الصلح مع الداخل قبل الصلح مع إسرائيل

الصلح مع الداخل قبل الصلح مع إسرائيل...!؟.

نوري بريمو

جريدة الصباح الجديد

من حيث المبدأ وليس الحيثيات والخلفيات والتداعيات والعدوانيات التي عفى عليها الزمن...!؟، لا أعتقد بأن نجد إنساناً عاقلاً (بالمعنى السياسي للعقلانية) يحلو له أن يقف بالضد من الإحتكام للخيار الديموقراطي اللاعنفي كسبيل سياسي سليم لحل القضايا العالقة...!؟، وبالقياس على ذلك لا أخال بأن نصادف إنساناً سورياً مخلصاً يرفض لغة الحوار والتفاوض والمصالحة مع أي بلد آخر سواءً أكان صديقاً أو معادياً...!؟، فالسوريون أدرى الناس بأنّ الصلح سيد الاحكام...!؟.

لكنني أجزم بأنّ للإنسان السوري ثمة رأي أخر في ما يتم نشره لا بل ترويجه هذه الأيام عبر الإعلام من تصريحات سلاموية متبادلة ما بين الأطراف المعنية بهذا الشأن الشائك والمحتدم منذ عقود ملؤها التعادي والحروب وفي أحيان كثيرة كانت أجواء اللاحرب واللاسلم هي سيدة الموقف وليس الحسم...!؟،  هذه التصريحات (التي يبدو أنها تأتي من قبيل التمهيد لمرحلة مقبلة قد تشهد إما مفاوضات مباشرة يصحبها تنازلات من قبل الفريقين أو قد تشهد بعكس ذلك إقتتالات عسكرية يصحبها خراب للبلدين) مفادها بأنّ هنالك رشوحات خبرية تفشي بأسرار لخطوات تسويَوية جارية وتجري وراء الكواليس بوساطة تركية لها مصلحة وساطوية تجهد بإتجاه تحريك مسار عملية السلام في الشرق الأوسط...!؟، قد تكون مجرّد ترويجات لبضاعة كاسدة ليس إلا...!؟، فالصلح مع إسرائيل ليس بالأمر السهل لأنه مسار مصيري جداً بالنسبة لحاضر ومستقبل البلدين وخاصة بالنسبة لسوريا التي كانت ولا تزال تدّعي بأنها دولة ((صامدة ومتصدية)) وإستطاعت أن تقف طوال المراحل المنصرمة في موقع العداء لإسرائيل...!؟، وبناء عليه فإنّ هكذا مسار سلمي قد يصطدم بمعوّقات داخلية وإقليمية ودولية لا حصر لها ولا يستهان بها...!؟، خاصة وأنه مسار تفاوضي سيؤدي (إنْ حالفه الحظ) في نهاية المطاف إلى إعتراف سوريا بإسرائيل كدولة جارة لها إستحقاقات الجوار التي تقتضي التعامل معها بقدر من الحيادية إن لم نقل بعلاقات إيجابية أو بالأحرى صلات صداقة على أقل تقدير حتى تفوز الأطراف المتفاوضة بالمصداقية المطلوية في هكذا حالات كانت حدية وحرجة لكنها باتت سهلة ومستساغة كما يبدو...!؟.

ولتبيان الحقيقة الماثلة كما ينبغي لا كما يتم تزيينها عبر الفضائيات وباقي وسائل الإعلام...!؟،  فإنّ من حق المعارضة الديموقراطية وخاصة قوى إعلان دمشق التي تواصل حراكها في الداخل رغم المخاطر والتي أضحت تعبيراً حياً عن لسان حال الشارع السوري (بعربه وكورده وبباقي أقلياته) أن تعلن صراحة وتقول: قبل دخول السلطة السورية في التفاوض مع إسرائيل من أجل عقد صلح معها، كان الأحرى بها أن تتصالح مع أهل البلد المغلوب على أمرهم...!؟ وإذا كان الداخل السوري لا يرفض أو بمعنى أدق ليس بوسعه أن يرفض أي إجراء داخلي أو خارجي قد يقدم عليه النظام في ظل الإستبداد القائم وفي مناخات هذا الراهن الشرق أوسطي الحساس...!؟، إلا أنّ من حقه كطرف سوري أنْ يتحفظ على أية خطوة سلطوية إنفرادية في هذا الإتجاه أو في غيره من الإتجاهات ما لم يسبقها إجراء تغيير ديموقراطي حقيقي عنوانه إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة وإطلاق الحريات العامة وتبييض السجون والإعتراف بالتعددية السياسية والقومية والدينية والطائفية وغيرها...!؟، ومن حق الجانب الكوردي الذي يعتبر نفسه شريكاً في البلد أنْ يطالب بأولوية إيجاد حل ديموقراطي للقضية الكوردية التي تخص حاضر ومستقبل حوالي ثلاثة ملايين نسمة يشكلون بتعدادهم السكاني وبأصالتهم العرقية والوطنية ثاني أكبر قومية لم تنل حتى الآن أبسط حقوقها في سوريا التي لا تعترف بهم لا بل إنّ نظامها الحاكم يطبق ضدهم سياسة شوفينية أثبتت فشلها أمام صمود الشارع الكوردي الذي لطالما عانى من مختلف المظالم القومية وضحى بعشرات الشهداء وبمئات الجرحى وبآلاف المعتقلين وبمئات آلاف المجرّدين من الجنسية المشرّدين جوعاً وبؤساً في أنحاء مختلفة من العالم.

ومن باب الحرص على مصلحة شعوبنا وليس من قبيل الشماتة بالأنظمة...!؟، ليس بالوسع سوى التأكيد بأنّ العبرة تكمن في حسن نية الوسيط وفي مدى مصداقية الأفرقاء المتفاوضة...!؟، فالوسيط التركي داخل على الخط لغرض في نفس بني عثمان ليس إلا...!؟، والجانب السوري يبدو أنه يلهث ليس وراء إسترداد الجولان وإنما للدخول في لعبة شدّ حبل من طراز آخر وشبيهة بتراجيديا كسب الوقت لجني ثمار بعض التوازنات الداخلية المتأهبة والإقليمية المربكة والدولية الضاغطة...!؟، أما إسرائيل فلا يهمها في الموضوع سوى تكثيف الضغوط بإتجاه تأمين أمن مواطنيها...!؟.

في المحصّـلة ورغم إقتناعنا بمقولة تفاءلوا بالخير تجدوه لأنفسكم ولغيركم...!؟، لكنّ الظاهر في الأمر هو أنّ التفاؤل لا محل له من الإعراب في هكذا مسار تفاوضي تستحكم بحيثياته وكيفياته مختلف الأطراف والمعادلات والتوازنات والسيناريوهات...!؟، وإنّ المستقبل لناظره قريب مع التذكير بأنّ هؤلاء المتفاوضون لن ينالوا سوى الخيبة لأنهم غير مقتنعون بما يفعلون.