الأمم المتحدة ومجلس الأمن
د. فوّاز القاسم / سوريا
يسرنا نحن العرب والمسلمون ، أن يكون للعالم نظام وقانون متحضر ، يحتكم إليه في الخلافات الدولية ، فيحكم بالعدل ، ويكون لحكمه العادل قوة دولية تحميه..
ويسعدنا أن نكون جزءاً من هكذا نظام ، وأن نسهم بفاعلية فيه ، فنحن أمة تربت على النظام والعدل ، ونهلت البشرية من حضارتها ، الكثير من قيم الخير والحق والعدل عبر قرون ..
ولكن أن يكون ذلك كله مجرد أسماء وهمية ، وهياكل فارغة ، يستخدمها الأقوياء لسحق وإذلال الضعفاء ، فهذا ما نرفضه ، ونمقته ، ونربأ بأنفسنا عنه ، وان حمل شارات براقة ، وتستر بيافطات خادعة .!!
فلقد تأكد لنا نحن العرب بما لا يقبل الشك ، أن ما يسمى ( بمجلس الأمن) أو (هيئة الأمم المتحدة ) ، أو غيرها من المؤسسات التابعة لها ، إنما هي مجرد واجهة لتمرير مخططات ( الكبار ) العدوانية ، وتحقيق مصالحهم الأنانية ، على حساب الدول الفقيرة ، والشعوب المستضعفة ، ولا توجد فيها من مظاهر التحضر ، سوى طاولة ذليلة ، وضعت أصلاً لتقرع ب (النعال الثقيلة ) ، حيثما اقتضت مصالحهم ذلك.
لقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخها ، أكثر من أربعمائة قرار لصالح الشعب العربي عموماً ، والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص ، لم يطبق منها قرار واحد .!!!
واتخذ مجلس الأمن أكثر من مائة وستين قراراً لصالح القضايا العربية ، مارست الولايات المتحدة الأمريكية مهزلة النقض ( الفيتو ) ، في ثمانين منها ، أي أن طاولة الأمم المتحدة كانت قد قرعت بحذاء الأمريكان الثقيلة ثمانين مرة على الأقل ، فحرمت الشعب العربي عموماً ، والشعب الفلسطيني واللبناني على وجه الخصوص ، حتى من مجرد الشكوى والصراخ في أروقة الأمم المتحدة .!
وأطلقت لليد الصهيونية حرية العبث في منطقتنا العربية ، وأباحت لها ممارسة أبشع أساليب البطش والإرهاب ، بحق الشعب العربي الفلسطيني الذي ليس له ذنب إلا أنه فقير ولا يمتلك ( نعالاً ثقيلة ) .!!!
ثم تكرر الموقف ذاته مع العراق الشقيق ، حيث حاكوا ضده أقذر مؤامرة في هذا القرن ، وشنوا عليه أشرس حرب في التاريخ ، وأصدروا ضده عشرات القرارات الظالمة ، وسلطوا عليه كلابهم المسعورة ، وجواسيسهم الخائبة ، باسم (اللجان الدولية ) ، فعاثت فيه فساداً ، وأهلكت الحرث والنسل ، ومارست من الجرائم والتجاوزات ، ما لا يصبر عليه إلا سيدنا أيوب عليه السلام .!
ثم لم يكتفوا بذلك على فظاعته ، ولم ترتو أحقادهم التاريخيّة البغيضة ، حتى جيّشوا ضدّه الجيوش الجرارة ، وعبروا المحيطات ، وقطعوا آلاف الكيلومترات ، وألقوا عليه آلاف الأطنان من المتفجرات ، فقتلوا وشرّدوا وسجنوا الملايين من الأبرياء ، ودمّروا كل مظاهر الحياة فيه ، وأجهزوا على البنية التحتيّة لدولته ، ثم سلّموه لقمة سائغة إلى عملائهم الظلاميين من الفرس والصفويين الأوباش ، فأجهزوا على البقيّة الباقية من حضارته ومرتكزاته .
