فاروق الشرع وبعث روح الستينات
فاروق الشرع وبعث روح الستينات
خالد الغنامي*
حكم الرئيس السوري حافظ الأسد سوريا لمدة ثلاثين سنة منذ 1971 وحتى 2000 وخلال تلك الفترة اتسمت الاستراتيجية السورية باتباع سياسة الموازنات والتعاطي مع الممكن كما هو فن السياسة بشرط الثبات على المبدأ. ظهر هذا جلياً للتاريخ حتى قبل أن يتولى حافظ الأسد رئاسة الجمهورية السورية وذلك خلال الوحدة بين سوريا ومصر، فقد انتقل مع سرب القتال الليلي التابع لسلاح الجو السوري للخدمة في القاهرة حيث كان برتبة نقيب وقيل في بعض المصادر كان برتبة رائد، ولم يتقبل حافظ الأسد وعدد من رفاقه قرار قيادة حزب البعث بحل الحزب عام 1958 في استجابة لشروط جمال عبد الناصر والتي وافق عليها الزعيم العروبي شكري القوتلي طواعية من أجل تحقيق الوحدة العربية التي كانت أسهمها عالية في تلك الحقبة التاريخية، فقاموا بتشكيل تنظيم سري عام 1960 عرف بـاللجنة العسكرية والتي حكمت سوريا فيما بعد وكان لها دور بارز في الانقلابات التي حدثت في مطلع الستينات والتي أوصلت الرئيس حافظ الأسد لسدة رئاسة سوريا. منذ ذلك الحين وحتى وفاة الرئيس حافظ الأسد كانت العلاقات السعودية السورية تتسم بالحرص الشديد على قواسم مشتركة، أهمها الحرص على ما تبقى من الحلم العربي الكبير بوحدة الصف العربي وعدم انشقاقه في أحلك الظروف وكانت المملكة وسوريا ومصر تمثل الثقل الاستراتيجي لبقايا هذا الحلم. اليوم وقد تمزق هذا الحلم شذر مذر وتفرق الناس بأيدي سبأ بسبب عيوب جذرية في الحلم نفسه - حسب تقديري - لم يبق لنا سوى الحرص على ما يمكن استخلاصه من أنياب السياسة من قيم أخلاقية كقيمة حسن الجوار، لكن حتى هذه القيمة البسيطة، يبدو أن تحققها بات صعب المنال. اليوم نشهد بين الفينة والأخرى هجوماً كاسحاً من نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على سياسة المملكة في المنطقة وتحميلها عبء الفوضى العارمة التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط وكأنها هي من زرع هذه الفوضى وهذا الضعف، وكأن غيرنا هم من كانوا حقاً قلعة الصمود والتحدي! والحق أننا لم نر صموداً ولا تحدياً بل كانت سياسة السيد فاروق الشرع قائمة على استخدام الأطراف المتناحرة كورقة للتفاوض لا غير دون تسجيل موقف حقيقي في قضية منسية.
و لم نر من وطننا (المملكة) سوى أنها كانت دائماً حريصة على جمع الصف العربي المشتت، مبقية العين على البعد الإسلامي الكبير برغم صعوبة ضبط حدوده السياسية، حريصة على وحدة العراق الذي تتنازعه الأيدي الخارجية والداخلية والتي ترغب في تمزيقه وتقسيمه لدويلات ضعيفة، جامعة للفرقاء المقتتلين في فلسطين، راغبة في جمع كلمتهم وتوحيدهم ووقف سفك الدم الفلسطيني، غاضة الطرف عن كثير مما يسوء رغبة في سبيل تحقيق مصلحة عليا في الشأن الفلسطيني الذي يؤرق كل عربي، برغم هذا كله وبرغم كل تلك التضحيات، يصر نائب الرئيس فاروق الشرع على الخروج علينا بين الفينة والأخرى بروح قتالية ثورية بلا ثورة، روح تثير الشفقة لأنها لا توجه للأعداء في إسرائيل ولا لحلفائها الكبار في المنطقة كالولايات المتحدة الأمريكية وإنما توجه للمملكة العربية السعودية، شاتمة، مقذعة، متعدية. إننا أمام رجل دولة جاء بعد أن استبعد كل الكفاءات عن وزارة الخارجية السورية التي كان يحمل حقيبتها منذ 1984 وحتى 2006 بهدف أن يبقى هو الخيار الوحيد فيها، ثم ها هو اليوم من منصبه الجديد كنائب لرئيس الجمهورية يعيد لنا تاريخاً دفناه وترحمنا على روحه، فهو ما زال يتخاطب مع الآخرين بلغة الستينات البعثية الشتائمية الرخيصة ولم يدرك أن الزمن قد تجاوز هذا الخطاب برمته وطريقة التفكير تلك في محاولة بائسة لاستعادة رضا الحليف الإيراني، وذلك الحلف يعتبره الكثير من العروبيين طعنة نجلاء في قلب العروبة، بعد أن شاب الحلف السوري الإيراني ما شابه من عكر بعد أن اعترى الطرف الإيراني بعض الغضب والشك من المشاركة السورية في مؤتمر أنا بوليس الأخير في واشنطن - الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن تحدثت بعض وسائل الإعلام عن شرخ في العلاقات السورية الإيرانية بعد أن وافقت سوريا على المشاركة في ذلك المؤتمر الذي انتقدت إيران (الحرس الثوري) كل المشاركين فيه، فإيران لم تعد إيران محمد خاتمي بعد وصول أحمدي نجادي لمقعد الرئاسة وارتفاع أسهم الحرس الثوري في الدولة الإيرانية، كما أن سوريا اليوم لم تعد سوريا حافظ الأسد. لهذا كله نرى هذا التخبط وهذا الردح العربي المثير للضحك والذي نتمنى صادقين أن نتجاوزه لجمع الاصطفاف العربي الإسلامي وتوحيد الكلمة على ثوابت الأمة والخروج من عنق الزجاجة للتسامي لآمال شعوب المنطقة وأحلامها بالعزة والكرامة.
* كاتب سعودي