تصعيد واتهامات متبادلة

د. عناد السرخي*

[email protected]

لازالت وتيرة الاحداث في تصاعد بين اطراف الخلاف، كيل الاتهامات المتبادلة وكشف المزيد من الحوادث المؤلمة اصبح عنوان مرحلة ما قبل الجولة القادمة التي سنهبط معها الى الدرك الاسفل من الخزي والعار. الفئويون والمتشدقون لا هم لهم الا صب الزيت على النار المشتعلة.العقائديون اجازوا لانفسهم سفك الدماء والتخوين بفتوى من عمامة مجهولة الهوية والعنوان،الا انها فتاوٍ شرعت ذبح من هم في حكم المتعاونين والخونه،وفي الطرف الاخر من معادلة المواجهة تنتظر شلة ما لتصفية حساب فاتورة الانقلاب.اتجاهات تحيد نفسها وتتبرأ واخرى تتحالف وتؤلف لجان انقاذ ومصالحة والبعض نصب شباكه ليصيد في المياه العكرة. فئة تحلل وتفند الاسباب توجه الاتهامات وتوزع الادوار،يريدوننا ان نفهم ونعي ويتوقعون منا ان ننحاز كجماهير الى هذا الطرف او ذلك، الا اننا لن نفعل لاننا شعبا ووطن فوق كل انتماء واسمى من كل الولاءات.

ساحتنا الفلسطينية غدت ميدان مواجهة وتصفية حسابات ولا تزال قبلة للمتآمرين وحقلاً للتجارب والنظريات ومحط استهداف شامل بترابها وشعبها واحلامها. لسنا بخير ولن نكون ما دمنا على حال كهذه فيها نأكل بعضنا بعضا. لازالت فتح تصر على موقفها والامر كذلك لدى حماس، ما كبل نوايا المصالحة وما وأد محاولات اطراف عزيزة من التدخل بما فيه الخير،فألى أي مستنقع نسير وبأي منظار نرى الجديد القادم واية فئة باغية نقاتل ونحن لا نملك الارادة لمواجهة الحقيقة المره التي اصبح عنوانها الفشل والفوضى وغياب التخطيط والعفوية. حماس التغيير والاصلاح هي مشروع انقلاب سياسي منذ اعلان رغبتها في دخول العملية الانتخابية عندما اعلنت عدم اعترافها بمنظمة التحرير ومؤسساتها.لقد دخلت الى واقع مشرع دون قيود ودونما احترام والتزام بكل الاتفاقات المبرمة. اطراف محلية واقليمية واخرى دولية ظنت انما تجر حماس الى حتفها وبالتالي تعريها ومن ثمى تحتويها كاتجاه جديد ربما يكون نموذجا مهجنا لاطر اسلامية التوجه ترغب في دخول معترك السياسة والحكم.لكن حماس ليست الا ذراعا لحركة كبيرة لا تقوى على اتخاذ قرار دونما اشارة من الدماغ. ومع كل تاريخ فتح العظيم وانطلاقة حماس الرائعة الا انهما وقعا فريسة قوى الاستهداف وهما يسيران الان باتجاه دق الاسفين الاخير في نعش القضية الفلسطينية في هذه المرحلة التي تنهي فيها اسرائيل خواتم فصول خطة الفصل من طرف واحد.

تعرضت حركة فتح الى محاولات اضعاف مبرمجة منذ توليها السلطة، تحول كوادرها الى موظفين وافرغت من طاقات كانت بامس الحاجة لها بين اسرى بالالاف وعناصر خارج الوطن وفئات متشدده في رؤيتها السياسية ،خرج بعضهم ليقاوم وانكفأ اخرون الى شؤونهم عندما عجزوا عن تصويب اوضاع الحركة، وفي اسوأ المراحل واكثرها حرجا من عمر الحركة استدعي الفتحاويين لخوض غمار المعركة الانتخابية الثانية بجيش مشتت ومواقف متباينة، حسمت جميعها نتيجة النصر لحركة حماس التي تمنينا مشاركتها لنا في السلطة والادارة ليجتمع شمل قوانا الوطنية تحت قبة الشرعية الفلسطينية. انتهجت حماس اسلوب التعينات السياسية بين ترقيات وتوظيف بالجملة والى تأسيس قوى امن خاصة، وبهذا لم تكن افضل منا حالا وفي اقل من ثلاثة اشهر اصبحنا سلطة برأسين لم يجتمعا الا وعبر كل منهما عن دعمه للاخر واعترافه به مع ان واقع الامر كان غير ذلك. تحفظ كل طرف على تجاوزات لفترة طويلة ودخل الطرفان الى سياسة الفعل ورد الفعل وباءت كل محاولات الاصلاح بالفشل الى ان عصفت بنا لحظة الانقلاب التي جعلت منا منقسمين على انفسنا في غزة والضفة. ولو اننا ملكنا طائرات مقاتلة ومدفعية طويلة المدى لبتنا الان نازحين على الحدود الاردنية والمصرية. فهل تستمر هذه القطيعة، وهل نظل على حالنا هذه حتى يتعمق الشرخ، يلاحقوننا في غزة ونعتقلهم في الضفة، نقتحم مؤسساتهم ويحتلون مواقعنا، حكومة هنا واخرى هناك.

