ع محطات الوقود رايحين بالملايين..
هنادي نصر الله
يا ظلامَ السجنِ خيّم.. إننا نهوى الظلاما، ليس بعد السجنِ إلا نورُ فجرٍ يتسامى..
شعرٌ قيل في السجنِ وقسوته، وإني أرى فيه كل معاني الصبرِ التي تتجلى بظلمةِ واقعنا الحالي مع عتمةِ الليل وقتامة النهار في ظل أزمة انقطاع التيار الكهربائي بل مع تفشي نقص الوقود أو فلنقل انعدامه من أغلب محطات الوقود في قطاع غزة...
يا عزيزي .. بل يا أعزائي سائقي المركبات العامة قبل الخاصة " صُفوا على الدور، احفظوا أماكنكم جيدًا، نظموا أنفسكم بأنفسكم، لا تتركوا الطابور بل الطوابير تخرج عن نطاق الإستقامة؛ كي تحصلوا على ما تشتهون من وقود"..
تبًا لدرس الأدبِ الذي يتلقاه السائقون عند محطات تعبئة البترول، يُريدون منهم أن يستقيموا في وقفتهم على الدور وضمن الطابور، وكأنهم يُذكرونهم بالصلاة؛ حينما يقولُ الإمام" استووا، رصوا الصفوف واعتدلوا وصلوا صلاة مودع"...ما على المحتاج إلا أن يسمع الكلام ويحرص على استقامة دوره في طابور الوقود؛ وإن كان عاجزًا على جعلِ حياته تمشي باستقامة مع أزمات الوقود، فحتى عندما يسمع الكلام ويصف على الدور، سيبقى مصيره مجهول إما أن ينال جالون أو نصف جالون من الوقود، وإما أن يكون نصيبه المثل الشعبي" على وجه الحزينة سكرت المدينة" يعني انتهى ما لدى المحطة من مخزون، وعليه أن يعاود الكَرة صباح الغد وقبل طلوع الشمس وشقشقة العصافير؛ليقف في طابورٍ جديد... ودواليك..
إنه ليحزنني أن نعيشَ كل المآسي، وأن نبقى نسمع جعجعةً ولا نرى طحينًا؛ فلا بوادر لحلول، بل ملامح لأزماتٍ تطفو على السطح؛ حتى كادتْ أن تُغرقنا جميعًا وتذهب بنا إلى بحر غزة ليبتلعنا...!
مجلدات ومؤتمرات وورش عمل وندوات وأيام دراسية واجتماعات أممية وأخرى دولية بخصوص القضية الفلسطينية وحصار أهل غزة، كلها لم تُحرك ساكنًا، بياناتٌ تحذيرية دقتْ ناقوس الخطر من الحياة الجهنمية التي يُجبر عليها الفلسطينيون بقيت خجولةً تستحي أن تهجر مكانها من داخل مكاتبِ صناع القرار؛ لتُطوى مع النسيان ويأكلها الغبار والعفن؛ فمن يكتب ويقرر ليس كمن يعمل ويُنفذ..
لم يقل أحد ممن دانوا الحصار واستنكروه وشجبوه " على رأس أجندتنا أن نكسر حصار أهل غزة" وإن قال قائلٌ منهم ذلك فإنه لم يجرؤ على التنفيذ الدقيق والأمين لِما قاله، قد يكتفي بتنفيذ وعوده على شاكلة زياراتٍ تضامنية بها مساعدات إغاثية، أشبه بمسكنْ يُسكن أوجاع محرومين ما انفكتْ ألسنتهم تقول" يا عالم نشكر تضامنكم، لكننا لسنا بحاجةٍ إلى إغاثة، نحن نريد وقفة حقيقية جادة، تُنهي مأساتنا مع أبشع وأطول احتلالٍ في العالم"..
يبدو أن هناك فجوة عميقة بين ما تريده غزة وبين ما يريده المجتمع الدولي لها؛ فالعالم كله يقفُ عاجزًا أمام الإحتلال الإسرائيلي، ذلك الإحتلال الذي يعشقُ أن تبقى غزة في منطقةٍ وسطى بين الحياة والموت، بحيثُ لا تجوع فتنقلب وتثور عليه من حيثُ لا يحتسب، ولا تحيا بسيادةٍ وكرامة، ولهذا لاخيار أمام الفلسطينيين سوى أن يعطوا كل ثقتهم لمقاومتهم لاسيما بعد عملية " بوابة المجهول" التي ستجلبَ لهم نصرًا معلومًا ومؤزرًا بإذن الله، وبالطبع ستضمن لهم أن يكون الوقود موجود في كل الأوقات...
حتى ذلك الحين سنبقى نُغني بالمعكوس، ونعتذر من الملايين فبدلا من أن نقول " ع القدس رايحين شهداء بالملايين، سنغني ساخرين ع محطات الوقود واقفين من الصبح بالملايين"...!!