الجيش الحر يمثلنا ورضينا به

فما هي الحاجة إلى تشكيل الجيش الوطني؟

عندما عمت المظاهرات معظم المدن السورية، وتصدت لها أجهزة الأمن بكل أنواع البطش وبكل قسوة، فوجئ أهل درعا بفظاظة "عاطف نجيب" رئيس الأمن السياسي. وربما لو كان نجيب أقل عنفا وأكثر حنكة لسارت الأمور على غير ما انتهت إليه. من درعا كانت البداية. فقد قادت الثورة باقتدار وسقط الشهداء. ولمن لا يعرف، تضم محافظة درعا أكثر معسكرات الجيش النظامي السوري، ما جعل الجنود يواجهون امتحانا قاسيا: إما أن يطلقوا الرصاص على إخوانهم المتظاهرين السلميين أو أن يُقتَلوا برصاص رؤسائهم من خلفهم.

بدأت العواطف تعتمل في نفوس بعض الضباط وهم يرون جنودهم إما قَتَلة وإما قتْلى. لمعت فكرة الانشقاق في رأسي المقدم حسين هرموش والعقيد رياض أسعداللذين ينحدران من جبل الزاوية شمال سورية ومن قريتين متجاورتين فيه. أعلنا انشقاقهما عن جيش النظام في وقت متزامن تحت اسم لواء الضباط الأحرار. في  تموز 2011 أعلن عن تأسيس الجيش السوري الحر) ل«حماية المُتظاهرين السوريين»)، تحت قيادة العقيد "رياض الأسعد"، الذي التجأ إلى تركيا بالقرب من الحدود السورية. ثم تتابع المنشقون جنودا وضباطا.

تشكلت الكتائب والألوية. كان تسليح الجيش الحر هو السلاح الفردي الذي يصطحبه المنشق معه عندما يغادر وحدته وهو "بارودة كلاشنكوف". بعد ذلك اشتريت الأسلحة المهربة. كما غنم الجيش الحر أسلحة متوسطة في معاركه مع جيش النظام. وأول تحرك إعلامي للجيش الحر كان أن أرسل في حمص رسالة إلى نظام الحكم مفادها بأن الجيش الحر سيقوم بحماية المتظاهرين إذا أُطلِق عليهم الرصاص، وعلى النظام أن يأخذ ذلك في حسبانه. فكرة الجيش الحر "حَدَث" لم يخطر ببال المعارضين السوريين، الذين فكروا في تغيير النظام منذ استولى حافظ أسد على السلطة في عام 1970، ما يعني أنه أنشئ على غير مثال سابق.

مع بدايات تكوين الجيش الحر لم يكن هناك وضوح في الخطة. ما هي المهمة التي ستوكل   إلى هذا الجيش؟ كيف سيتم تمويله وتموينه بالسلاح؟ وهل يمكن أن يكثر عديده حتى يصبح بحجم ينافس جيش نظام الحكم؟ إلا أن سوء تصرف الأجهزة الأمنية، والقمع الذي مارسته دفع وحدات الجيش الحر إلى التفكير بطريقة تحمي فيها المتظاهرين، حتى تبقى التظاهرات "سلمية"، فكانت فكرة حماية المتظاهرين والرسالة التي أشرنا إليها آنفا.

فشلت مرحلة المراقبين العرب بقيادة "محمد الدابي" في حماية المتظاهرين. كما فشلت مرحلة "كوفي أنان" والمراقبين الدوليين معه. واكبها قيام النظام بقصف المدن والبلدات بالطائرات ماجعل أكثر الناس تفاؤلا يؤكد أن النظام وضع نصب عينيه خطة لسحق معارضيه، لا فرق بين متظاهرين وجيش حر. وإن قبوله بالمراقبين العرب ثم بالمندوب الأممي العربي "كوفي أنان" ومراقبي الأمم المتحدة، إنما كان لشراء الوقت لكي يستكمل خطة السيطرة على المدن والبلدات مهما كان الثمن. حتى مباركة روسيا لمرحلة كوفي أنان لم تمنع النظام من ارتكاب مجازر لم تكن تحصل من قبل. بل إن لجوء الأجهزة الأمنية في الأشهر الأخيرة إلى أعمال القتل على الهوية، كما حصل في الحولة والقبير وغيرهما من مجازر جعل الناس في سورية يبادرون إلى الالتفاف حول الجيش الحر ليحميهم من تلك المجازر.

الجيش الحر والمهمة الصعبة.

