المفيد في تفنيد ترهات عصيد

من المعلوم أن المدعو أحمد عصيد ، وهو أشد تعصبا لثنائية  العلمانية والأمازيغية في المغرب ، قد حاز بشدة تعصبه شهرة كشهرة أعرابي تبول قديما  في بئر زمزم زمن موسم الحج كي يشتهر بذلك لكن حازلعنة الحجيج يومئذ ، ولعنة المؤمنين إلى يوم الدين .

ومعلوم أن آفة الإنسان تعصبه لعرقه ، و الله تعالى  جعل للبشرية أصلا واحدا ، إذ خلقها جمعاء من آدم وحواء عليهما السلام ، وتعصبه للسانه ، والله تعالى جعل الناس شعوبا وقبائل ، وجعل ألسنتهم مختلفة  كاختلاف ألوانهم ، وتعصبه لأفكاره ومعتقداته تعصبا يغريه أو يحمله على نسف أفكار ومعتقدات الغير وتخطئتها وتسفيهها ، وليس بين يديه من أدلة  مقنعة على ادعاء صحة  وصواب ما يعتقده ، ولا أدلة على خطإ ما يعتقده غيره .

ولبيان هذه الآفة  عند  المدعو عصيد، نستعرض  مضمون فيديو مسجل له   تداولته مؤخرا وسائل التواصل، وقد ظهر فيه وهو يشيد بالإلحاد حيث قال :

"  إن  الإلحاد موقف صعب جدا ، لأنه ليس من السهل أن يكون الإنسان ملحدا، والإلحاد إنما يأتي بعد مسار طويل من التفكير، والتأمل، والمطالعة ،والبحث وقراءة  المجلدات والكتب والمراجع . و عنده أن الإلحاد حكر على طبقة المتعلمين ، وهو ينفي أن يكون للإنسان الأمي  حظ من الإلحاد . وذكر  أن  غالبية كبار علماء البشرية، والمخترعين، والمتخصصين في الفيزياء والكيمياء والرياضيات ، والفلك ، والعلوم الدقيقة كلهم  ملحدون ، وكذلك  الشأن بالنسبة لكبار المفكرين، والفلاسفة ، والأدباء والشعراء ، وخص بالذكر منهم الشاعر المتنبي ، وذكر أنه  من عشاقه المعجبين  به حتى أن ديوانه لا يفارقه ، وزعم أنه ما صلى يوما ، ولا صام ، ولا قرأ القرآن  باعتماده رواية تحتمل الصدق والكذب أو البهتان  ، كما زعم أيضا أنه لم يكن مؤمنا ، لا هو ولا  وبشار بن برد ، ولا أبو نواس . والملحدون عنده هم نخبة النخبة ، وليسوا من العوام .

 و يرى أن الناس يخلطون بين العلماني  أو اللاديني والملحد ، فراح يوضح الفرق بينهما بقوله : إن الملحد هو الحاسم مع نفسه بالإلحاد والكفر، وإنكار وجود إله  ، وعنده أنه لا وجود  لإله له قوة  فوق قوة الطبيعة ، بينما اللاديني أو العلماني ليس ملحدا ،لأنه لا يحسم مع نفسه  بذلك حسم الملحد  ، ومع ذلك هو متأكد مائة بالمائة  أن الديانات سواء السماوية أو الوضعية هي من وضع البشر . ويزعم عصيد أن اللاديني إذا سئل عن وجود الإله يقول : لا أدري .

وخلاصة القول  عنده أن العلمانية هي الإطار الوحيد الذي تتعايش فيه جميع الأديان باحترام "

فالناظر في كلام عصيد يجده عبارة عن ترهات ، ذلك أن دعواه بأن كبار العلماء والمخترعين والفلاسفة والأدباء والشعراء ملحدون يدحضها وجود  أمثالهم مؤمنون .وإذا تساوى هؤلاء إلحادا وإيمانا ، فما هو المبرر المنطقي الذي يجعل كفة الملحدين ترجح بكفة المؤمنين ؟ والمصر على رجحان كفة الملحدين على  كفة المؤمنين ، لن يكون سوى متعصبا كما هو حال عصيد .