ربما تكون حكومة الطوارئ بكوادرها بغير فتح وحماس هي مطلبا وطنيا وشعبيا من الدرجة الاولى، فهي اليوم خيار لابد منه اذا ما وازنت بين اطراف المعادلة الفلسطينية بعدل وحزم فلا ضير في استمرار ادائها كحكومة انتقالية لحين اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ظل ظروف افضل واجواء سليمة، وليس على حماس الا ان تعترف بهذه الحكومة كمقدمة لفتح حوار جدي وحقيقي مع التأكيد على حفظ حق الشعب الفلسطيني بمحاسبة كل من تطاول وقتل وأعاث في الارض فساداً كان من كان ولاي سبب كان. لن يخرج من هذه المعادلة فئة رابحة انما الخسارة من حظنا جميعاً لاننا ابناء جلدة واحدة وعلى ارض واحدة. لقد انقسم البيت على نفسه والاسرة على نفسها وباتت حماس وفتح تحصدان الخسارة والمواقف السلبية، الناس في حيرة يشتمون ويتلامزون ولا يخالطنا غير الاسف والخجل.

اطراف دولية واقليمية تقف موقف المتفرج واخرى غيرت من مواقفها في محاولة لحفظ التوازن بين اطراف الاقتتال واخرى تغذي الفتنة والقطيعة، فهل نشهد عمليات انتحارية او اشارات تصالح، اخشى ان نقع في المحظور بسبب وجود عناصر متعصبة لا تقدر المصلحة الوطنية وروح الوفاق العشائري والعائلي في الضفة الغربية. هذه الروح وتلك الاتجاهات التي ابدت يقظة عالية وحسا رفيعا بمواجهة ما يخشى حدوثه، لكن الطريق الى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة التي لا تحول دون درء الفتنة التي لازال يغذيها البعض بتحليلات واتهامات ومؤامرات قديمة جديدة كما لو لم يكن للعالم شغلاً غيرنا.الحقيقة هي ليست في حدود المؤامرات والمتامرين بل في الادوات التنفيذية التي انتهجت سلوك التآمر وقبلت ان تكون مجرد ادوات للتخريب والافساد والقتل. ان هذه الادوات ليست قوات كوماندوز تابعة لدول اخرى وهم ليسوا من العالم الاخر، بل فئات من بني جلدتنا معروفين لنا بالاسماء والاتجاهات وما اطلاق ايديهم العابثة في واقعنا، الا لسبب خشيتنا من قول الحقيقة وحيادنا الجبان. لا حاجة بنا للمقنعين بعد اليوم نريد ان نظفر باعين المتربصين بنا، ولا مصلحة لنا برؤية المدججين بالسلاح وذوي العضلات المفتولة،فلربما نحن الهدف ودائرة اعداء الوطن قد توسعت والعقبى لمن يعيش يومه بسلام.

لا يفترض ان نخلط الاوراق فسلاح المقاومة شئ وسلاح البلطجة شئ اخر، الاول ثوري وشريف والثاني سلاح غادر وجبان. يجدر بنا ان نحسن التمييز ونجيد الفرز والا اختلط الحابل بالنابل، اذ لا يعقل ان نطلق العنان لعواطفنا ونأتي بتقليعات وطنية هي اقرب بالاعمال المشبوهه منها الى مصلحة الوطن. سبق وان دس في صفوفنا العملاء والخونة، تلبسوا اعمالنا واقنعتنا وشخوصنا واشتبه الامر علينا الى دجة عالية، ما كنا نجرؤ على مواجهتهم خشية وقوعنا بالمحظور، فقد وسمنا الملثم بالوطنية المطلقة والمسلح اياً كان بالثائر المخلص.

 ان الالتزام المطلق بالمصلحة الوطنية وروح العمل الوطني الهادف والملتزم هو مسار الاحرار والسلوك الواعي القادر على فرز الغث من السمين لنتقيأ بالحكمة والوعي والقانون المندسين في صفوفنا اما سلاح المقاومة فهو سلاح مقدس ومنزه عن الانزلاق في مهاوي الاشتباه، وهو مطلب وحاجة طالما نواجه واقع الاحتلال به، والى ذلك لابد ان يكون هذا السلاح رديفا لقوى الامن الشرعية وحاميا للمشروع الوطني ومتلمسا الى اقصى مدى ممكن عواطف الناس قلوبهم وعقولهم والا ففي الامر اشتباه وفي سلوكنا جهالة.

              

* .عناد السرخي أستاذ التاريخ في جامعة القدس.