جدار برلين..
ومتى جدران العرب؟!
محمد فاروق الإمام
في التاسع من تشرين الثاني الحالي مرت الذكرى العشرون لسقوط جدار برلين بعد 28 سنة من إقامته، بانتفاضة شعبية ألمانية استمرت لنحو ثلاثة عقود تقريباً، لم يبخل الألمان بأرواحهم في سبيل تهديمه وإسقاطه، فقدموا مئات الضحايا وآلاف المعتقلين، والآلاف من المهجرين والمنفيين ممن تمكنوا من اجتيازه نحو الحرية والأهل والعشيرة.. وسقط الجدار وتعانق الأهل والأحباب وعادت برلين إلى سابق عهدها عاصمة لألمانيا الموحدة.
نحن العرب وقد مضى على الجدر التي مزقت خريطة العرب وقسمتها نحو قرن من الآن بفعل اتفاقية (سايكس- بيكو) فرضها الاستعمار (الأنكلو- فرنسي) علينا، وارتضيناها بطواعية بعد أن تنسمت بلداننا الحرية والاستقلال، فأعلينا بنيان هذه الجدر ومتّنا أساساتها وزدنا عليها أسلاكاً وألغاماً، وبوابات تفتح بأوامر عليا وتغلق، وشعوب بين البوابتين تتمرمط وتتبهدل وتهان وتسب وتلعن، وقد يسمح للبعض العبور أو يمنعوا بحسب مزاج الخدم والعبيد.
هذا بين العرب والعرب.. أما الجدر التي بين العرب وحكامهم فحدث ولا حرج.. فالجدر هناك أعتى وأمر وأصعب.. فهناك ألف جدار وجدار.. ووراء كل جدار ألف حكاية وحكاية، وكلها ببداية ولا نهاية!!
والضحايا هم الشعوب المقهورة بالقوانين والمراسيم والقرارات، والأحكام الفاشية، والبيروقراطية المقيتة، والشمولية الخانقة، والوصاية المفروضة، والحرية المصادرة، والمكاييل والموازين المختلة، والتمايز والانتقاء، والرفض والإقصاء، والنفي والإبعاد، والمعتقلات والسجون، والمقابر الجماعية!!
شعوب استمرأت الذل والمهانة.. والقهر والعبودية، فلم تعد لكلمات ابن الخطاب صدىً: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).. ولم يعد بين هذه الشعوب عمرو كي (يشب عن الطوق)، ولم تعد آذاننا تصيخ السمع لكلمات شوقي:
بـلادٌ مـاتَ فـتيتها وحُررتِ الشعوبُ على قَناها ولـلأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ فـفـي القتلى لأجيالٍ حياةٌ ولـلـحـريةِ الحمراءِ بابٌ | لتحياوزالـوا دونَ قـومهمُ ليبقوا فـكيف على قَنَاها تُسترَقُّ؟ يـدٌ سـلفت ودينٌ مستحقُّ وفي الأسرى فِدىً لهُمُ وعتقُ بـكـل يـدٍ مضرَّجةٍ يُدقُّ |
ورحم الله الشاعر معروف الرصافي الذي كان يحاكي حال العرب وما هم فيه عندما يقول:
يـا قوم لا ناموا ولا تستيقظوا وتأخروا عن كل ما ودعوا التفهم جانباً أما السياسة فاتركوا | تتكلمواإن الـكـلام مـا فـاز إلا النوم يقضي بأن تتقدموا فالخير أن لا تفهموا أبـداً ولا تـندموا | محرم