كلب زوجة السفير!
أ.د. حلمي محمد القاعود
في الثالث عشر من إبريل 2010م ، نشرت الصحف والمواقع المصرية والعربية خبرا موجزا يقول :
أثار كلب زوجة السفير ا لصهيوني بالقاهرة حالة من القلق داخل مطار القاهرة الدولي ؛عندما تم المرور به خلسة إلى داخل قاعة كبار الزوار دون أن يشعر به أحد. واكتشف رجال الأمن في استراحة كبار الزوار بالمطار وجوده داخل صندوق بصحبة زوجة السفير لدى وصولها من تل أبيب، وهو ما يعد مخالفة لقواعد استخدام الاستراحة ولوائحها . وتم توضيح الموقف لمندوب السفارة الصهيونية والخطأ الذي وقع ، مع الوعد بعدم تكراره.
فقد اكتشف رجال الأمن المصريون وجود كلب صغير داخل صندوق بصحبة زوجة سفير الكيان الصهيوني بالقاهرة إسحاق ليفانون لدى وصولها من تل أبيب على طائرة شركة إيرسينا، مما يعد مخالفة لقواعد استخدام الاستراحة.
في الوقت ذاته كانت الأنباء تتحدث عن بدء سريان قرار بالتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة ، وقد أوضحت صحيفة (ها آرتس) أن أمرا عسكريا جديدا، يدخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع، سيسمح بطرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية بل وتقديمهم إلى المحاكمة على جرائم التسلل التي تحمل عقوبات كبيرة بالسجن. وقع الأمر اللواء (غادي شماني) بصفته قائدا لقوات الجيش الصهيوني في يهودا والسامرة. أي الضفة الغربية المحتلة
وبسبب لغته الغامضة سيكون ممكنا استغلال الأمر لطرد عشرات الاف الفلسطينيين من الضفة، وكل ذلك حسب تعسف القادة العسكريين وتبعا للأوامر العسكرية التي لا تتضح ملابسات اتخاذها. المرشحون الأوائل للطرد سيكون من عنوانهم في هوياتهم هو غزة، بما في ذلك أطفالهم الذين ولدوا في الضفة ومن يسكنون في الضفة وفقدوا لأسباب مختلفة مكانة الإقامة لديهم.( 12/4/2010م) !
المفارقة لا تحتاج إلى تفسير ، فبينما يحظي الكلب اليهودي الذي تملكه زوجة السفير الصهيوني بمتعة المرور عبر صالة كبار الزوار في مطار القاهرة الدولي ، وهي الصالة التي يمر بها رؤساء الدول ومن على شاكلتهم من كبار الناس في مصر والعالم ، فإن الكلب اليهودي ، يرتفع إلى مستواهم ، ولا تجد زوجة السفير النازي اليهودي غضاضة في ذلك ، ومهما كانت اللوائح والتعليمات لا تقر ذلك ، فقد مر الأمر بهدوء .. بينما الفلسطينيون المساكين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال النازي اليهودي مهددون بالطرد من بلادهم لأنهم بلا إقامة !
الشعب الفلسطيني الأسير يتم طرده نتيجة قرار عسكري إرهابي نازي يهودي اتخذه الغزاة الصهاينة قبل ستة أشهر ، وبدءوا في تنفيذه ، وتقوم سلطة رام الله المحتلة بالاستفسار من الغزاة الأعداء فتتلقي ردا غامضا (!) حسب تصريح الناطق الرسمي باسم السلطة الموقرة ! ماذا يعني " ردا غامضا " ؟ لا أستطيع تفسيره ، ولا السلطة أيضا ، كل ما حدث أن الجامعة العربية العتيدة دعت إلى اجتماع عاجل على مستوى المندوبين لبحث الأمر ! ولا أظن السادة المندوبين سيتخذون موقفا حازما يمنع النازيين اليهود من تنفيذ قرارهم الإرهابي بطرد أكثر من سبعين ألفا من المقيمين الفلسطينيين في الضفة إلى الأردن ، وربما طرد بعضهم إلى غزة .. وهي سياسة استعمارية تكلم عنها كثيرون منذ سنوات بعيدة ، واستنكرها العالم ، وقد ظنت السلطة المحدودة في رام الله المحتلة أن اتفاقيات أوسلو ستحول دون تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع ، بعد أن أعلنت هذه السلطة أنها طلقت المقاومة طلاقا بائنا بالثلاثة ، وأنها لن تعود إليها أبدا ، وقدمت تعاونا غير محدود مع دايتون لاستئصال المقاومة واعتقال المقاومين ، ومنعت الانتفاضة السلمية الثالثة بكل ما أوتيت من قوة ، وساعدت جيش الغزاة النازيين القتلة على استباحة بيوت الفلسطينيين البائسين في مدن الضفة وقراها واقتحامها ؛ لاقتناص المقاومين واعتقالهم وهدم بيوتهم .
