لاجئون منسيون في بلدة حجي باشا التركية
لاجئون منسيون في بلدة حجي باشا التركية
والمختار يلوم الحكومة
محمد إقبال بلو
أورينت نت
وصلنا هاتف من أحد اللاجئين هناك ورجانا أن نذهب إلى حجي باشا لإلقاء الضوء على مآس وصفها لنا , قمنا بالذهاب إلى هناك , وكل ما نحدث به أنفسنا هو المبالغة التي اعتاد عليها الناس , واتباع أسلوب التهويل في كل شيء , وبعد وصولنا بدقائق كانت الصدمة أن ما حكي لنا هاتفياً كان جزءاً بسيطاً من الواقع المؤلم والمرير الذي يندى له جبين الإنسانية المتحضرة في القرن الواحد والعشرين.
التقينا بالرجل وطلب منا الذهاب أولاً إلى مختار البلدة لاستئذانه بالقيام بجولتنا , وقمنا بذلك فعلاً قبل أن نبدأ العمل , حيث استقبلنا مختار بلدة حجي باشا السيد محمد ضياء قرق استقبالاً جيداً وحدثنا قليلاً عن بلدته فقال لــ أورينت نت: "حجي باشا بلدة حدودية تبعد عن الشريط الفاصل بين سورية وتركية حوالي أربعمائة متر فقط , ويقابلها من الجهة السورية بلدة عزمارين في ريف إدلب , عدد سكان حجي باشا يقارب ثلاثة آلاف وخمسمائة نسمة , تضيف إليهم حوالي ألفي لاجئ سوري , منهم حوالي ألف ومئتي لاجئ يقيمون في منازل مستأجرة وحوالي ثمانمائة يقيمون في تجمعات للاجئين غير صالحة للسكن بل تستطيع القول بشكل أو بآخر إنهم يقيمون في العراء , منهم في حديقة المسجد ومنهم في اسطبل كبير كان مخصصاً للأبقار" .
يضيف مختار البلدة : "قد تعتقدون أننا نقصر في مساعدة إخوتنا السوريين , بلدتنا بلدة صغيرة وفقيرة جداً يعمل معظم أهلها بالزراعة ولا يمتلكون إلا مساحات صغيرة جداً لا يكفيهم مردودها أصلاً , نحن نقدم لإخوتنا هنا بعض المساعدات التي لا تذكر ولا تكفيهم فنحن أصلاً في حالة عدم اكتفاء قبل قدومهم , وأود من منبركم هذا أن أقول أن الحكومة التركية لم تقدم لنا أو لإخوتنا السوريين أية مساعدة هنا نهائياً علماً أننا طالبنا بذلك عدة مرات , كما أن المنظمات الإنسانية لم تقدم أي شيء ما عدا حوالي خمسمائة كيلوغرام من الطحين قدمتها إحدى المنظمات الإغاثية منذ فترة , والأزمة تتفاقم بزيادة تدفق اللاجئين السوريين عبر الحدود , الذين يقولون إن أهم أسباب نزوحهم المجاعة وانعدام الأمان , اللاجئون السوريون في حجي باشا يجوعون ويتعرضون لظروف الطقس القاسية منذ أشهر , لكنهم منسيون من قبل كل الجهات".
§ شهادات ومطالب : خذونا إلى المخيمات
عبد الكريم مواطن من ريف إدلب يقوم بالإشراف على بعض الأمور التي تخص اللاجئين في حجي باشا قال لــ أورينت نت : "منذ فترة اتصلنا بعضو المجلس الوطني محمد سرميني وطلبنا منه مساعدتنا بأية طريقة , وقلنا له , نتمنى أن تحضر إلى هنا أو ترسل أي شخص ليرى ما يعانيه السوريون فكان الجواب كالتالي : شكلوا وفداً منكم وتعالوا إلي غازي عنتاب لتشرحوا لي الوضع . وبالطبع لم نذهب فمن يجيب جواباً كهذا لن ننتظر منه المساعدة الأجدر بنا أن ننفق مصاريف الرحلة إلى غازي عنتاب على أطفالنا الجائعين" .
