَدًا عِنْدَنَا"، يكفي أن تُذكر الشخص الموت؛ كان لي أستاذان توفيا -رحمهما الله!- بقيا متقاطعين مدة طويلة مديدة، ثم قال أحدهما للآخر: سنموت، فتراجعا! تكفي هذه العبارة، هذا المفتاح السحري، أنسيت الموت! سنموت؛ فتراجعا. هكذا قال لي أحدهما وكنا هنا في عمان عندئذ، وهو الذي سندرس له نصا فيما بعد. "وَالْحَازِمُ الرَّأْيِ -من الحازم الرأي؟- الَّذِي يَغْتَدِي مُسْتَقْلِعًا (متجهزًا للسفر) يُنْذِرُ مُسْتَوْطِنَا (مطمئنًا إلى الوطن)"، هذا الحازم الرأي الذي يُجَمِّع رأيه ويحزمه كأنه حزمة، هذا الحازم هو الذي يغتدي مستقلعًا، ها! "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"، و جاء العقاد العظيم فسمّى ديوانه "عابر سبيل"، هذا اسم ديوانه، تأملوا الأسماء الجميلة "عابر سبيل"؛ "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"، فأنت إذن على قلق، كأن الريح تحتك، تنتظر السيارة، الطائرة، تنتظر السفر مستقلعا تنذر مستوطنا -ها!- ومن صفاته كذلك "لَا يَأْمَنُ الدَّهْرَ عَلَى غِرَّةٍ"، على غفلة، لا يأمن أن يغافله الدهر، فينتزع روحه؛ لهذا لم يكن الصوفية ينامون، لا ليلا ولا نهارًا، كيف هذا؟ وهل يقدر على هذا أحد؟ كانوا يحاولون. دخلت ابنة الربيع بن خيثم عليه فقالت: "يَا أَبَتَاهْ! مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَنَامُونَ وَأَنْتَ لَا تَنَامُ"! فقال: "إِنَّ أَبَاكِ يَخَافُ الْبَيَاتَ"! أي يخاف أن أن يُقبض بغتة، يرى أن مجيء الموت عليه وهو نائم كالقتل بغتة -أرأيتم!- ينبغي أن يموت وهو في عبادة، على رغم أن العبادة -سبحان الله، يا جماعة!- إذا توضأت ونمت على وضوء تنتظر الفجر كنت في عبادة، لكنَّ للصوفية في سياسة النفس منهجًا صعبًا، لهم طريقة شديدة، شدة في أشياء، وخفة في أشياء، وهذه طريقة مذاهب المسلمين على وجه العموم، يتشددون في أشياء، ويتخففون في أشياء؛ كان أهل المدينة مثلا يتخففون في الغناء، ويتشددون في النبيذ، وكان أهل العراق على العكس، يتشددون في الغناء، ويتخففون في النبيذ، مذاهب! نعم؟
المدينة أحسن.
ههه! راجع كتاب "الشعر والغناء في مكة والمدينة"، للدكتور شوقي ضيف. "لَا يَأْمَنُ الدَّهْرَ عَلَى غِرَّةٍ"، قالت بنت الربيع بن خيثم له -ويقال: خُثَيْم-: "مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَنَامُونَ وَأَنْتَ لَا تَنَامُ"، فماذا قال لها؟ "إِنَّ أَبَاكِ يَخَافُ الْبَيَاتَ"! ما البيات في العربية؟ أن يُؤخذ العدوُّ، أن تهاجم عدوك وهو نائم -ها!- أن تغتاله وهو نائم، فهو يرى أن مجيء الموت إليه وهو نائم بمنزلة اغتيال العدو بغتة وهو نائم، ماذا تريد إذن؟ أريد أن يأتيني وأنا في ذكر، لأنه يفهم أنه مَنْ مات على شيء بعث عليه. طيب، ألم تعلم أنك إذا توضأت فصليت الوتر ثم نمت تنتظر الفجر كنت في عبادة طوال النوم إلى الفجر! "كَأَنَّمَا يَجْفُلُ مِنْ غَارَةٍ مُلْتَفِتًا يَحْذَرُ أَنْ يُطْعَنَا"، كأنما يجفل -ها!- يفزع من غارة لا يدري من أين ستأتي، أمن اليمين، أم من اليسار، أم من الأمام، أم من الخلف؛ فهو يتلفت يحذر أن يطعن! يا سلام على القصيدة، منتهى الروعة، تستحق أن تُحفظ؛ فاحفظوها -يا جماعة!- وعندنا مسابقة في الحفظ، ستكون في أواخر الفصل، كما كانت من قبل تكون من بعد، والناس الآن يحفظون، منهم من حفظ إلى كذا -ها!- ومنهم من حفظ إلى كذا، ولا بد أن تحفظ على الصواب؛ خطأ واحد كالذي سنراه الآن يُخرِج من الساحة! مَنْ ينافس في قراءة هذه القصيدة على خمس درجات زيادةً أو نقصًا أو طردًا، مَنْ؟ فيصل، اتق الله!
