كرة ثلجية حمساوية
كرة ثلجية حمساوية تحول صقيع غزة
إلى بركان ملتهب
رمضان
عمر
رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين
ربما كانت أبراج تل أبيب العاتية تحتفل في جو من الارتياح الجبروتي المخيف .. مع شيء غير قليل من التدفئة المركزية المعدة بشكل خيالي لترفيه الراقصين على الجراح في اعتى حصار إجرامي عرفته البشرية – حينما بدأت كرة حماس الثلجية تتحرك حركة عنفوانية باتجاه الحدود المصرية في رفح.
لكن القدور التي ترقبوا انقلابها، والرياح التي تمنوا عصفها .. - في نوع من التأليب المدروس - لتقوم الجماهير الغفيرة في غزة مع ضغط الجوع والعطش بالانقلاب الفوري على صحوة المرابطة التي صنعتها حماس الاستشهاد .
لم تطل فترة الترقب ، لينقلب السحر على الساحر ، ولا يبقى من ورقة الحصار إلا ما أبقته الأرضة من صحيفة الذل والخيانة في وثيقة المعابر الا مقولة التاريخ الخالدة باسمك اللهم ،
وفتحت كوة في جدار الضعف العربي على الحدود وقالت الجماهير كلمتها في لعبة عض الإصبع ، فتح التاريخ بوابة رفح للنهج الحمساوي وانقلب دحلان وعباس على أعقابهم صفرا من كل شيء ، وبدا المنطق الصهيوني يراجع عقارب الساعة في شيء من الزعم بالموضوعية وكأنه كان حريصا على الظرف الإنساني الذي كاد أن يشكل كارثة غير مسبوقة فرأيت صحفهم تتحدث عن مسؤولية أخلاقية كما ورد في مقالة ل(يوفال البيشان / معاريف 27/1/2008)
" وفي خضم التحليلات العسكرية، والتنبؤ السياسي والخطط المستقبلة، يبدو ان لا احد نظر حقا في وجوه عشرات ألاف الفلسطينيين الذين اجتازوا الحدود بانقضاض وجالوا في شوارع رفح. حتى لو كان الحديث عن عمل مخطط له ومنظم على يد حماس، وحتى لو كان في جزء منه عرضا مخرجا إخراجا جيدا، فلم يكن بالإمكان تزييف النور الذي أشرق على وجوه عشرات الآلاف أولئك. لا يمكن ببساطة .
من تأمل حقا، وسمع أصوات أولئك الناس البسطاء، لا متحدثيهم ومحلليهم الفصحاء فقط، رأى حقيقة إنسانية بسيطة نسيها متخذو القرارات ومقررو المصاير. والحقيقة هي أنه لن يوجد ابدا سور يستطيع ان يقف إنسانا يقرقر بطنه ولا يوجد له شيء يخسره. حتى لو كان ذلك جدارا هو الأشد أحكاما، والى جانبه كتائب جنود ذوي خبرة، فلن يساعد الامر. لن يوقف شيء إنسانا فقد كل أمل ليحسن حياته في الطريق الى المكان الذي يلوح انه الحل الوحيد لضيقه. فالضرورة قوة باعثة عظيمة، ولا يحل نسيان هذا الدرس. "
فهل أدرك هؤلاء بعد هزيمتهم النكراء أن منطق التجويع لا يمكن أن ينفع إلا مع العبيد في رام الله وأروقة الحكم في أنظمة العمالة في دول العالم المرتد
حماس التي راهنت إلى أستاذية لمقاومة ورسمت طريقها بالدم وبنت جيشها من عظام جنودها الاستشهاديين ، تعلم أن مدها بعون الله ، وقوتها في صدق ولاءها لشعبها ونجاحها لا علة له إلا عظيم تضحياتها؛ فهل الغباء الصهيوني فظيع الى درجة مدها بمادة نموها وجلوكوز تطورها
الجانب الصهيوني فقد المبادرة في التحكم بعد أن كسر الشعب أوهام الاتفاقات ، وأضحت الكرة الثلجية الحمساوية المتدحرجة على ملعب السياسة ترسم معالم التاريخ الجديد للعلاقات السياسية بعد سقوط ورقة رام الله سقوطا مطلقا :
محاولة ابو مازن للحديث عن استعداد السلطة لتسلم المعابر حديث مضحك ، وخارج هوامش النص
، فأبو مازن الذي لا يرقى رغم كل تعهداته وأعماله ضد المقاومة عند الساسة الصهاينة - الى مستوى شريك امني موثوق به، بل هو ورقة ثانوية تبرز في خطابات وزارة الخارجية بعد كل مذبحة قد تظهر الصهاينة بمظهر نظام (الأبرتهايم ) العنصري
، وهو لم يعط رغم كل ما فعله هدية متواضعة لاسترضائه من مثل الإفراج عن أسير أو فتح حاجز في الضفة، فكيف يتسلم المعابر مع ضمان توقف الكرة الثلجية الحمساوية!!! .