ثم تكرر الموقف في سورية الحبيبة ، فلقد سلّطوا على الشعب السوريّ العظيم أخسّ وأقذر عصابة قرمطية صفوية حاقدة عرفها التاريخ ، فسامته كل أنواع القهر والذل والعبودية والإجرام ، عبر ما يزيد على نصف قرن من السنين العجاف ، فلما انتفض الشعب في مظاهرات سلمية حضارية مطالباً بحقوقه ، ومنادياً بحريّته ، قصفوه بجميع أنواع الأسلحة البريّة والبحرية والجويّة ، فقتلوا وسجنوا وشرّدوا الملايين من الشباب والشيوخ والأطفال والنساء ، وحوّلوا مدنه الجميلة إلى خراب ودمار وركام ، ومنعوا عنه أية مساعدة عسكريّة حقيقيّة بحجة وصولها إلى أيدٍ غير أمينة ، ولما نقل بعض العرب قضية هذا الشعب المظلوم إلى طاولة مجلس الأمن قرعوها بنعالهم الثقيلة كالعادة ، فحرموا هذا الشعب المظلوم ، من أية فرصة حقيقية لوقف المذبحة ، وردع المعتدين ، وإنقاذ البقيّة الباقية من الشعب المذبوح والوطن النازف ...
أما إذا كانت القضية تخصّ مصالحهم الأنانيّة أو مصالح حلفائهم الصهاينة ، فما أسرع أن يسوقوا الدول والشعوب بعصاهم الغليظة إلى مؤسسات ما يسمى ( بمجلس الأمن ) و ( الأمم المتحدة ) ، وما أسرع أن يتخذوا القرارات ، ويجهّزوا الجيوش ، ويحرّكوا البوارج ، والدبابات والطائرات ، كما حصل عندما تهددت مصالحهم في الكويت وليبيا والبلقان وغيرها من المواقع ، وما أسهل أن يسوّقوا تصرّفاتها يومها تحت شعارات : (الشرعية الدولية ) ، و ( حقوق الإنسان ) و ( تطبيق قرارات الأمم المتحدة ) ..!!!
ولقد نسي أولئك الأشقياء ، بأن البشرية اليوم هي في أشد حالات رشدها ووعيها ، وأنها قد تجاوزت طفولتها منذ قرون خلت ، وهي اليوم تدلف إلى القرن الحادي والعشرين الميلادي ، ولذلك لم تعد تجدي نفعاً تلك الأساليب البهلوانية الهابطة والرخيصة ، التي اعتاد أن يمارسها الكاوبوي الأمريكي على أمثال الهنود الحمر وغيرهم من الشعوب البدائية .!
ولذلك فان مقولاتهم القميئة ، التي ادّعوا فيها بأن احتلالهم للعراق الشقيق ، بمثل تلك الوحشية والهمجية الظالمة ، وذبح شعبه ، وتدمير دولته ...
وادعاءهم بأن احتلالهم بالأمس القريب لأفغانستان المسلمة ، وضرب منشآت السودان ، ثم تقسيمه ، وتواطؤهم المفضوح اليوم مع الروس الشيوعيين والإيرانيين الصفويين ، لدعم العصابة الأسدية القرمطية في إبادتها للشعب السوري العظيم ، وتدمير الدولة السورية الجميلة ، كل ذلك ، إنما يتم من أجل الشرعية الدولية وحقوق الإنسان ، باتت تثير فينا الكثير من مشاعر الغضب والمرارة والاشمئزاز .!
ولكنها في نفس الوقت باتت تستنهض فينا أيضاً الكثير من مشاعر الإيمان و التحدي ، والمطاولة ، والوعي ، والإصرار على المبادئ ..
وليعلم أولئك الأشرار أنهم وان استذلوا البعض من الحكام العرب الجبناء ، إلا أننا كشعب عربي مؤمن لن نرضخ لتهديداتهم ، ولن تنطلي علينا تهريجاتهم ، ولن ترهبنا جرائمهم ، وسنمضي قدماً على طريق القيم والمبادئ والمعاني العالية ، التي اختطها لنا الشباب المؤمن المجاهد ، وأبطال جيشنا السوريّ الحرّ الأشاوس حتى النصر والتحرير الناجز ، يحدونا في ذلك نداء ربنا الخالد : بسم الله الرحمن الرحيم
(( إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القومَ قرحٌ مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وليعلمَ الله الذين آمنوا ، ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحبُّ الظالمين ، وليمحِّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين )) ..
(( إن تكونوا تألمون ، فانهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون ))
(( يا أيها الذين آمنوا ..اصبروا ..وصابروا ..ورابطوا ..واتقوا الله لعلم تفلحون)).
صدق الله العظيم