اللهم اجعلنا من المتقين!
مَنْ في الآخر؟ من؟ ذكريني اسمك.
هاجر.
هل قرأت من قبل، يا فيصل؟
لا.
وأنت يا هاجر؟
نعم.
فاقرأ إذن -يا فيصل!- وجرب الطرد مرة؛ فالطرد شيء لذيذ! هذا بيت من الشعر، ما شاء الله، ها!
"ما أسرع الأيام"، للشريف الرضِي.
للشريف الرضيّ.
للشريف الرضيّ.
أكثر مَنْ تسمع من المتكلمين لا يشددون ياء النسب، يقول لك: عمانِي، مصرِي، رياضِي، فلسفِي؛ أين ذهبت ياء النسب؟ ذهبت "إِلَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ"، ها، اسمعوا!
مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا تَمْضِي عَلَيْنَا ثُمَّ تَمْضِي بِنَا
فِي كُلِّ يَوْمٍ أَمَلٌ قَدْ نَأَى مَرَامُهُ عَنْ أَجَلٍ قَدْ دَنَا
أَنْذَرَنَا الدَّهْرُ وَمَا نَرْعَوِي كَأَنَّمَا الدَّهْرُ سِوَانَا عَنَى
تَعَاشِيًا وَالْمَوْتُ فِي جِدِّهِ مَا أَوْضَحَ الْأَمْرَ وَمَا أَبْيَنَا
وَالنَّاسُ كَالْأَجْمَالِ قَدْ قُرِّبَتْ تَنْتَظِرُ الْحَيَّ لِأَنْ يَظْعَنَا
تَدْنُو إِلَى الشِّعْبِ وَمِنْ خَلْفِهَا مُغَامِرٌ يَطْرُدُهَا بِالْقَنَا
إِنَّ الْأُلَى شَادُوا مَبَانِيهُمُ...
ها!
... مبانيهِمُ تَهَدَّمُوا قَبْلَ انْهِدَامِ الْبُنَى
لحظة! بالمناسبة "مبانيهُم" جائزة في اللغة، "عليهُم" و"عليهِم"، كلاهما وجه جائز، لكننا لسنا هنا في الجائزات، بل في الالتزام بما شكلته لك، ها!
