من إعلان دمشق إلى البرلمان في المنفى

فريد الغادري 

رئيس حزب الإصلاح السوري 

واشنطن

نتيجة لافتقار الساحة السياسية السورية لمبادرات تتجاوز التقليدي والشائع المسموح به من قبل النظام، إضافة للحاجة التي يتلمسها الجميع لرأب الصدع ورص الصفوف لتحقيق هدف مشترك يتم تلقف أية مبادرة ووضعها على بساط البحث والتمحيص. تأتي أهمية إعلان دمشق من عدم سيطرة النظام على ولادته، وقد لعب دورا توحيدا في إطاره العام لأطراف المعارضة إذ حمل تقاطعات من أغلب برامج أطيافها، ولكنه لم يستطع أن يكون ترجمة تنفيذية لمطلب التغيير الشامل ولم يشكل تهديدا صريحا وفاعلا لأركان النظام القائم، لأنه لم يعتمد استراتيجية وتكتيك محددين، واقتصرعلى تبني أفكار حيوية تهم الجميع. لقد نال إجماعا فيما يخص الثوابت، ولكن تفرقت الآراء ودونت الملاحظات والتحفظات على وجهات النظر بهذا الجانب أو غيره، والتي يمكن أن تبحث على طاولة مستديرة لا تستثني أحدا ومن ثم يصار لتذليلها أو الاتفاق على صيغة وفاقية بعيدا عن الدونية والإقصائية.

لابد للمعارضة كي تنجح وتحقق أهدافها السامية أن تركن لاستراتيجية عملية ووسائل وأدوات ناجعة حتى تستطيع سحب البساط من تحت أقدام النظام. ولا يمكن التعويل على إعلان دمشق بصيغته الحرفية واعتماده كوثيقة حل إستراتيجي لخلوه من إمكانية تشكيل خطرعلى النظام سوى تلك المحفزات التي تجعلنا نجلس معا ونتحاور حول الأساسيات والثوابت. ورغم كل العوائق والعقبات يمكن القول أن جسور الاتصال ممتدة، والتواصل متوفر رغم طوق الحاجزالأمني المفروض بين المعارضة الطليقة والمعارضة المحاصرة. وهذا ما فعلناه على مدار الأشهر الماضية وهو ما سنفعله مستقبلا. إذ حققنا تواصلا عمليا بين الشق الأسير والطليق من المعارضة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن اجتماعات المعارضة الواقعة تحت الحصار الأمني لا تتمتع بحرية كي ترفد المعارضة بمجملها بما لديها من رصيد وقدرات كامنة. لا نرى حلولا بديلة لهذا الوضع سوى متابعة التواصل العلني أو غير العلني ونعقد لقاءات خارج حدود الوطن. إذن ما هو الحل في ظل هذا الواقع السائد لوضع استراتيجية شاملة لإسقاط النظام؟

 هل نعتمد مبادرة رياض الترك التي تنطوي على حسن النوايا لنقل البلد بسلام من الدكتاتورية للديمقراطية؟ هل يمكن اعتماد آلية سلمية وشفافة تعنى بشأن المواطن السوري وتحمي الوطن وتحافظ على كليته للكل؟ هل يمكن أن يتنازل بشار أسد عن عرشه ثمنا للحفاظ على الوطن وسلامته؟ أم نبحث عن حل سلمي آخر بمزيد من البراغماتية مستفيدين من حرية تحرك المعارضة الطليقة مع ما يتناسب ويتجاوب مع مبادرة الترك؟ وهل يتضمن هذا الحل استراتيجية الإطاحة بالنظام ويضعها نصب عينيه من دون النيل من أية من الثوابت الوطنية أو التعرض لها بما يسيء مستقبلا وتحسب كافة الاحتمالات لمرحلة ما بعد الحكم القائم؟

