كيف تعيد الحرب السورية تشكيل الشرق الأوسط
"هيئة الإذاعة الكندية":
كيف تعيد الحرب السورية تشكيل الشرق الأوسط
تحالفات جديدة تتشكل، والولايات المتحدة تشعر الجميع بحضورها
27 آذار 2013
نهلة عايد - سي بي سي نيوز هيئة الإذاعة الكندية
على مدى السنوات التي قضيتها في بيروت وسفري إليها بعد ذلك، يمكنني القول إنني لم أشاهد رسو سفينة حربية روسية في ميناء بيروت.
لكنها كانت هناك في وقت سابق من هذا الشهر، تلوح في الأفق، وبالنسبة للعديد من اللبنانيين - في أيام متوترة كهذه - فقد كان مظهرها غير باعث للاستقرار.
ربما تكون عودة هذه السفن - كما وصفها مسؤول روسي بشكل متكرر - لمجرد إعادة التخزين في مكان أكثر أمنا من المرسى المعتاد، طرطوس قاعدة الإمدادات الروسية الوحيدة في المنطقة، في سوريا الحليفة القريبة من روسيا والغارقة في الحرب.
أغضبت هذه السفن العديد من الأطراف في لبنان المقسمة، وخاصة أولئك الذين يصرون على الوقوف على الحياد، ولو بصورة ظاهرية، لتجنب الانجرار إلى الصراع السوري المجاور.
كانت للبنان علاقة مؤلمة مع سوريا، زعيمتها السابقة سياسيا. لكنها الآن في موقف أكثر خطورة من أي وقت مضى وسط الاستقطاب المتزايد تجاه سوريا وصراعها طويل الأمد، الذي يدخل هذه الأيام عامه الثالث.
في الثورة التي تحولت إلى حرب تقليدية بالوكالة، تبدو خطوط المعركة في سوريا متبلورة أكثر من أي وقت مضى. الأطراف الرئيسيون يعززون الدعم والضغوط من أجل التزامات واضحة من حلفائهم، ولسان حالهم: أنت إما معنا أو ضدنا.
بالنسبة للثوار، لم يعد هناك مجال للمراوغة، أو لأي شخص يدعي الحياد.
ما عليك إلا إلقاء نظرة على أحداث الأسبوع الماضي، بدءا من الهجوم الدبلوماسي الأمريكي.
في زيارته لإسرائيل، تمكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما من ترتيب اعتذار إسرائيلي لتركيا، منهيا بسرعة ثلاث سنوات من العداء الذي بدأ منذ الهجوم الإسرائيلي على السفينة التركية التي كانت تحاول كسر الحصار الإسرائيلي على غزة.
كان الدافع الرئيسي وراء المصالحة هو ضرورة الوقوف بنفس الموقف من الجار المشترك الذي يوشك على الانهيار.
لا يقتصر الخطر على امتداد الإرهاب إلى كل من إسرائيل وتركيا فقط. ولكن مجرد وجود أسلحة سوريا الكيماوية - والادعاءات باستخدام أحد الأطراف لهذه الأسلحة - يكفي لدفع هذين الحليفين للولايات المتحدة نحو رأب الصدع بينهما.
قام رئيس الخارجية الأمريكي جون كيري بعد ذلك بزيارة مفاجئة إلى العراق لهدف متعلق بسوريا، وهو طلب بذل مزيد من الجهود من قبل الحكومة العراقية لوقف شحنات الأسلحة الإيرانية إلى دمشق عبر المجال الجوي العراقي.
يريد كيري من العراق أن يفتش الرحلات اليومية، والتي يعتقد أنها تحمل أسلحة وذخائر إلى حليف طهران القديم في دمشق.
العراق - الذي لا يزال منقسما بين السنة والشيعة - يبدو مترددا في التجاوب مع كيري، ومن المرجح أن تقف الحكومة العراقية مع إيران فيما يتعلق بسوريا، تماما كما تأمل الولايات المتحدة خلاف ذلك.
وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق هذا الأسبوع أن وكالة الاستخبارات المركزية تساعد في تقديم مزيد من شحنات الأسلحة من تركيا والدول العربية إلى المعارضة السورية.
جانب الثوار
على صعيد آخر، كانت هناك تحركات أخرى مناهضة للأسد في اجتماع عقد في دبلن، حيث سعى وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا جاهدين لإقناع سائر أعضاء الاتحاد الأوروبي ببدء إرسال الأسلحة إلى مقاتلي المعارضة السورية.
في اجتماع عقد في القاهرة، نأى أعضاء الطائفة العلوية بأنفسهم لأول مرة عن شريكهم في المعتقد، الرئيس السوري بشار الأسد.
دعا هؤلاء المنشقون، الجيش الذي يهيمن العلويون على مراكزه العليا إلى التحول ضد الرئيس والانضمام إلى المعارضة. وقد قادهم استشعارهم لإمكانية وقوع حمام دم طائفي في حال انتصار الثوار، إلى لسعي وراء فصل مصيرهم عن الأسد.
تلت ذلك خطوة مدفوعة بشكل رئيسي من جانب الدول العربية المسلمة السنية في الخليج التي دعمت الانتفاضة السورية منذ البداية، فقد صوتت الجامعة العربية يوم الإثنين لمصلحة دعم المعارضة السورية بكل وسيلة ممكنة.
وذهب البيان الختامي في الدوحة أبعد من ذلك، بتأكيده على حق كل دولة في دعم المعارضة عسكريا.
في حين وضعت على الرف فكرة كون الصراع في سوريا شأنا داخليا.
رمزيا ولكن بنفس القدر من الأهمية، سلم مقعد سوريا في الجامعة العربية رسميا إلى المعارضة السورية في قرار تاريخي ترك نظام الأسد كالمصاب بالسكتة.
دفعة متأخرة
كما هو متوقع، امتنع لبنان عن التصويت.
لم يكن الامتناع عن الانحياز إلى طرف والحفاظ على غطاء للانقسامات أمرا سهلا، ولا يزال الجيش اللبناني تحت الطلب لإخماد الحرائق الطائفية.
كانت الحكومة اللبنانية قد استقالت جراء الصراعات المستمرة بين المعسكرين المؤيد والمناهض لسوريا، تاركة البلاد في أزمة سياسية تجعلها عرضة لاضطرابات أعمق.
وفي خطوة جديرة بالملاحظة في بلد يعرف جيدا ألم الشد نحو اتجاهات مختلفة، لا يزال لبنان يستقبل السفن العسكرية الروسية، في الوقت الذي يستقبل فيه الثوار السوريين بأذرع مفتوحة. ربما يكون لبنان الدولة الوحيدة القادرة على فعل ذلك الآن.
أما الدول الأخرى فقد تموضعت جنبا إلى جنب مع حلفائها وعملائها. مستعدة للمرحلة التالية من الحرب السورية.
لا يرقى الدعم الآن إلى التدخل المحدود الذي دعت له بعض الأطراف في المعارضة، ومن الأرجح أنه لا يزال أقل من ما يلزم في الواقع لهزيمة الأسد.
هذا التدخل يأتي متأخرا كذلك، بالنظر إلى عدد الضحايا الذين سقطوا حتى الآن.
وفي الوقت الحالي، يظل الصراع إلى حد كبير متروكا للسوريين ليحاربوا. ولكن، ويبدو شبه مؤكد أن ذلك سيتغير.