لَا مُعْدِمٌ يَحْمِيهِ إِعْدَامُهُ وَلَا يَقِي نَفْسَ الْغَنِيِّ الْغِنَى
كَيْفَ دِفَاعُ الْمَرْءِ أَحْدَاثَهَا فَرْدًا وَأَقْرَانُ اللَّيَالِي ثِنَى
حَطَّ رِجَالٌ وَرَكِبْنَا الذُّرَا وَعُقْبَةُ السَّيْرِ لِمَنْ بَعْدَنَا
كَمْ مِنْ حَبيبٍ هَانَ مِنْ فَقْدِهِ مَا كُنْتُ أَنْ أَحْسَبَهُ هَيِّنَا
أَنْفَقْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَلَّ دَمْعُ الْعَيْنِ أَنْ يُخزَنَا
كُنْتُ أُوَقِّيهِ فَأَسْكَنْتُهُ بعد اللَّيَانِ الْمَنْزِلَ الْأَخْشَنَا
دَفَنتُهُ وَالْحُزْنُ مِنْ بَعْدِهِ يَأْبَى عَلَى الْأَيَّامِ أَنْ يُدْفَنَا
يَا أَرْضُ نَاشَدْتُكِ أَنْ تَحْفَظِي تِلْكَ الْوُجُوهَ الْغُرَّ وَالْأَعْيُنَا
يَا ذُلَّ مَا عِنْدَكِ مِنْ أَوْجُهٍ كُنَّ كِرَامًا أَبَدًا عِنْدَنَا
وَالْحَازِمُ الرَّأْيِ الَّذِي يَغْتَدِي مُسْتَقلِعًا يُنْذِرُ مُسْتَوْطِنَا
لَا يَأْمَنُ الدَّهْرَ عَلَى غِرَّةٍ وَعَزَّ لَيْثُ الْغَابِ أَنْ يُؤْمَنَا
كَأَنَّمَا يَجْفُلُ مِنْ غَارَةٍ مُلْتَفِتًا يَحْذَرُ أَنْ يُطْعَنَا
الله الله، أحسنت! حيوا فيصل المعمري! أحسنت أحسنت! هذا أداء طيب طروب، يبدو أن القصيدة أثرت في فيصل تأثيرًا شديدًا. وفيصل حصل في المنتصف أصلًا، على خمس وعشرين؛ وبخمس درجات هذا الأداء إذن سيتجاوز المئة، ما شاء الله لا قوة إلا بالله! يبدو أننا سنقع في حرج كبير مع الإدارة، لأن الإدارة لا تقبل...
فوق المئة.
ههه، لا أقصد هذا! لا تقبل أن تكون أعداد الحاصلين على ألفات بهذا الشكل، وترد علينا الأوراق مرة أخرى، لكنني سأصر -إن شاء الله!- سأقول: لا، هذا مقرر ينبغي ألا يُقاس عليه، هذا مقرر أنجح الناس فيه العمانيون. طيب! نكتب البيتين الأولين -بارك الله فيكم!- بسم الله!
ما أسرع الأيام في طينا
ماذا تفعل؟
تمضي علينا
وعلى الباغي تدور الدوائر
ثم تمضي بنا
تأخذنا معها، انظروا إلى الفصاحة، يا سلام!
في كل يوم أمل قد نأى
أي ابتعد، يتباعد يتباعد، ونتعلق به!
مرامه
عندكم هذه في العمانية، أنتم تقريبًا في هذا المادة متفردون باستعمالها -رام، يروم، أروم، ما روم...
ههه!
أهي في أي مكان آخر؟ لا أظن، لكنها في عمان، ما روم (ما أروم): ما أستطيع، ما أريد، أو أظن أنها بمعنى ما أستطيع، ما أتمكن، لكن "رام، يروم" بمعنى "طلب، يطلب"، وهي قريبة على أية حال.