أحد مقاتلي الجيش السوري الحر محمد علوان , كان مساعداً في الأمن العسكري وانشق عن النظام منذ بداية الثورة ليلتحق بالجيش الحر , أخبرنا أن كل ما يحلم به اللاجئون هنا هو نقلهم إلى المخيمات ولا يطلبون أي شيء آخر إلا أن الحكومة التركية أخبرتهم أن المخيمات حالياً عاجزة عن استيعابهم , يقول أتيت إلى هنا بسبب إصابتي وقد شفيت والحمد لله وأرغب بالرجوع إلى المعركة لكنني لن أستطيع ترك زوجتي وأطفالي هنا دون مأوى لوحدهم , أتمنى أن يستقبلنا أحد المخيمات لأضعهم فيه وأعود إلى الداخل السوري.
محمد حلاج من بلدة الناجية في ريف إدلب قال لــ أورينت نت : "منذ عشرة أيام وصلت إلى هنا مع زوجتي وأطفالي , نعيش في حديقة الجامع الكبير في حجي باشا وبيوتنا عبارة عن أكياس خيش وأكياس بلاستيكية , لقد تعرضنا لليلتين من هطول الأمطار , كدنا نتجمد بسبب البرد والرطوبة , لدي طفلة عمرها عشرون يوماً لا أملك ثمن الحليب أو الفوط لأجلها , ولا أملك أي مال لتأمين مكان دافئ لها فماذا أفعل , لماذا لا يأخذوننا إلى المخيمات , نحن لا نطالب بأكثر من ذلك , قريباً سيحل الصيف ولن يكون الوضع أفضل , بل قد تنتشر الأمراض والأوبئة في مثل هذه الظروف".
والد إيمان الشيخ حمود الطفلة المعاقة ذات الاثني عشر ربيعاً قال لنا: "هذه الطفلة تحتاج إلى رعاية خاصة وإلى نوعية طعام خاصة بل وأدوية عديدة , انظروا إليها مستلقية هنا في حديقة الجامع لا نستطيع تأمين حتى طعامها". محمود مواطن إدلبي من قرية مشمشان التابعة لجسر الشغور يقول لأورينت نت : " ذهبنا إلى بعض المؤسسات الإغاثية وشرحنا لهم ظروفنا هنا , لكنهم قالوا لنا أن المساعدات التي تأتيهم مخصصة لمن هم في الداخل السوري وليسوا مخولين بتوزيعها هنا" , ويضيف : "لقد أتيت منذ شهر واحد إلى هنا وقبلها كنت في الداخل وعلى مدى عامين لم يصلني سوى خمسة وعشرين كيلوغرام من الطحين , وحتى أنهم أعطوني الطحين وطلبوا مني مبلغ ثلاثمائة ليرة سورية قالوا لإصلاح الأسلاك الكهربائية في البلدة فأية مساعدات تلك التي تصل إلى الداخل ولا يراها أحد".
§ دكتورة في الاسطبل!
في الاسطبل الرطب المعتم التقينا العديد من الأشخاص حيث يقيم داخله حوالي ستين شخصاً من اللاجئين أي ما يقارب عشرة أسر , يعيشون في ظروف غير صالحة للحياة , من هذه اللقاءات لقاء طريف مع سيدة رفضت أن نصورها كما رفضت أن تعطينا اسمها , وكان يناديها الجميع دكتورة , قالت الدكتورة لــ أورينت نت : أنا طبيبة تخدير , فقدت زوجي في الداخل ولا أعرف إن كان حياً أو ميتاً , وصلت إلى هنا منذ شهرين , وقد استمرت محاولاتي اليائسة طوال الشهرين لأن أجد عملاً في أحد المشافي أو دور الاستشفاء التابعة للثورة هنا , إلا أنهم أخبروني أنه يمكن تعييني في اعزاز , لكنني رفضت العرض , هل من المعقول أنهم لم يجدوا لي أي عمل في المشافي هنا , لن أذهب إلى مكان غير آمن حتى لو مت جوعاً هنا , يكفيني أنني أحتضن طفلي الرضيع دون أن أخاف عليه من الــ سكود, ومن قذائف بطلنا الممانع!".