يا فضيلة الجنرال : وزارتك فاسدة
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
مشكلة فضيلة الجنرال هي الفصام بين القول والفعل ، والفكر والعمل ، والنظرية
والتطبيق ، وهذا أسوأ ما يشين المسلم عامة ، وعالم الدين خاصة . قال تعالى : "
يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا
تفعلون ! " ( الصف : 2-3 )..
الأمثلة كثيرة على ما أذهب إليه ، وسأكتفي بمثالين اثنين فقط :
أولهما يتعلق بتعليمات فضيلته للأئمة والخطباء ، والتنبيه عليهم بارتداء الزى
الأزهري العمامة والكاكولة ، ولكنه ، وهو الأزهري القح ، لا يحافظ على هذا الزى .
ارتداه في بعض المناسبات لزوم الضرورة ، ثم خلعه وعاد إلى زيه الإفرنجي . ومعاليه
حرٌّ في ارتداء ما يشاء ، ولكنه بالتأكيد كان سيرتدي العمامة لو ذهبت المشيخة
الكبرى إليه . لقد كان يحلم بها ليل نهار ، وكان لا يفارق الشيخ الراحل على أمل أن
يخلفه ، ويحتل كرسيه ، ولكن قدر الله غير ما يحلم به معالي الجنرال الشيخ ، فذهبت
لغيره الذي لم يقل لأحد من مرءوسيه في الجامعة أو في الإفتاء تمسكوا بالزى ثم
خالفهم ، فقد كان صريحا يوم ارتدى العمامة وصريحا يوم ارتدى البنطال !
لا
يظنن أحد أن هذا الأمر شكلي أو بسيط ، بل هو يفسر كثيرا من التصرفات والسلوك ،
ويشير إلى طرق التفكير والتقدير .
الأمر الآخر أن فضيلة الجنرال وهو ممن يفترض فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
، قبل بالمنكر ليصعد إلى كرسي مجلس الشورى ، ووافق على التزوير الفاضح والآثم
والمجاهر حين زوّرت له الداخلية والجهات المعنية نتيجة الانتخابات في دائرته
بمحافظة الدقهلية ، ومنحته ما يقرب من ثلاثمائة ألف صوت انتخابي ، ويعلم القاصي
والداني أن الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في الدائرة كلها لم يتجاوزوا ثلاثمائة
صوت فقط ، فمن أين جاءت بقية الثلاثمائة ألف صوت ؟
لقد
فاخر فضيلة الجنرال بنتيجة الانتخابات ، وبات فرحا مسرورا ، وتحدث باستفاضة عن عدم
تعارض واجباته الوظيفية والدينية مع عضوية الشورى ! وبالطبع لم يتذكر أن تزوير
الانتخابات حرام ، وأن ممالأة حزب السلطة الظالم الفاسد حرام ، وأن بقاءه مؤيدا
لسياسة النظام بالاستسلام لإرادة الغزاة القتلة اليهود في فلسطين المحتلة حرام !
إن
فضيلة الجنرال ، وهو يصر على تأييد الاستسلام للعدو النازي اليهودي ، إنما يتجه
اتجاها خطيرا في تقديم صورة غير سليمة لعالم الإسلام الذي يفترض فيه أن يكون صوت
الأمة القوي وضميرها اليقظ وقلبها الحي المتصل بالله سبحانه عبادة وخوفا ورجاء .
أما أن يدعو الوزير الجنرال إلى الذهاب إلى القدس العربية الإسلامية المحتلة
بتأشيرات نازية يهودية ، ويعدالتأشيرة من الأمور الشكلية ، ومن الإنشائيات الفارغة
، فهذا يعني انهيارا عظيما في بنية الدعوة الإسلامية في مصر العربية المسلمة عقل
الإسلام ، ورائدة التحرك الإسلامي بلا منازع ، حتى لو بدا أن تركيا أو إيران قد
أخذت زمام المبادرة منها في الوقت الراهن !
لقد
جاءت تصريحات الإمام الأكبر لصحيفة الأهرام 11/7/2010م ، لتعالج هذا الانهيار الذي
صنعه فضيلة الجنرال ، حيث أعلن بكل وضوح وقوة أنه لن يزور القدس أبدا إلا بعد
تحريرها ، كما أعلن أنه يرفض أن يصافح الإرهابي النازي اليهودي شيمون بيريز لو
التقي به في أي مكان ، وأنه يرفض استقبال الحاخامات اليهود صناع الفكر النازي
الإرهابي الدموي اليهودي في مكتبه . صحيح أنه لم يدع إلى الجهاد لتحرير القدس
والأرض المقدسة ، ولكنه أيضا لم يدع إلى الاستسلام ، ولا شك أن من يعلمون خبايا
الواقع السياسي المصري يقدرون للرجل موقفه على كل حال !
