بين عدالة الدولة وعدالة الشارع
عثمان أيت مهدي
سألني زميل ذات مرّة عن المكان الذي يلجأ إليه السارق عندما يرتكب جريمته ويطارده النّاس في بعض المدن المالية؟ فقلت له بعفوية: إلى مكان يختبأ فيه عن الأنظار. فقال: يلجأ السارق إلى مخفر الشرطة. قلت متعجبا، يذهب برجليه إلى السجن! قال: لأنّ مخفر الشرطة أهون له وأسلم من إعدامه دون محاكمة من طرف الناس.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أقرأ في جريدة مالية لوريبوليكان Le Républicain مقالا بتاريخ 06 سبتمبر 2013 عنوانه: "إعدام دون محاكمة للسارق في شوارع باماكو: عدالة الشارع". يقول فيها الكاتب عصمان بابا درامي، أنّ تفاقم السرقة والهجوم على المواطنين بالأسلحة البيضاء في العاصمة المالية خلق جوّا من الرعب عند البعض، وحالة من اللاقانون، بإعدام السارق في الشارع قتلا أو حرقا، دون احترام للشرطي ولا للدركي ولا لدستور البلاد، وبعد إعدام السارق يطلبون من الحماية المدنية حمل الجثّة وتسليمها إلى أهلها.
يضيف كاتب المقال، بمجرد سماع الناس صراخ الضحية يستنجد، حتى يهبّ الخلق من كلّ جهة للقبض على السارق وإعدامه.
هذه هي عدالة الشارع، لا تعط للسارق وقتا لتبرير فعلته، فيدفع من أجل شيء مادي تافه ثمنا بحياته وهي أغلى ما يمتلكه، وبالتالي، تصبح حياة السارق بامتياز رمزا لعبثية الحياة.
أمّا في الجزائر فإنّ السرقة أصبحت ترتكب جهارا نهارا، أمام أعين الناس، ولا أحد يتدخل، ويكتفي الكلّ بذمّ الزمان وتقلب الأحوال، وحين تتدخل الدولة لإيقاف الجاني تمنح له كلّ الحقوق الإنسانية، فلا يهان ولا يضرب. وعند سقوط الحكم عليه بسنة سجنا يختزله عفو الرئيس في كلّ مناسبة وطنية ودينية إلى شهر أو شهرين. هذا السلوك غير المبرر من طرف الدولة ساهم في تفاقم السرقة والاعتداءات في الأسواق والشوارع، أمام المتسوقين وأمام المارة، وأحيانا أمام أنظار الشرطة، التي تتباطأ في التدخل علما منها أنّ السارق لا يقضي في السجن أكثر من شهرين.
عدالة الدولة تستند إلى قوانين الجمهورية ولا تتعداها، وعدالة الشارع تستند إلى أعراف الناس التي اتفق عليها آباؤهم وأجدادهم، فأيّ العدالتين أصلح للقضاء على هذه الظاهرة التي استفحلت في كثير من دول العالم؟
لا شكّ أنّ عدالة الدولة أصلح من ناحية الشكل، وذلك للأسباب التالية:
قدسية النفس الإنسانية في الإسلام.
غلق مجال الإعدامات تحت مسميات مختلفة، والإبقاء على القانون وحده حاكما بالإعدام.
العدالة الحقة تجعل الجزاء من جنس العمل، فلا يقتل السارق من أجل دينار سرقه.
لكن الدولة استلبت للشكل مضمونه، وجعلته جميلا خارجيا وفارغ المحتوى داخليا، فالعفو الرئاسي الذي ابتدعته بعض الدول التي تعاني من اكتظاظ سجونها، وتجنبا لانتقادات المنظمات الحقوقية والإنسانية، بالغت في العفو حتى أصبح الحكم على السارق لا معنى له، طالما أنّ حكمه سرعان ما يبطله عفو الرئيس.
أمّا عدالة الشارع فهي تبدو عكس عدالة الدولة قبيحة المظهر جميلة المحتوى. قبحها يتمثل في ظاهرة الإعدامات والحرق دون معنى، وعكس ما تنادي به الشرائع السماوية، وفتح الباب على مصراعيه للانتقامات بين الأفراد تحت طائلة السرقة والإعدام دون محاكمة. أمّا محتواها فإنّ لها القدرة على القضاء على ظاهرة السرقة أو على الأقل التقليل منها قدر الإمكان، لأن الجزاء يخيف كلّ من تسول له نفسه ارتكاب سرقة دون التفكير لها طويلا.
هل تجتمع صرامة الشارع بنظام القانون؟ أعتقد هذا ما ينقصنا لتوفير الأمن والأمان للمواطنين، فالدولة تتولى مهام الحكم والقضاء، لكن بصرامة الشارع حتى لا تترك الحبل على الغارب، يصبح فيها اللص إما بطلا وشجاعا يهابه الناس، أو أحمقَ يلقي بنفسه إلى التهلكة من أجل دينار.