الغريب أن صحيفة ها آرتس العبرية ، لم تستطع أن تخفي سخطها على القرار النازي اليهودي ، وعارضته بقوة ، وتحدثت عن حق الفلسطينيين أن يعيشوا في بلادهم ، وطالبت بسحب القرار الظالم :
"حق الفلسطينيين أن يعيشوا في كل مكان يشاءون فيه في الضفة وفي قطاع غزة هو من أبسط حقوق الإنسان. إسرائيل، التي تمنعهم، وعن حق من العودة إلى الأماكن التي عاشوا فيها قبل 1948، ولا تعرض عليهم تعويضا نزيها على أملاكهم (في ظل سماحها لليهود باسترداد أملاكهم من تلك الفترة، مثلما يحصل في الشيخ جراح) لا يمكنها أن تطردهم أيضا من الضفة الغربية بحجج بيروقراطية مشكوك فيها.
تطبيق الأمر العسكري الجديد من شأنه ليس فقط أن يشعل نارا جديدة في المناطق بل من شأنه أن يوفر للعالم دليلا خالدا على أن هدف إسرائيل هو الطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية. وبينما يمكن لكل يهودي أن يسكن أينما يشاء في إسرائيل أو في المناطق، تسعى إسرائيل إلى منع الفلسطينيين حتى من الحق الأدنى للسكن في الضفة وفي قطاع غزة حسب اختياره. على رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يسحبا فورا الأمر العسكري، قبل لحظة من أن يشعر الجيش الإسرائيلي بنفسه حرا في بدء عملية الطرد" .
وإذا كانت الصحيفة العبرية على غير العادة تتخذ هذا الموقف الذي لا ينبع من إنسانية بقدر ما ينبع من درء لمخاطر اهتزاز الصورة التي رسمتها الصهيونية لدولة الغزو النازي اليهودي، فإن الغريب أن يتطوع بعض من يعملون بمهنة الكتابة إلى الدعوة إلى التطبيع مع العدو النازي اليهودي بوصفه نضجا فكريا ، وتعبيرا عن روية متسامحة تجاه الآخر ؟!ويصفون أنفسهم بـ «المعتدلين والواقعيين» ، ويتهمون دعاة المقاومة بأنهم " يستحقون الشفقة أكثر من اللوم، لأن نضجهم السياسي لم يتجاوز بعد «ذهنية التنظيمات السرية»، ومازالوا عاجزين عن رؤية شؤون السياسة بعيون برجماتية، تراعى متغيرات الواقعين الدولي والإقليمي، ولا تقفز على حقائق الجغرافيا وموازين القوى " .؟!
ونحن نتساءل هل من الواقعية والبرجماتية أن نبقى نحن العرب والمسلمين مستسلمين إلى الأبد ، والعدو يطرد الشعب الفلسطيني خارج دياره ؟ لقد استسلمت منظمة التحرير الفلسطينية ، ووقعت اتفاقيات بيع فلسطين في أوسلو بحجة الواقعية والبرجماتية ، وظلت تفاوض أكثر من خمسة عشر عاما ، وتنازلت عن حق العودة ، ورضيت ببعض أحياء القدس الشرقية ، ووافقت على تعديل الحدود الخاصة بالضفة والقطاع ، ولكن العدو النازي اليهودي لم يقبل ، ولم يعط شيئا ، بل لم يُزل حاجزا واحدا في الضفة الغربية ، وما زال يحاصر القطاع حصارا وحشيا لا أثر فيه للرحمة أو الإنسانية .. أيكون نيلسون ما نديلا الذي أبدى استعداده للتظاهر أمام بوابة رفح من أجل رفع الحصار أكثر رجولة وشهامة من هؤلاء الذين يزعمون أنهم لا يقفزون على أرض الواقع والجغرافيا ؟ ما رأي هؤلاء الناضجين فيما يفعله النازيون اليهود الغزاة بعد الاستسلام العربي المشين ؟ هل تنحون - كالعادة - باللائمة على حماس التي لم توافق على الاستسلام لدايتون وإنسانيته" الدموية " ؟
إن المقاومة هي الحل ، والانتفاضة هي الحل ، ووقف التطبيع الآثم مع العدو النازي اليهودي هو الحل ، وتكليف الاحتلال ثمنا باهظا هو الحل ، والاحتلال غير الآمن هو الحل . وحل السلطة المحدودة في رام الله المحتلة هو الحل .. فاعتبروا يا أولي الأبصار !