قد نأى مرامه عن أجل قد دنا
لما عثر النعمان بن المنذر على عبيد بن الأبرص في يوم بؤسه -وكان للنعمان يومان: يوم يوم سعد ويوم بؤس، إذا صادفا أحدًا في يوم السعد أعطاه ما يغنيه طوال حياته، وإذا صادفه في يوم بؤسه قتله من ساعته، بغيًا وعدوانًا وتجبرًا في الأرض، شهرة تنتشر له في الآفاق بأنه ملك عظيم، له كذا وكذا!- فكره هذا، لأنه كان يقدره، يحب شعره -هو صاحب المعلقة "أقفر من أهله ملحوب"، على القول بالمعلقات العشر- فقال له: أنشدنا -في يوم بؤسه، وسيقتله بعد قليل- قال: "حَالَ الْجَرِيضُ دُونَ الْقَرِيضِ"! أي حال الموت دون الإنشاد؛ كيف أنشدك وستقتلني بعد قليل! "حَالَ الْجَرِيضُ -بالجيم، أي الموت- دُونَ الْقَرِيضِ"، فذهبت مثلا -ها!- وهكذا هنا: في كل يوم أمل -ها!- يحول دونه الجريض! هل من خطأ في الإملاء؟ هل من خطأ؟ زدنا شيئًا، نقصنا شيئًا، قدمنا، أخرنا، اطمئنوا، تمام؟ تمام. طيب الآن نضيف التشكيل، نتقرب إلى الله بتدقيق التشكيل؛ "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَاعَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ"؛ فبهذا نتقرب إليه، سبحانه! ونشكل في وقت النطق، لكي لا نرحل الحركات لا يمينًا ولا يسارًا:
مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا تَمْضِي عَلَيْنَا ثُمَّ تَمْضِي بِنَا
تمضي، هي التي تمضي علينا، ثم تمضي، تأملوا فصاحة العربية! "تمضي" فعل واحد، ولكن "تمضي علينا" في واد، و"تمضي بنا" في واد، تأملوا الحروف كيف تتنازع الأفعال -ها!- رغب فيه، ورغب عنه، تمضي علينا، تمضي بنا. ومن كلام المتنبي في بعض شعره "كَتَلَاعُبِ الْأَفْعَالِ بِالْأَسْمَاءِ"، يوظّف المعلومات النحوية في التعبير عن المشاعر!
فِي كُلِّ يَوْمٍ أَمَلٌ قَدْ نَأَى مَرَامُهُ عَنْ أَجَلٍ قَدْ دَنَا
نَأَى يَنْأَى نَأْيًا، ودَنَا يَدْنُو دُنُوًّا. طيب، فلنغن هذا -"إِنَّ الْغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ"- فَلْنُغنِّه!
مَا أَسْرَعَ الْـ| ـأَيَّامَ فِي| طَيِّنَا| تَمْضِي عَلَيْـ| ـنَا ثُمَّ تَمْـ| ـضِي بِنَا
فِي كُلِّ يَوْ| مٍ أَمَلٌ| قَدْ نَأَى| مَرَامُهُ| عَنْ أَجَلٍ| قَدْ دَنَا
جميل جميل! فلننزل هذا على الصفحة بخط آخر، بالأزرق نضع الخطوط، نضع الفواصل كالسيف -إن لم تقطعه قطعك!- من أعلى إلى أسفل، إذا صنعت لي هذا الخط من أسفل إلى أسفل حصلت على صفر! جميل، الأمور واضحة، لا لف ولا دوران، الأمور كلها في العربية طرب طرب، تجري العربية على وتيرة الطرب فقط، غنِّ المراحل كلها، غنها، غنِّ البيت، غنِّ عند وضع الخطوط، غنِّ عند التشكيل، غنِّ عند وضع الخطوط، غنِّ عند الدندنات والتفعيلات والأوصاف، غنِّ كل هذا، غنِّه؛ "إِنَّ الْغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ"! نستعمل الأحمر، لننزل الخطوات الباقية. تعرفون أن للخطوة الأولى ضعف ما لكل خطوة من الخطوات. نستطيع أن ننطق بالقلم كما ننطق بالفم، هكذا:
نطقت وكتبت الدندنة؛ الدندنة سهلة، لغة عالمية، دندنة، ودان دان، كما تقولون! صَغِّر الخط تستوعبك المسافة! لا تحتاج إلى أن تخرج من المسافة التي تركتُها لك في الملف. لغة عالمية الدندنة، موسيقى لغة عالمية، يستطيع أي واحد أن يفعل هذا: دن دن ددن، وسيعرف هو، وإذا مضيت على هذا عرف أنك تُوقّع إيقاعًا معينًا فسألك: ما هذا الإيقاع؟ ما هذا اللحن؟ طيب! ننتقل إلى الخطوة التالية، خطوة التفعيلات.
مستفعلن
مستفعلن السالمة، وكذلك هذه:
فما هذه:
ماذا تشبه؟
فاعلن.
"لِلْمَنُونِ دَائِرَاتٌ يُدِرْنَ صَرْفَهَا هُنَّ يَنْتَقِينَنَا وَاحِدًا فَوَاحِدَا"،
لا يقاس عليه.
