العندليب لايغيب
شهد شهر فبراير عام 2002 صدور كتابي الثاني ( العندليب لايغيب ) وقد تناولت فيه حياة الفنان عبد الحليم حافظ منذ مولده في قرية الحلوات مركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية وصعوده إلى قمة الهرم الفني وكواليس العديد من أغنياته والمواقف الحياتية ومنها حرصه على زيارة أهله وأقاربه وتوفير كل شئ لخاله وخالته أم فردوس من أجل أداء فريضة حج بيت الله الحرام وذات مرة كان عبد الحليم حافظ يستقل السيارة بجوار الأمير طلال فشاهد خالته أم فردوس قادمة في الطريق وعلي الفوز هبط عبد الحليم من السيارة وأسرع نحو خالته وسلم عليها وأخذها إلى شقته ولم يتركها إلا بعد أن ادخلها وسلمها لإخوانه ثم ذهب عاد إلى الأمير طلال الذي قال له : من هذه ياحليم ؟ فقال حليم : هذه خالتي أم فردوس فقال الأمير طلال : الله يحيي أصلك يا حليم .
كما تناولت الأغنيات التي كانت في خطة العندليب عبد الحليم حافظ لتقديمها لجمهوره ولكن القدر لم يمهله وقلت في إهدائي : إلى روح الغائب الحاضر العندليب عبد الحليم حافظ .. إلى عشاق فنه والأصالة في كل زمان ومكان وقد كتبت مقدمة للكتاب الصديقة الأديبة ميرفت السنوسي وقالت فيها : العندليب لا يغيب .. عنوان لكتاب يؤكد حقيقة يحملها عنوان كتاب اختاره بذكاء شديد وشفافية وجدان وعمق ضمير مؤلفه المبدع الصديق والأخ الأديب إبراهيم خليل إبراهيم ومهما تكن الإجابة فالأمر لن يختلف حول حقيقة نعيشها ونلمسها بل ونسعد بها ولست أبالغ حين أضيف ما أؤكد به حقيقة أن العندليب لا يغيب ستظل لأجيال عديدة تأتي بعدنا فيعيشونها ويسعدون بها تماما مثلما نعيش نحن بقاء الكثير من أبناء هذا البلد الجميل المعطاء بداخلنا مشكلين جزء هام و مضيئ بوجداننا رغم رحيلهم منذ سنوات .. فرحيل الرموز الإنسانية البارزة لا يعني أبدا رحيل ما يمثلون من قيمة معهم
ولأنني أعلم أن الصديق المبدع إبراهيم خليل إبراهيم هو واحد من أبناء هذا الوطن الغالي النبيل الباحثين المجتهدين والمجدين في كل ما تحويه جذور هذه الأرض المعطاءة من قيم و شخوص يترجمونها لأجل إبرازها وإهدائها مقطرة إلى الأجيال القادمة لذلك لم يكن مستغربا عليه أن يقوم بالبحث عن الجديد حول العندليب عبد الحليم حافظ والذي يربط فيما بينهما القربى والانتماء لنفس المحافظة التي جادت علي هذا الوطن بالكثيرين من المعطاءين في كافة المجالات ألا وهى محافظة الشرقية ورغم سعادتي كواحدة ممن يعيش حليم بداخلهم حين شرفني الصديق إبراهيم خليل إبراهيم بطلب هذه الكلمة عن حليم وجدتني في مأزق وضعني فيه هذا الصديق الطيب المهذب الذكي فماذا يمكن أن يقال عن العندليب بعد كل ما قيل عنه وحوله ؟ ولكن .. لما الحيرة ؟ فالحديث عن حليم يتجدد بداخلنا مثلما يتجدد إحساسنا وانفعال وجداننا مع أغانيه رغم مضي سنوات طويلة علي رحيله فمن منا حين أحب لم يكن صوت حليم وأغانيه هو اصدق أصداء لما بداخلنا ؟ فقد عاش صوت حليم وإحساسه رفيقا لكل العاشقين الصادقين يحمل عنهم رسائلهم إلى من يحبون .. يتحدث عنهم حين يجمعهم اللقاء فيغني سعادتهم ويبكي معهم هزائمهم وانكساراتهم كذلك ورغم أن حليم لم يكن أجمل الأصوات بين أبناء جيله ولم يكن أكثرهم قوة ولكنه كان يملك حسا وإنسانية حميمة انفرد بها وحده وربما يكون هذا هو التفسير لنجاح حليم وخلوده رغم كل موجات التحول في ساحة الغناء ولأن زمن حليم كان زمنا مكتمل العناصر التي يتطلبها صنع الفن الخالد الجميل فقد صاحبته نخبه متميزة من المؤلفين والموسيقيين الذين تعاملوا معه بكل صدق موهبتهم الخلاقة بنفس القدر الذي تعاملوا به مع غيره من أصحاب الأصوات القوية الحساسة الجميلة في ذلك العصر الجميل بكل ما كان به وهذا في حد ذاته يطرح سؤالا تكمن إجابته بداخله وهو : لماذا لم يتحقق نفس القدر من النجاح والتألق للأغنيات لغير صوت حليم رغم توحد الروافد التي كان ينهل من فيضها مع غيره من أبناء جيله و كذلك كثيرين ممن أتوا بعده و حققوا بموهبتهم نجاحات لا تخفي ولا ينكرها الناس ؟ فقد امتزج حليم بنسيج وجداننا وتفاعلنا مع كل ما عايشناه معه من أحداث فغنانا واسمعنا أصداءنا .. كان من أبرز أمثلة نجاح الفن في تبني المبادئ القومية والدعاية لها ولما يمثلونها من رموز فبجانب أغنياته التي يمكن أن نطلق عليها أغنيات دعائية بما تدور حوله من التغني بشخص يرمز لما ينادي به من مبادئ والتي ربما لا يتفق الكثير حول ما ترمز إليه إلا انه لأحد يملك إلا الإعجاب والانبهار بمدي صدق أداء حليم وكانت هناك أيضا الأغنيات التي غني بها الهم القومي العام الذي جمعنا معه في باقة إحساس واحدة وما زلنا نعيشها ومازال يعيشنا بداخلها فما زال صوت العندليب يأتينا بذلك الأمل في تحقيق الآمال التي يصبو إلى تحقيقها أبناء امتنا ومازال صوتهم يردد عبر نبراته :
احلف بسماها وبترابها
ما تغيب الشمس العربية
طول ما أنا عايش
فوق الدنيا
ذلك القسم الذي حرص على أن يبدأ به حفلاته حتى يتحقق النصر وقد كان
ومازلنا ننظر إلى فلسطين ونسأل بصوته :
تفضل تضيع فيكي
الحقوق لأمتى ؟
يا طريق الآلام
فنفس هذا الصوت الذي مازال يبكي ما بداخلنا من انكسارات رغم يقينه بأنه حتما سيكون النهار حليفنا فيأتينا من أعماقنا :
لو مت يا أمي
ما تبكيش
راح أموت
علشان بلدي تعيش
هو نفسه الذي يهدر في قوة يقين مؤكداً لنا ما نصدقه :
أبدا بلدنا للنهار
بتحب موال النهار
لما يعدي
ويغني قدام كل دار
هذا هو حليم وإن كان ليس هذا هو كل ما يقال عنه ولكنه يتجدد فينا .. يسكننا .. يبكينا .. يغنينا .. يفرح لنا .. وحين تهزمنا أحلامنا نسرع ثانية وندعه كي يبكي بإحساسه عنا ودوما نجده بداخل ما يومض بداخلنا من إحساس يؤكد حقيقة أن العندليب لا يغيب .
عندما أهديت نسخة من كتابي ( العندليب لايغيب ) إلى الدكتور مفيد شهاب الدين وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي أعجب به ويوم الأحد 17 مارس عام 2002 كرمني ومنحي شهادة تقدير .
وسوم: العدد 1111