مخيم برج البراجنة بعد 59 عاماً على تأسيسه

مخيم برج البراجنة بعد 59 عاماً على تأسيسه
بطالة، عجز عن الطبابة، والأنظار نحو الكيلومتر 92

أحمد الحاج علي/ بيروت

أمام روضة «القسام»، في مخيم برج البراجنة، أطفال في الرابعة من عمرهم، ينشدون «طاق طاق طاقية.. أنا بلا هوية». إنهم مجموعة من حوالى 19000 لاجئ فلسطيني يسكنون المخيم، لم يرَ بن غوريون في تهجير آبائهم عملاً غير أخلاقي، حين وقف في عام 1938 مخاطباً اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية: «أنا أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئاً غير أخلاقي».

وكل معاناة يعيشها هؤلاء اللاجئون يرجعونها إلى سياسة الترحيل التي اتبعها بن غوريون وعصابات الهاغاناه والشتيرن التي ما زال سكان المخيم يروون فظاعاتها.

يقع هذا المخيم على بعد 91 كلم من الحدود اللبنانية الفلسطينية، كما تشير لافتة رفعتها المنظمة الفلسطينية لحق العودة «ثابت» عند مدخله الغربي. هذا الفاصل الجغرافي يقارب ثلث المسافة بين مدينتي مانشستر ولندن، صاحبة الوعد التاريخي لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، لكن حدود فلسطين المحتلة تبقى كأنها النقطة الأبعد في العالم، نظراً للصعوبات التي تعترض وصول أي فلسطيني إليها، كما يقول محمد علي، الطالب الجامعي.

كيلومتران فقط يفصلان مخيم برج البراجنة عن مطار بيروت الدولي، ومع ذلك فإن الفلسطيني في المخيم يعيش عزلة عن محيطه اللبناني القريب نتيجة سياسات اتبعتها السلطات الرسمية، وحروب كانت كافية لأن يعتصم ابن المخيم بـ«قلعته» بعيداً عن أية تفاعلات مع محيطه. وذات عقد من السنين كانت الدول الإسكندنافية عبر هذا المطار أقرب إلى المخيم وسهلة المنال من الحواري والأزقة المحيطة به.

مساحة المخيم تقارب 2.5 كلم مربع، كما يشير مدير المخيم بهاء حسون. نقف عند باب المخيم الغربي المسمّى منطقة العاملية، نشاهد، من بعيد، أزقة ضيقة كأنها تجاعيد وجه المخيم الذي بلغ عامه التاسع والخمسين، حين بدأت حكاية المخيم الطويلة في عام 1949.

البدايات

قبل النكبة، ازدهرت التجارة بين اللبنانيين والفلسطينيين، وكان بعض سكان منطقة برج البراجنة، وخصوصاً التجار، قد أقاموا علاقات وطيدة مع أهالي قرية ترشيحا في الجليل الأعلى، ومن هؤلاء التجار، المختار حسن علي السبع، الذي عُرف أيضاً بميوله القومية. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1948، كان الصهاينة ينفذون ما عُرف بخطة «دالت» لتطهير المناطق الفلسطينية من سكانها، وكانت ترشيحا على موعد مع قصف عشوائي استُخدمت فيه الطائرات. ورغم المقاومة التي أبداها سكان ترشيحا، مسلمين ومسيحيين، إلا أن القرية سقطت في ذلك الشهر. هُجّر سكانها، ورفض مسيحيو القرية إعلان قسم الولاء للدولة اليهودية، محافظين على مئات السنين من التعايش مع المسلمين. لجأ مهجرو ترشيحا إلى المختار السبع، فأمّنهم في بيوت برج البراجنة، ثم أسكنهم في قطعة أرض.