وقوله أن الأمي لا يمكنه أن يكون ملحدا  لصعوبة مسار الإلحاد ، وما يتطلبه من صرف الوقت والجهد في قراءة ومطالعة المجلدات والكتب الدالة على الإلحاد ، يفهم منه أنه ينزل كل من ليسوا ملحدين منزلة الأميين حتى لو كانوا علماء ،وفلاسفة، ومفكرين، وأدباء، وشعراء ، لأن العبرة عنده بتحصيل الإلحاد قراءة ،ومطالعة ،وبحثا ، و عبرة عنده بتحصيل الإيمان بنفس الطريقة .

وإنكاره وجود أميين غير ملحدين يدحضه الواقع إذ لا يخلو من وجودهم  كثرة كاثرة والبشرية قد قارب  أو جاوزعددها سبعة مليارت  ليس فيهم سوى مليار ونصف من المؤمنين  ،ويدرك هؤلاء الأميون مكانة الملحدين دون صرف وقت أو جهد كبيرين  في مطالعة المجلدات والكتب .

ومن خلط عصيد وخبطه أنه حاول التمييز بين الملحد واللاديني أو العلماني ، ولكنه انتهى إلى أنهما  معا لا يؤمنان بوجود إله ، وكل ما بينهما من فرق عنده  أن الملحد يملك الجرأة على التصريح بإلحاده ، بينما اللاديني أو العلماني  لا جرأة له،  بل هو منافق، لهذا يموه على الاعتراف بإلحاده  عندما يسأل عن الإله  بعبارة : لا أدري، وهو في الحقيقة  مع الملحد في إلحاده ، لأنه لا وجود لمنزلة بين منزلة الإلحاد ، ومنزلة الإيمان كما يريد عصيد الإيهام بذلك مستخفا بعقول من يجارونه في تراهاته .

والملاحظ أن عصيد من خلال إشادته بالإلحاد، يكون قد صرح علانية بإلحاده إذ لا يمكن أن يشيد بالإلحاد دون أن يكون ملحدا ، كما أنه أشاد بالعلمانية أو اللادينية أيضا ، وهو بذلك يقر مرة أخرى بإلحاده ، علما بأن الفرق الذي جاء به للتمييز بين الملحد والعلماني أو اللاديني مردود عليه كما يرد التمييز على من يميز بين " الحمار " و" أغيول " ، وهذه الأخيرة لفظة تدل على اسم الحمار في اللسان الأمازيغي .

ويكشف عصيد في خلاصة ترهاته عن  آفة تعصبه  الشديد والمزمن للعلمانية بما تدل عليه من لادين ومن إلحاد حيث يشيد بها معتبرا إياها الإطار الوحيد لتعايش الأديان ، وعجبا لهذا الإطار اللاديني الذي يسمح بوجود أديان  يكفر بها وهي متعايشة فيه ، وهو الذي يعتبرها سماوية ووضعية من وضع واختراع البشر ، علما بأن تسوية السماوية منها بالوضعية شاهد على إلحاد عصيد بامتياز.

ومع كل هذه الترهات التي لا ينقطع عصيد عن الإدلاء بها في كل المناسبات ، وعبر كل القنوات الإعلامية، والصحف الورقية ، والمواقع الرقمية المتاحة له في بلد دينه الإسلام ، فإنه لا يحاسب على المجاهرة بالإلحاد الذي يعتبر ردة يستتاب صاحبها وإلا كان للشرع فيه حكم   ، وهو إلى جانب ذلك  بشجيع على  شيوع الفواحش  في المجتمع من مثلية ورضائية  ... وكل ما يخالف أو يعطل شرع الله عز وجل تحت ذريعة الحريات  كما كشفنا عن ذلك في مقالات سابقة ، بينما تضيق الوزارة الوصية على الشأن الديني على الخطباء ، فلا يسمح لهم بالرد عليه وعلى أمثاله  من دعاة الإلحاد  والفجور، وقد قيدت حريتهم بخطبها التي يغرد واضعوه خارج السرب  كما يقال ، وهي تتجاهل الواقع المعيش الذي يعج بالمشاكل العويصة في وقت تنشط فيه التيارات المعادية للإسلام  بشكل غير مسبوق ، وهي مدعومة بالعلمانية الغربية  التي تمولها ، وتمهد لها كل السبل ، وتوفر لها كل الوسائل والظروف المتاحة من أجل أن تصير هي البديل في بلاد الإسلام  ، لا ينازعها في ذلك ، ولا تسمح له  بوجود حقيقي، بل تريده دينا على هامش حياة المسلمين، بينما تكون هي كل شيء في حياتهم ، ليصروا مع مرور الزمن علمانيين يتجارسون على الله بالكفر والإلحاد.

وسوم: العدد 1105