معوِّقات الوحدة الوطنية الفلسطينية
معوِّقات الوحدة الوطنية الفلسطينية
أحمد الفلو /فلسطين
لعل المتابع للشأن الفلسطيني يلاحظ هذه الأيام حالة التخبُّط التي يعاني منها رئيس السلطة محمود عباس وأعوانه, خاصةً أنهم ومنذ أمد بعيد قد وضعوا بيضهم كلّه في السَّلّة الأمريكية الصهيونية , ولطالما دأبت الإدارة الأمريكية على فضح عملائها بعد توريطهم غير آبهةٍ لما يحلُّ بهم أمام شعوبهم بعد انكشاف حقيقتهم , و هذا ما حدث بالضبط بعد تورُّط مجموعة أوسلو بسلسلة من التنازلات المتتالية لصالح العدو الإسرائيلي ابتدأَت بالتنازل عن 76% من أرض فلسطين لصالح الصهاينة مروراً بالقبول بالسيطرة الوهمية على 40% من الضفة الغربية و انتهاءً بالعمل بصفة مخبرين وجنود لصالح الولايات المتحدة و إسرائيل بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية عن طريق محاولات اغتيال استهدفت رئيس الوزراء المنتخب شعبياً المجاهد اسماعيل هنية , ثم تدبير انقلاب ميليشيوي يؤدي إلى حرب أهلية داخلية فلسطينية وهذا ما ذكرته مجلة "فانيتي فير" و بالتعاون مع دول عربية شاركت في تدريب الانقلابيين و ذلك ضمن ما يُدعى بخطة دايتون .
ولكن التصدي المُشَرِّف الذي قامت به حركة حماس ضد هؤلاء المرتزقة حالَ دون وقوع شعبنا في شِراك الصهاينة , وبالرغم مماارتكبه الرئيس وأعوانه فإن حماس عضَّت على جراحها و طرحت الحوار معهم من أجل وحدة الصف , وبناء على ما ذكرناه من حقائق فإننا نستخلص معوقات تحقيق الوحدة الوطنية بالآتي :
أولاً – عدم قدرة الرئيس عباس أو عدم تجرُّؤه على الخروج عن قواعد التفاهمات و التعهدات التي وضعها الجنرال الأميركي دايتون على مبدأ ( دخول الحمام ليس مثل خروجه ) و عليه فإن الرئيس عباس مُقيَّد بما تعهد به للإدارة الأمريكية وإسرائيل , ويشمل ذلك تعهده مثلاً بالتنازل عن القدس مقابل منحه مقراً في قرية أبو ديس القريبة منها و قد ورد ذلك في وثيقة رسمية تسمّىوثيقة أبومازن - بيلين, وأيضاً تعهده للأمريكيين بالتنازل عن حق العودة للاّجئين , مما يجعل الاتفاق مع حركة حماس ضرباً من الخيال بسبب التناقض القائم بين النهجين الاستسلامي والمقاوم .
ثانياً – خشية عباس من مطالبة حركة حماس بإصلاح منظمة التحرير من حيث البنية و الصلاحيات والدور الذي تقوم به و توزيع مقاعد اللجنة التنفيذية و المجلس الوطني , ذلك أن حركة فتح في حالة اضمحلال وفي هذه الحال لن تحصل فتح في أحسن على أكثر من ربع مقاعد اللجنة التنفيذية وربع مقاعد المجلس الوطني حسب التمثيل الشعبي الذي حصلت عليه فتح في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة وكذلك حسب تمثيل فتح لفلسطينيي الشتات الذين لم تعد تمثل طموحاتهم ومطالبهم بالعودة باعتبارهم لاجئين يطمحون بالعودة إلى مدنهم وقراهم في فلسطين خاصة بعد الطروحات التي قدَّمها عباس بتجنيس الفلسطينيين في أماكن إقامتهم , ناهيك عن طرح حماس لموضوع إصلاح البرنامج السياسي لمنظمة التحرير وعلى رأس هذه الإصلاحات هدف تحرير كامل التراب الفلسطيني وهي الفقرة الرابعة في ميثاق المنظمة التي تم إلغاؤها على يد ياسر عرفات و كان هذا الإلغاء من أكبر الجرائم التي ارتكبت بحق القضية الفلسطينية والتي سوف يتم محاكمة كل من شارك أو اقترح أو صَوَّت على هذا الإلغاء بعد ترتيب البيت الجهادي الفلسطيني .
ثالثاً – السياسة المالية التيِ يَتَّبعها الفتحاويون عموماً والرئيس عباس خصوصاً والتي تعتبر أموال الشعب الفلسطيني مستباحة , وقد اعتاد الفتحاويون أن يغرفوا منها كما يشاؤون على شكل هبات ومنح وأعطيات حسب ولاءاتهم لزعيم المقاطعة , حتى إن بعضهم يمتطي سيارات فاخرة قيمة الواحدة منها أكثر من مئتي ألف دولار والآخر يقوم بعلاج كافة أفراد أسرته بمن فيهم من أصيب بالزكام مع نفقات السفر في أوروبا على حساب خزانة السلطة , فكيف لهؤلاء أن يؤيِّدوا الوحدة الوطنية والتي بالتأكيد إذا تحققت ستفرز حكومة شراكة مع حماس والتي بدورها ستحرمهم من كل هذه الامتيازات ومن ثم ستنقطع عنهم روافد التمتع بالمال المنهوب .
رابعاً– إصرار الرئيس عباس وحرصه على مطالبة حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل , وهو ما يتعارض تماماً مع العقيدة الإسلامية التي يسخر منها الرئيس وأعوانه و تتبناها حماس .
خامساً– مراهنة عباس على المجازر الإسرائيلية بالترافق مع الحصار المصري لقطاع غزة بهدف إسقاط حركة حماس و معاقبة الشعب الفلسطيني بسبب اختياره لحماس , ولكن يبدو أن ذلك أدّى إلى نتائج مخالفة تماماً لما أراده عباس ومعاونوه حيث بات هو وأعوانه ومعهم إسرائيل الآن مذعورين يخشون ثورة شعبية عارمة في الضفة الغربية وعلى مقربة من قصره تطيح به وبأعوانه , ولعل هذا هو السبب في تجنيد المزيد من الأفراد في حرس الرئاسة و قوات الأمن حيث يبلغ عديد هذا الحرس يناهز العشرين ألفاً مما جعل عباس طرفة للتندر والسخرية بين أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى و يبدو أن لدى الرئيس النية في أن يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكثر رئيس يضع حرساً حوله .
وبعد كل الذي ذكرناه لابد لنا أن نشير إلى حقيقة مهمة وأساسية وهي أن السبب الأساس في تنامي قوة حماس هو أنها تعتمد على أهم مصادر النصر و هو النصر الإلهي لعباده المؤمنين وأنها حين تدعو إلى وحدة الصف الفلسطيني فإنها مخلصة في دعوتها وهدفها مواجهة إسرائيل بشكل أقوى , على العكس من أولئك المغرورين المعزولين في قصر المؤامرات في رام الله اللذين لا هَمَّ لهم سوى التسلط و الحصول على المغانم .