انتبهوا ستجدون في كلام العروضيين من قديم إلى حديث، مَنْ يسمي "مفعلا"، "فاعلن"، يقول: "مستفعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلن"، ما هذا -قد علمتكم إياه، ونبهتكم عليه- ما هذا؟ ما اسم هذا؟
نقل.
نقل، أحسنت! ظاهرة النقل؛ ما ظاهرة النقل؟ هي تغيير رمز التفعيلة من وضع مشوه إلى وضع غير مشوه؛ فبدلًا من "مستعلن" يقولون: "مفتعلن"، وبدلًا من "مفعلا" يقولون: "فاعلن"، وبدلًا من كذا يقولون: كذا، وبدلًا من كذا يقولون: كذا، وهكذا؛ ما فائدة هذا عندهم؟ تحسين التعبير. وما ضرره؟ قطع الصلة! هل تتوقعون ممن يقول: "مستفعلن مستفعلن فاعلن"، أن يصف فاعلن بأنها "طش (مطوية مكشوفة)"؟ مستحيل، سيقول: سين (سالمة)! إذا قال: سين، قطع ما بين الطالب ونظرية الخليل (الدوائر العروضية). سيقول لك واحد من الناس: لتذهب نظرية الخليل إلى الجحيم! مسكين، لا يعرف قيمتها، لا يعرف كيف أطلعتنا على الأسرار و سبرت لنا الأغوار ووضعت أيدينا على فوائد عظيمة! نبهتنا على أسر البحور، على أُخُوَّتها، على أوضاعها، لا، لا، هذا شيء لا يُفرَّط فيه، وهذا مخترع العلم، وهكذا بنى علمه، سبحان الله، طيب!
خبن.
بل طي، فالخبن حذف الثاني.
"طش" هذه عندنا في المصرية، من كلمات المطبخ والطهي!
وعندنا.
والله، ما شاء الله! لكن "طاش" في المسلسل السعودي، ما معنى طاش ما طاش؟
قحم.
قفز! لكن "طاش" في العربية: طاشت الرمية، أي لم تُصب الهدف، يقولون: هذه أصابت، وهذه طاشت.
هو هكذا، لكن الحركة غير موجهة.
هذه قريبة منها، ومنها -أعزكم الله!- طَيْش الجاهل، يقولون: هذا طائش، طيب، جميل!
أرأيتم! صرتم فقهاء في الإيقاع!
شيء بديع شيء بديع سهل لطيف. ينبغي إذن أن تشدوا دساتين أعوادكم، وأن تحموا طبولكم ودفوفكم بعد مدة من الصدأ، وأن تشربوا، وأن تطربوا (أن تبتهجوا)، وأن تعملوا عملًا جماعيًّا، فلا يتقدمن عازف عازفًا -فإن ظنّ أنه يحسن فإنه موهوم مسيء، يغرّد خارج السرب!- وأن تجعلوا النغمة أكثر زرقة (أكثر إتقانًا، أكثر تأثيرًا، لا أعرف). نعود لنبدأ بما فعلت ونبني عليه معي معي، ها!
ها، لا حول ولا قوة إلا بالله! كنت أنتظر أن أقول: عاشوا، عاشوا، فيكم طرب، وفيكم وناسة، لا حول ولا قوة إلا بالله! هذه الدنيا، هذه الدنيا، يظل الواحد يعمل طوال حياته بعمل أهل الجنة...
ههه!
ها! يظل يعمل طوال حياته بعمل أهل الجنة، فيُختم له بعمل أهل النار، فيكتب من أصحابها، أو العكس: يظل يعمل بعمل أهل النار، ثم يُختم له بعمل أهل الجنة، فيصنف في أهل الجنة؛ إنما الأعمال...
بالنيات.
بخواتيمها، وقد أفسدنا الخاتمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم، إليك ألجأ، ومن أفعالهم أبرأ، ولا حول ولا قوة إلا بك!
أعيد ها معي معي.