إذا
فضيلة الإمام الأكبر يدحض دعوي فضيلة الجنرال ، وبالتالي دعوي الهباش إياه فقيه
سلطة رام الله ومفتيها ، الذي يقر استسلام السلطة للغزاة اليهود القتلة !
بيد
أن أمر الدعوة إلى الاستسلام والاعتراف بكيان الغزو النازي اليهودي التي تتضمنها
زيارة القدس المحتلة بتأشيرة نازية يهودية ، ليست اعتباطية كما يبدو من تصريحات
فضيلة الجنرال ، ولكنها تأتي للتغطية على فساد أكبر يملأ أركان وزارة الأوقاف ، كان
ضحيته فضيلة الشيخ الذهبي رحمه الله ، وعاني بسببه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي
ـ والشيخ عبد الحليم محمود من قبلهما . الفساد الذي عاني منه الشيوخ الفضلاء كان
مرتبطا بنهب أوقاف المسلمين التي خصصها أصحابها الراحلون من أجل الدعوة ، وخدمة
الناس ، ولكن الفساد في عهد مولانا الجنرال وصل إلى ذروته في البنيان الفكري
للوزارة ـ وفي الأموال التي يدفعها الفقراء للميزانية السنوية للوزارة !
فالبنيان الفكري للوزارة يتهاوي بفعل الاهتمام الوزاري بالهامشيات ، وترك الأمور
الرئيسة ، بل إنه يتمادى حتى يصل إلى خدمة خصوم الإسلام وأعدائه ، وقل لي بالله ما
معني أن يهتم فضيلة الجنرال بقضايا مثل تحديد النسل ، والنقاب ، وتغيير الخطاب
الديني ( ليس المقصود تغيير أساليب الدعوة كما يفهم بعض الناس ، ولكن تغيير مفاهيم
الإسلام وعلى رأسها الجهاد والموقف من العدو والمقدسات !) ، والأذان الموحد وسحب
الميكروفونات من المساجد ، وإملاء خطب معينة على الخطباء ، وحرمان الخطباء والأئمة
النابهين من التعيين في الوزارة ، وملاحقة أمثالهم من المعينين الذين يصدعون بكلمة
الحق بالعزل أو التحويل للأعمال الإدارية ، مع حرمانهم من الترقي والحوافز المادية
، ثم وهو الأخطر الانصياع الكامل للجهات الأمنية التي الإسلام خطرا على النظام
ورموزه .
لقد
تمت عسكرة الوزارة ، فالموظفون الكبار من الوكلاء ورؤساء الأقسام ؛ أغلبيتهم من
العسكريين أو الشرطيين ، ومكتب الأمن في الوزارة ، يفوق في صلاحياته صلاحيات فضيلة
الجنرال نفسه ، فهو الذي يتحكم في التعيين والفصل ، ويروى عن عصر الشاويش خصوصي
صاحب النسر والنجمة ، الذي كان يرأس هذا المكتب ذات يوم في فترة سابقة من عهد فضيلة
الجنرال ، وكان يجلس على كرسيه مزهوا ، ومتغطرسا ، ويذهب بنصفه الأعلى إلى الوراء ،
ويضع قدميه على المكتب في وجه الداخلين من الأئمة الفضلاء وأصحاب العمائم التابعين
للوزارة، بحيث يكون حذاؤه في وجه من يدخل عليه . ويا ويل من لم يكن راضيا عنه ..
حيث يلقى من الألفاظ والسباب والقذارة الكلامية ما لا يقره العدو قبل الصديق . لقد
فضحه الله ونقل من الوزارة في ساعة لم يكن أحد يستطيع أن يقف إلى جانبه .. وكل ذلك
بسبب سياسة فضيلة الجنرال الفكرية التي تهدف إلى إرضاء السلطان بدلا من العمل
بالقرآن !
أما
الفساد المباشر في الوزارة والمديريات فحدث ولا حرج ، ولا نستطيع أن نحصره في هذا
الحيز الضيق ، ولكن فضيلة الجنرال اعترف بوجوده في صحيفة الدستور 18/ 1/2010م ،
قائلا : إن كل الجهات فيها فساد ! وذلك في معرض تفسيره لفساد الوزارة ، وهو تفسير
غير مقنع ، فأين فضيلة الجنرال من مواجهته ، والتعامل معه ، وإصلاح ما فسد ؟
لقد
صارت الرشوة مبدأ وعرفا متفقا عليه في جميع أرجاء الوزارة وفروعها في الأقاليم ،
فلا يعين عامل أو فراش أو مقيم شعائر أو فني أو إمام ولو كان جهولا ، إلا إذا دفع !
