الظلامية تعني غياب العقل
عثمان أيت مهدي
من يقرأ في آيات القرآن الكريم وكثير من أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحيحة، وأقوال الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يجد، بما لا يدع الشك ينتاب المسلم، أنّ الإسلام دين العقل والمنطق والموضوعية، وبالتالي فهو دين تنويري، عكس ما نشاهده عند كثير من المسلمين أو المتأسلمين الذين يوصفون بالظلامية لتعطيلهم دور العقل في فهم الدّين والحياة، والميل إلى الخزعبلات والترهات بما يوحي بالجاهلية والظلامية.
جاء في القرآن الكريم: (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل (78). ولم يتوقف القرآن الكريم عند ضرورة ووجوب إعمال العقل بل جعله مسئولية على رقاب البشر، يقول تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء (36)
ثمّ منح بعد ذلك للناس الحرية، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) سورة الكهف (29). قال سبحانه: (فَذَكّرْ إنَّما أَنْتَ مُذكّر لسْتَ عَلَيهمْ بِمُسَيطر) (الغاشية: 21 ـ 22). وقال تعالى: (وما أنتَ عليهم بِجبّار) (ق: 45). وفي آية أخرى: (لا إكراهَ في الدّينِ قد تَبَينَ الرُّشدُ مِن الغَيّ) (البقرة: 256). وكذلك، قوله سبحانه: (لكمْ دِينَكم وَلِي دِين) (الكافرون: 6).
إذا شاءت حكمة الله أن نكون مختلفين في آرائنا وأفكارنا ولغاتنا وعقائدنا، فكيف لدين أو شخص أن يجمع بين جميع البشر ويجعلهم أمة واحدة؟ إنّ مثله كمثل من يريد أن يسوِّي بين أصابع الخلق، وهو لا يستطيع أن يسوي بين أصابع اليد الواحدة !
قامت مجموعة من الناس بمدينة تيزي وزو وفي ساحة عمومية الإفطار جهارا نهارا ردّا على حملات الشرطة التي تترصد المفطرين في أماكنهم الخفية إن لم أقل في دهاليس مظلمة. تلقفت الجرائد الخبر وجعلت منه قبة بعدما كان حبة؟ أيحقّ للشرطة في عصر كعصرنا ودين كديننا الإسلامي أن يترصد الرعاع والمطرودين والسكارى ويطاردهم في أقبية الفقر ويتهمهم بأكل رمضان؟ في حين أرباب المال والجاه والسلطة يتلذذون بأطباق شهية من الأكل والشرب في أكبر المطاعم وأجمل الفنادق، وفي عزّ شهر التوبة والغفران؟ لماذا الكيل بمكيالين؟ ثمّ لماذا لا نترك الناس على حريتهم طالما أنهم مكلفون أمام الله، ولا تزر وازة وزر أخرى، كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
أين العقل من كلّ هذا؟ أليست الدولة هي الداعية إلى الظلامية؟ أليس الاعوجاج كما قال أحدهم جاء من أعلى العصا؟ رمضان شهر مقدس في الإسلام، أنزل فيه القرآن الكريم، لماذا لا تقوم الدولة بتنظيم المطاعم للمفطرين لأسباب قد تكون السفر الطويل، أو المرض، أو الاعتقاد، أو لسبب آخر نجهله؟
من يتردد في شوارع كل المدن الجزائرية دون استثناء من الصباح إلى العصر يجدها شبه ميتة، كلّ شيء معطل من إدارات ومؤسسات وخدمات، وهذا بسبب الصيام، ورمضان منهم براء. لقد عطّلوا الآيات الكريمة، من سورة النبأ: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) الآيات: 10، 11، 12. هل هذا من الإسلام الذي يدعو إلى التنوير؟ كلّا، إنهم يركزون أبصار العوام على أشياء توحي بأنّ الدولة قائمة بواجبها ضد من يتجاوز شعائر الدين الحنيف؟
يردّ المفطرون بلغة المنطق والعقل السليم، من المسلمين من يصلي ومنهم من لا يصلي، وهذا مسموح به من طرف السلطة ولا تسمح بالمفطر في شهر الصيام، والصلاة أولى من الصيام، فهي عماد الدين، ومن تركها ترك الدّين؟ فلماذا نتشدد في الصيام ونرخي الزمام في الصيام والزكاة والشهادتين؟
إذا كان الصيام مجالدة للنفس وقهرها فيما تشتهيه فلا أروع ولا أسمى ولا أنبل أن تصوم والناس حولك مفطرين.
هذه السلطة الظلامية ومن يلف حولها ويدور في فلكها من الأئمة والعلماء الذين يمنحون صكوك الغفران لمن يرضى عنه الحاكم، هم الظلاميون بحقّ، لأنهم عطلوا فريضة العقل التي تؤدي إلى التنوير، والتنوير يؤدي إلى الحداثة.
العقل هو التنوير، الحرية منحها الله للإنسان وهو في قبضته وداخل ملكه، ومن يملك القوة على الله يخرج من هذا الكون إن استطاع؟ والله هو الرازق والمعطي والكريم لكل شعوب المعمورة، البوذي منهم والمسلم، الكافر والمؤمن..
الناس أحرار ما ولدوا لهم الحق في العبادة أو رفضها، كما لهم الحق في اختيار الدين الذي يناسبه أو يؤمن به، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