ما بين حريقين
صلاح حميدة
أثيرت ضجة كبيرة حول إقدام مجموعة من الأشخاص بحرق عريشة في مخيّم صيفي تابع لوكالة الغوث في قطاع غزة، وتبيّن لي بعد رؤية العريشة أنّ الخبر تمّ تضخيمه وتداوله في الاعلام وكأنّ مخيمّاً ضخماً تم إحراقه.
في نفس اليوم بثت تقارير إخبارية على قناة الجزيرة عن حصار ودمار غزة، وتضمّنت التقارير صور حية لحرق غزة بالفسفور الأبيض، حريق للبشر والشّجر والحيوان والحجر.
من الغريب أنّ الحريق الذي تمّ بحق عريشة المخيّم الصيفي حاز على قدر هائل من التّغطية والاهتمام الاعلامي والسياسي، بينما لم تحظى عملية الحرق المستمرة لقطاع كامل من البشر بالاهتمام المطلوب، ولولا أسطول كسر الحصار الذي انطلق من أماكن مختلفة من العالم لما حظيت تلك المحرقة الكبرى بالاهتمام المطلوب.
بالتّأكيد الدّوافع للتّركيز الاعلامي على قضايا من دون أخرى ليس غريباً على واقع سياسي يعيشه الشّعب الفلسطيني، وبالتّأكيد وسائل الاعلام ومن يديرونها ومن يدعمونها ليسوا جمعيات خيرية، ولا هم بحاملين لرسالة الحرية والموضوعية والأمانة والحيادية، ولكل وسيلة إعلامية مرجعية فكرية ومالية وأهداف وامتدادات محلية وإقليمية ودولية، ولذلك فالرسالة والخبر المراد ترويجه يخضع للمرجعية التي تتبع لها الوسيلة الاعلامية.
بالعودة إلى حادثة إحراق العريشة في مخيم صيفي لم يبدأ بعد، وما نقل عن مسلّحين أحرقوا وهدّدوا، فبالتأكيد هذا الفعل مدان ومرفوض من قبل الغالبية العظمى من الأطياف السّياسية والفكرية والشّعبية الفلسطينية، فلوكالة الغوث دور هام منذ العام 1948م في تقديم خدمات كثيرة مستحقة للفلسطينيين، ولكون قطاع غزة غالبية سكانه من اللاجئين، فقد حظي باهتمام وخدمات كبيرة من وكالة الغوث، ولا يمكن حصر نشاطات وكالة الغوث بمخيم صيفي قد لا يعجب بعض النّاس، كما أنّ المخيمات الصيفية تقام في القطاع والضّفة من قبل مؤسسات أهلية وحركات سياسية وغيرها منذ سنوات طويلة، وكل عائلة تختار المخيّم الذي تودّ إرسال أولادها له، ومن لا يعجبه هذا المخيّم يرسل أولاده لمخيم آخر، فيما يختار غيرهم أن لا يرسلوا أبناءهم لأيّ مخيّم صيفي، و يمارس الأطفال في هذه المخيّمات نشاطات تربوية وثقافية ورياضية، وقضايا أخرى يرى منظّموا المخيّمات أنّها تقع ضمن القضايا التي من المهم شغلها لدى الأطفال.
أمّا في حالة مخيّم الوكالة والذي أثيرت حوله ضجّة، فقد قرأت لأشخاص من المشرفين على عمل المخيّم، ذكروا أنّه لا يوجد مخالفات تمس أخلاق ومعتقدات وقيم شعبنا في هذه المخيّمات، وهذا يثير علامات استفهام حول من فعل هذه الفعلة؟ وعن الأهداف الحقيقية لها؟ يضاف إلى ذلك أنّ أيّ شخص له ملاحظات على هذه المخيّمات فبإمكانه متابعة ذلك مع السّلطات المختصّة ووسائل الاعلام وذكر تحفظاته وإسنادها بالدّليل، لا سوق الاتهامات جزافاً ثم إتباع ذلك بأفعال خارجة عن قيمنا وتقاليدنا.
في هذا الباب أثمّن المواقف التي وقفت ضد ثقافة الحرق والفلتان، وفي نفس الوقت أشد على يد الجهات المختصة في ملاحقة ومحاسبة من قاموا بهذا العمل، أمّا في باب الموازنة، فمحرقة غزة والغزّيين هي التي يجب أن تحظى بقدرها من الاهتمام الاعلامي ، أمّا إحراق العريشة فلها من يتابعها ويعاقب فاعليها.