كنت سأقول: هذه أحسن مجموعة في العزف الجماعي، كنت سأقول هذا، لكن لن أقول!
واحد أخطأ!
واحد -ما شاء الله!- يُخرب على الدنيا كلها! عندنا واحد جالس في مكان يخرب على الناس.
ههه!
عندنا واحد في مكان من العالم، جالس على كرسيه، يُخرب ما يفعل الناس في كل مكان، ها! ما قولكم؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! لكن جميل جميل جدا، يا سلام، لو شهدنا الخليل لأعجبه هذا، ولانتعش ولابتسم: معقول، وفي عمان بلادنا التي لم نعش فيها، أو التي كنا نرجو أن نعيش فيها و نموت، لله الحمد والشكر! طيب ما قافية البيت الأول؟
ـضي بنا.
كيف هذا؟ على أي أساس؟ قدمنا لك آخر ساكنين، أين آخر ساكنين؟
الياء.
هذه الياء الساكن الأول، وهذه الألف، وبينهما الباء المكسورة والنون المفتوحة، وقبلهما الضاد المكسورة، هي "ـضي بنا" إذن؛ فما إيقاعها؟ دن ددن، كأنها ائتلفت هي والتفعيلة الأخيرة "مفعلا"، وهذا يحدث أحيانا، وإذا حدث كان بديعا جدا، لكن لا تأمنوها، لا تأمنوا الإيقاع على القافية، "لَا تَأْمَنُوا الْوَزْنَ عَلَى الْقَافِيَة"، هذا شطر بيت من الشعر، وهو من بحر السريع نفسه؛ فكونوا على حذر -ها!- وما قافية البيت الثاني:
قَدْ دَنَا.
قَدْ دَنَا، ها!
نَا عَنَى.
نَا عَنَى، ها!
أَبْيَنَا.
أَبْيَنَا، ها!
يَظْعَنَا.
يَظْعَنَا، ها!
بِالْقَنَا.
بِالْقَنَا، ها!
مِ الْبُنَى.
مِ الْبُنَى، ها!
ـي الْغِنَى.
ـي الْغِنَى، ها! مسعود كان يريد أن يقول: الغنى، وخاف طبعا، لأنها خطأ، "ـي الْغِنَى"، ها!
لِي ثِنَى.
لِي ثِنَى، ها!
بَعْدَنَا.
بَعْدَنَا، ها!
هَيِّنَا.
هَيِّنَا، ها!
يُخزَنَا.
ما لك؟ يُخزَنَا، ها!
أَخْشَنَا.
أَخْشَنَا، ها!
يُدْفَنَا.
يُدْفَنَا، ها!
أَعْيُنَا.
أَعْيُنَا، ها!
عِنْدَنَا.
عِنْدَنَا، ها!
تَوْطِنَا.
تَوْطِنَا، ها!
يُؤْمَنَا.
يُؤْمَنَا، ها!
يُطْعَنَا.
يُطْعَنَا، ها!
ما هذا العبث -يا أستاذ!- ماذا تريد؟ أريد أشياء كثيرة جدًّا، أريد أن أحاكم الشعراء، أريد أن أنبه أنه إذا ائتلفت القافية والكلمة واستقلت بكلمة واحدة ظهرت أكثر، ودلت على نفسها، وتميزت من خلفها وأمامها -فالقافية "يُطْعَنَا"، الكلمة المستقلة، غير "تَوْطِنَا" جزء الكلمة- إذا استقلت بكلمة تميزت، ودلت على نفسها. طيب، ما أقوى المكررات؟
النون.
أكيد، أكيد؟ لا خلاف قطعا، وحركة النون؟
الفتحة.
هل قبلها ألف أوواو أو ياء؟
لا.
هل قبل الذي قبلها ألف؟
لا.
هل بعدها ألف أو هاء أو تاء أو كذا.
ألف.
من يقدم لنا البيانات كاملة من غير نقص -ها!- من غير نقص؟ إلهام؟ إلهام طبعا تنورنا من المجموعة السابقة ، تطمئن علينا، حضرت معنا تطمئن على مسيرتنا التعليمية، ها، ما البيانات؟
سريعية الأبيات.