بل إن الأئمة والموظفين في الإقليم لا يحصلون على حقوقهم إلا إذا دفعوا الإتاوات
لمن بيدهم الأمر ، وتصل الإتاوات إلى البط والدجاج والأرز والسمن وكل ما يخطر على
البال . لقد صارت العمامة مجرد صورة للعمل عند الضرورة إلا من رحم الله .لماذا لا
يحاسب هؤلاء؟ لأنهم ليسوا من أصحاب الضمير والرأي والفكر والصدع بالحق . فأصحاب
الضمير والرأي والفكر والصدع بالحق هم الذي يمثلون الخطر الحقيقي على فضيلة الجنرال
ونظامه البوليسي المستبد الفاشل ! وهم الذين يعاقبون ويحرمون من المنبر . ألم يحرم
الشيخ كشك والشيخ المحلاوي والدكتور عبد الصبور شاهين والشيخ حافظ سلامة وغيرهم ، (
تم تأميم مسجد الشيخ حافظ سلامة - مسجد النور بالعباسية ) لأنهم يقولون الحق ولا
يخافون في الله لومة لائم ؟ ثم امتد الحرمان إلى الشباب ، وكل من يشتبه بعدم الولاء
لفكر الوزارة السلطاني !
سأضرب مثالا واحدا موثقا على الرشوة والفساد في وزارة فضيلة الجنرال ، مع أن الأمر
من الشيوع بمكان ويعلمه الناس في القرى والمدن ، بحيث لا يستطيع أن ينكره أحد بدءا
من شمال الدلتا حتى جنوب الصعيد .
لقد
تقدم الدكتور فريد إسماعيل عضو مجلس الشعب بطلب إحاطة عاجل لـ" رئيس مجلس الوزراء
، ووزير
الأوقاف بخصوص الفساد المستشري في وزارة الأوقاف ،
الذي ضرب بجذوره في كافة مديريات
الأوقاف علي مستوي الجمهورية ، حيث أصبح من
المتعارف عليه- كما يقول - أن تطالعنا كل يوم احدي
المديريات بقضية فساد أخري وفريدة من نوعها
.
وقال إسماعيل : في هذه الأيام تطالعنا
وزارة الأوقاف
بالشرقية بقضية فساد مالي و إداري من نوع خاص ؛ حيث تم النصب علي ثلاثة من
المواطنين
من مركز منيا القمح بالشرقية وتحصيل مبالغ طائلة منهم بالفعل علي سبيل تشغيلهم
بأحد المساجد التي تضم حديثا إلي الوزارة يمنيا
القمح ، وكان هذا في عام 1999 حيث
قاموا بالعمل بالتعاقد لحين تثبيتهم علي درجة مالية
، وكانوا يتقاضون راتبا شهريا
يقارب 35 جنيها ؛ ليفاجأوا في عام 2000 أنه قد تم
فصلهم ، ورفض تعيينهم بعد أن
استنزفت أموالهم مافيا الفساد في المديرية.
وتابع فريد إسماعيل : وما كان علي
هؤلاء المواطنين إلا أن استعوضوا الله في ضياع تحويشة العمر عن
طريق مافيا النصب والفساد بأوقاف الشرقية ،و بالرغم
من صدور القرار الإداري رقم
4036
( لسنة 2000 ) والذي يقضي بتعيين كل من عصام الدين محمود وعبد النبي محمد وآخر
(
، وهم بأعينهم الثلاثة مواطنين الذين تم النصب عليهم ، ثم إبلاغهم أن قرار تعيينهم
لم يصدر
لأنه تم رفض التعيين ) ،
وللأسف فقد صدر القرار بتعيين الثلاثة أنفسهم بأحد مساجد الوزارة بمنيا القمح
بالشرقية ، وظلت مافيا الفساد
بالشرقية تتقاضى رواتبهم وجميع مستحقاتهم المالية منذ عام 2000 وحتى الآن في بجاحة
وانعدام رقابة خطيرين ؟
لن أسأل فضيلة الجنرال عن رأيه في هذه
المسالة البسيطة ، لأن هناك ما هو أخطر منها وأعمق ، مثل ضم مساجد على الورق ،
وتعيين أناس على الورق ، وقبض مرتبات لأسماء وهمية ، وأشياء أخرى تنضح بها الصحف
والدوريات بين حين وآخر ، تأكيدا لفساد متغلغل الجذور ، متشعب الفروع في تكية فضيلة
الجنرال ..
ولله الأمر من قبل ومن بعد .