شكّل العقيد "رياض الأسعد" وعدة عقداء آخرون القيادةَ التي كانت تتصدى للناحية الإعلامية والاتصال مع الداخل السوري ومع المعارضة السورية الخارجية. لكن اتصال هذه القيادة مع كتائب الجيش الحر في الداخل السوري لم يكن سهلا. كتائب كل منطقة في سورية كانت مستقلة، لكنها تحت قيادة واحدة للجيش الحر. هذه الكتائب كانت تؤمن احتياجاتها من سلاح ومال بوسائلها، وبدعم من أهل المنطقة التي تعمل فيها تلك الكتائب. بعض الأحيان كانت قيادة الجيش الحر خارج سورية تمد هذه الكتائب بما يتوفر لديها من سلاح وأموال لكنه كان قليلا. بكلام مختصر مفيد: فإن قيادة الجيش الحر كان العنوان البريدي لكل من أراد مخاطبة هذا الجيش.

الجيش الحر والمجلس الوطني.

كان الإعلان عن تشكيل الجيش السوري الحر أسبق زمنيا من الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني من قبل بعض المعارضين السوريين. جرت عدة محاولات من قبل المجلس الوطني لاحتواء الجيش الحر كي يصبح جناحا عسكريا للمجلس الوطني، لكن لم تكلل بالنجاح. فقد كان الجيش الحر حذرا، كما لم يكن أعضاء المجلس الوطني يتكلمون معه بلغة واحدة. كان الجيش الحر يهتم بتمويل عملياته،لكن المجلس الوطني لم يستطع أن يؤمن ما يحتاجه الجيش الحر. ورغم حضور مراقب من الجيش الحر مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في القاهرة إلا بعض فصائل الجيش الحر اعترضت على حضور هذا المراقب للمؤتمر.

الإعلان عن "الجيش الوطني".

بعد أن هدأت الزوبعة التي أثارها العميد المنشق مصطفى الشيخ بإعلانه عن تشكيل المجلس العسكري الثوري طالبا من الجيش الحر أن ينضوي تحت قيادته، فوجئت المعارضة السورية بالإعلان عن تشكيل ما سمي الجيش "الوطني السوري". فقد تم الإعلان عنه من "ألتينوز" قرب أنطاكية في جنوب تركيا من قبل اللواء المنشق حديثا"محمد الحاج علي" وذلك بحضور السفير الفرنسي وأعضاء من المجلس الوطني حاملي  الجنسية الفرنسية(1).

وقد دعا اللواء "الحاج علي" العقيد رياض الأسعد لينضم إلى التشكيل الجديد الذي أريد له أن يكون هو المظلة لكل المنشقين. لكن قيادة الجيش الحر رفضت هذا التشكيل فورا على لسان العقيد "رياض الأسعد". كما لم يكن إعلان تشكيل (الجيش الوطني) مرحبا به من السوريين المعارضين ومن الجيش الحر ولكلٍ أسبابه:

أولا: اسم الجيش الحر التصقت صورته بمخيلة السوريين على أنه الجيش المعارض للنظام السوري وأصبح من أدبيات الثورة السورية. رفع المتظاهرون مع بداية الإعلان عن الجيش الحر لافتات كتب فيها: الجيش الحر يمثلني ويحميني.

ثانيا: مع أن بعض الفصائل المنشقة لم تتبع مباشرة إلى قيادة الجيش الحر لصعوبة الاتصال ولأمور أخرى، إلا أنها كلها كانت تعلن عن عملياتها باسم الجيش الحر.

ثالثا: كل الانشقاقات كانت تتم بعد انفصال المنشقين عن وحداتهم وفي مكان آمن، بينما تم الإعلان عن تشكيل الجيش الوطني بحضور رسمي من السفير الفرنسي، وهذا ما يبعد هذا التشكيل عن نفسية السوريين الذين يرفضون أي دخول أجنبي علي خط الثورة.

رابعا: في المناطق المحررة في إدلب وفي ريف حلب وفي ريف دير الزور بدأت تتشكل مجالس مدنية ميدانية لتسيير أمور المواطنين. فقد أعلن قضاة سوريون منشقون عن تشكيل "مجلس القضاء الحر". فقد أصبحت كلمة "الحر" عَلَََما على مسمى معروف.

الطاهر إبراهيم    كاتب سوري

(1) إضافة للواء "محمد الحاج علي"، كان بين الحاضرين الدكتور "برهان غليون" ويحمل  الجنسية الفرنسية، ونذير الحكيم الذي يقال إنه يحمل رتبة لواء متقاعد في الجيش الفرنسي.