بل 2020 م موعدنا مع القدس والأقصى
اعتماد الطرشاوي
ناداني حفيدي" نصر" : خففي السرعة يا جدتي أنا خائف , فضحكت وقلت له : كنت أقود السيارة بأبيك "عبد الله عزام " وهو أصغر منك سناً فيطلب زيادة السرعة ولم أكن أتمكن وقتها من إشباع رغبته في ذلك لسوء بنية شوارع غزة وزحمتها بالناس والمارة .
ناداني : جدتي حدثيني عن غزة , لقد انشغل أبي بالإشراف على مشروع ضخم لردم الحفريات تحت المسجد الأقصى من زمن اليهود ولم يكمل لي حديثه عن غزة .
قفزت إلى ذهني الذكريات ... ذكريات سني العمر التي عشتها بغزة ....إيه يا غزة كنت سهماً في صدور الصهاينة وأجبرتيهم مبكراً للانسحاب منها عام 2005 , غزة التي ضربت في الديمقراطية مثلاً واخترت نوابك عام 2006 , غزة التي رفضت التنسيق الأمني والفلتان والتطبيع عام 2007 , غزة التي قاسيت الحرمان والفقر والمرض والظلام والإغلاق فصمدت وحاولت أن توجدي البدائل بشعبك العظيم , غزة التي ضمدت جراحك بعد حرب صهيونية ظالمة ونهضت تبني نفسك واقتصادك عام 2009 ,,, فاضت بي الذكرى ألواناً ,
فوجدت عيوني تذرف الدموع واضطررت لوقف سيارتي جانب الطريق ورهبة بكائي تلف أحفادي بصمت رهيب ..
تذكرت تلك العائلة الصديقة التي هاجرت من غزة إلى بلد أجنبي اثر تقرير صدر عن الأمم المتحدة قبل ما يقرب من عشر سنوات عام 2012 م , يقول إن غزة عام 2020 لن تكون صالحة للحياة , هربت الأسرة مهاجرة وقتل كل أفرادها بعد سنتين في حادث قيل انه مدبر من صهاينة إرهابيين .
إيه أيتها الذاكرة ... قال التقرير حينها إن سكان غزة لن يجدوا كوب ماء شرب صالحة للمواطن فهطلت السماء حتى ازداد منسوب الخزان الجوفي , تحدثوا عن كوارث إنسانية بسبب المشاكل البيئية التي كان الصهاينة هم مسببوها والمجتمع الدولي كان متفرجاً يصدر التقارير ولا يحرك ساكنا , بشرونا حينها من خلال تقريرهم بانفجار سكاني ونقص خدمات حاد وما دروا أننا سنعود هنا ... إلى فلسطين التاريخية , لن أنس كيف غيرت يد الله أنظمة الحكم التي ظلمتنا وحاصرتنا , وكانت تشترط لمساندتنا سلطة عاجزة مطبعة منسقة أمنياً مع عدونا البائد الذي كان يسمى "إسرائيل" .
إيه يا ذكرياتي لم لا ترحميني قليلا من تلك الحقبة حين اضطررنا لوقف المقاومة حتى كادت الدعة تدخل إلى نفوسنا إلى أن كان القرار الحكيم بحل السلطة والانخراط في الجهاد الذي وحد شعبنا بعد أن مزقته الفرقة , خضراً وصفراً وسوداً وحمراً مزجت دماؤهم في معركة التحرير مع دماء إخوان الدين والعروبة الذين طهروك فلسطين من دنس يهود , وأعادوا شعبك المهجر في أرجاء الدنيا بمن بقي من عجائزه التي ظلت تحمل مفتاح بيتها في صدرها أعلى قلبها .
تخافتت الذكريات لما أحست أنها علي أثقلت , وفجأة رفعت عيني التي يملأها الدمع فلمحت مفتاح بيت أبي في أسدود الذي حفظه معي منذ أحس دنو أجله رحمة الله عليه , وفي المرآة لمحت أحفادي وقد غطوا بنوم عميق , جففت عيوني وفركتها وعدت أقود سيارتي بسرعة للمسجد الأقصى.