هذه القصيدة سريعية الأبيات...
سريعية الأبيات الوافية.
الوافية طبعًا، لأنكم إذا وازنتم بين ما كان وما قعده الخليل وجدتم فرقًا بين "مفعلا" و"مفعولاتُ"؛ فكيف تكون تامة قد أتمت كل شيء؟ يكفيها أن نسميها وافية، لنكون قد تكرمنا عليها، هذه القصيدة إذن سريعية الأبيات الوافية.
متغيرة العروض والضرب.
والله! متغيرة -ها!- كما تعودت هي أن تفعل، تعوّدت أن تريح نفسها من ذكر التغيير نفسه، فتقول: متغيّرة! هذا إذا لم نكن قد نبهنا على التغيير، وليس لهذا التصرف غير صفر من الدرجة، لو لم نكن قد علمناكم التغيير لاستحق الدرجة كاملة، فأما وقد علمناكم فالصفر الكامل، إذا جاز أن يوصف الصفر بالكمال طبعًا! هذا لا يجوز -ها!- لا يجوز من ابنتنا أن تقول: هذه متغيّرة، وهي متغيّرة -نعم!- لكننا نبهنا على أن ما أصابها زحاف وعلة.
مطوية مكشوفة.
زحاف الطي وعلة الكشف؛ فهي مطوية مكشوفة "طش". أريد أن أنبه على شيء تذكرته الآن، والمعلومات -يا أخي!- ينسي بعضها بعضا! هذا الزحاف (الطي)، جرى مجرى العلة، لن تجد تفعيلة في أي مكان من هذا الموضع من العروض أو الضرب قد خلت من الطي، يستحيل؛ فما الذي حدث؟ تعاون الزحاف والعلة، على نقل "مفعولاتُ" نقلة بعيدة، إلى "دن ددن"، فماذا كانت النتيجة؟ ارتباط الزحاف والعلة. يعيش هذا بمعيشة ذاك، يعيشان معًا، ويموتان معا! ارتبطت حياة الزحاف هنا بحياة العلة؛ فجرى فجرى الزحاف مجرى العلة. ستجدون هذا كذلك في الوافر حين يأتي، ستجدون زحاف العصب يرتبط بعلة الحذف، يعيشان معًا، ويموتان معًا -ها!- فماذا نقول؟ هذه القصيدة سريعية الأبيات الوافية المطوية العروض والضرب المكشوفتهما -يا سلام على الفصاحة!- ها!
نونية القوافي.
نونية القوافي.
المجرّدة.
لا، قبل هذا نونية القوافي المفتوحة المجردة.
المجردة الموصولة بالألف.
الموصولة بالألف فقط؛ لا تكون الألف إلا مدا، ها، أعيدي إذن كيف نقول؟
هذه القصيدة سريعية الأبيات الوافية المطوية العروض والضرب - عندنا فرق طبعًا بين "كذا وكذا" و "كذا كذا": محمد "طالب مجتهد"، "طالب و مجتهد"، إذا حذفت حرف العطف أدخلت الأشياء بعضها في بعض في الوقت نفسه، لكن إذا عطفت الأشياء بعضها على بعض ميزت: "دخل، جلس، أكل، نام، قام"، "دخل، وجلس، وأكل، ونام، وقام"؛ عندك فواصل، وفي الشعر الحديث لا يحبون هذه الفواصل -ها!-: "تتقدم تطلبني كذا كذا". ها، كيف نقول إذن؟ هذه القصيدة...
سريعية الأبيات الوافية المطوية العروض والضرب المكشوفتهما -ها!- نونية القوافي المفتوحة المجردة الموصولة بالألف، نونية القوافي أهم مكراراتها النون المفتوحة، المجردة لا ردف قبل رويها ولا تأسيس، الموصولة بالألف بعد رويها مباشرة إشباع لفتحته، بالألف لأنه يجوز أن يأتي شيء غير الألف. بارك الله فيكم وشكر لكم وأحسن إليكم والسلام عليكم!
وسوم: العدد 1103