ولذا لم يخرج اجتماع أبو مازن المرت اليوم بشيء رغم أن أبا مازن زعم أن اجتماعه سيناقش موضوع المعابر وانه متفق مع الاطراف على الالية
لقد بدأت تتشكل في الأفق معادلات سياسية تهدد الوهم الصهيوني وتعمل على خلق أجواء قد تجبر( إسرائيل) منذ اليوم فصاعدا على اعتبارها ندا وإلا فان كرات ثلجية اعنف واشد ستتوجه بسيل العجائز المؤمنات بالفكر الحمساوي الداعي الى المرابطة والثبات والأطفال المتقدون إرادة إلى معبر( اريز ) و(كرم ابو سالم) لخلق جبهة استفزازية جنوبية تخنق مع جبهة الشمال الاستقرار الوهمي الصهيوني .
حماس - من جهتها- تدرك أن ما جرى لا يشكل فكا مطلقا للحصار ، وان خطوت ذكية ستحتاجها الحركة لضمان استمرار تحرك الكرة الثلجية باتجاه المسار الذي تريده ؛ فلا بد من استثمار الضغط الإعلامي العالمي، والاستجابة المصرية الجزئية للحدث التاريخي ؛ لذا سارعت بإرسال وفدين لها إلى كل من القاهرة مصر والرياض لمناقشة موضوع المعابر ، مستبقة ذلك كله بتصريح سياسي يتساوق مع مفعول الكرة الثلجية ، وهذا ما أكده المتحدث باسمها سامي أبو زهري ": "إن هذه الاتفاقية أصبحت جزءً من الماضي، ولن يقبل الشعب الفلسطيني العودة إلى الوراء فيما يتعلق بالوضع السابق على معبر رفح (الذي يربط الأراضي المصرية بقطاع غزة والذي يعتبر المنفذ الوحيد للفلسطينيين)".
وإذا كانت حماس قد قصمت ظهر البعير بقشة الصبر ؛ فان الجانب الصهيوني أضحى أكثر قلقا على معولاتها الإستراتيجية التي يعتبرها الداعم الأساسي لاستقراره كما قررت صحيفة ( يديعوت احرنوت) في افتتاحيتها اليوم 27/1/2008 : السلام مع مصر هو احد الذخائر الإستراتيجية الأكبر لإسرائيل، رغم أنه سلام بارد. في أعقابه تقدم العالم العربي بأسره للتسليم بإسرائيل.
وربما وصل التخوف الصهيوني إلى حد نسج الأساطير من مثل ما ورد في الافتتاحية " فان الإرهاب من شأنه أن يتسلل من غزة إلى سيناء في طريقه إلى النقب ومن هناك إلى كل أجزاء إسرائيل. حالة التأهب في الجنوب، بما في ذلك إغلاق الحدود في وجه المتنزهين في نهاية الأسبوع، تعكس خطورة الوضع. في المرحلة القادمة، من شأن اسرائيل أن تتردد في كيفية منع العمليات التي ينسجها الفلسطينيون في الأراضي المصرية، قبل اختفاء الخلايا في طريقها إلى إسرائيل. وهذا من شأنه أن يضع تحديا مركبا وخطيرا على السلام بين إسرائيل ومصر. ليست مسألة المسؤولية عن تدهور الوضع هي التي على جدول الأعمال – فكل الأطراف يشاركون فيه.