لابد أن نبحث جميعا لتبني استراتيجية موحدة نحو حلا وفاقيا يتصف بالبراغماتية والآنية ويتجاوب مع متطلبات الواقع الشعبي ويكون بمثابة عامل توحيد لمجمل مطالب الشعب السوري وسند أساسي له، وأن يساهم بفرض الديمقراطية كحل عملي واقعي على المجتمع الدولي باعتباره مطلب جماهيري لكسب مساندته ودعمه، وسيتم ذلك دون كثير عناء فيما لو اجتمعت على هذا الرأي المعارضة والشعب تحت إرادة واحدة وأهداف محورية مشتركة، ولن يكون بمقدور المجتمع الدولي حينها تجاهله أو إهماله. نخلص للقول أنه طالما أن الديمقراطية مطلب مشترك للجميع في وطننا، يفترض أن نباشر اعتماد استراتيجية تنفيذية ولن يستطيع حتى المجتمع الدولي الوقوف بوجهنا أو إعاقة مطلبنا طالما أن مصالحنا لا تتعارض أو تهدد المجتمع الدولي بشيء، حيث تلتقي مصالح الشعب السوري المعلنة مع مصالح المجتمع الدولي معا، وذلك يمثل فرصة ثمينة لشعبنا بوسعنا عدم تفويتها واستثمارها وفقا للمصلحة الوطنية.

ولكي ننتقل من إعلان دمشق الموحد بين أطياف المعارضة السورية إلى استراتيجية تنفيذية نقترح عقد اجتماع وطني شامل تتمخض عنه هيئات تشريعية وإدارية مؤقتة تشرف على إدارة المرحلة القادمة ويكون بمثابة برلمان مرحلة انتقالية يمنح شرعية وطنية ويوحد صفوف المعارضة ليس بالخطابات والبيانات فحسب، بل بالعمل الفعلي والتنفيذي أيضا. وأن يتم تشكيل لجان فاعلة تمارس مهامها وتعمل على سحب البساط من تحت أقدام الأجهزة الحكومية القمعية التابعة للنظام وتمارس صلاحياتها الفعلية لتكون بديلا يعتمد عليه الشعب والمعارضة وتنال ثقة المجتمع الدولي ومباركته كي تتمكن من ترسيخ وتثبيت نظام ديمقراطي حر في سوريا الجديدة. هذه الهيئة قد تأخذ  مسمى برلمان منفى أو أي شيء مماثل تعتمدها المعارضة لتنفيذ استراتيجيتها بغية تسريع سير عجلات التغيير الديمقراطي. وهو مقترح نعتقد بنجاحه وهو رأي يمثل تقاطع لمجموع آراء أخرى.

يجب أن يكون هذا البرلمان ذو طابع ديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار راهن الحال المتمثل بالطوق الأمني المضروب حول عنق المعارضة الواقعة تحت هيمنته وكافة قوى الشعب الأسيرة، وكذلك القوى المعارضة الطليقة ويحملها مسؤوليات وطنية تتناسب مع وضعها وتكون قادرة على أدائه، مستفيدين من إمكانية إطلاق يدها ونشاطها بحرية بغية تحقيق أهداف المجموع، ومن أهم الآليات التي ينبغي اعتمادها من قبل البرلمان:

1- تكوين هيئة تشريعية مكونة من 250 مقعدا كما هو الحال في مجلس الشعب السوري الحالي.

2 - تخصيص نصف المقاعد للأحزاب السياسية ونصفها للمستقلين من أشخاص أو مؤسسات مدنية.

3- تخصيص 101 مقعدا للمعارضة الطليقة الناشطة خارج الطوق الأمني تتوزعها قوى المعارضة والمستقلين، وتقرر المعارضة إما انتخاب تمثلها من صفوفها أو تعيين أشخاص من عندهم في المرحلة الانتقالية.

 4- تظل المقاعد الباقية وعددها 149 مقعدا شاغرة لوقت ما بعد إسقاط النظام ويتم ملئها من صفوف الشعب ومكوناته المحاصرة حاليا من النظام. إما عن طريق الانتخابات أو التعيين.

5 – يتمخض عن البرلمان لجان تنفيذية تهتم بالعلاقات الخارجية والداخلية وحقوق الإنسان ولجان أخرى للرقابة والشفافية والحقيقة والمسامحة ولجنة خاصة لصياغة الدستور، وتتصف بالمعايير النافذة وتموّل من رجال أعمال سوريين وعرب ومساندي الديمقراطية بالعالم.

6- يكون البرلمان مؤقتا لمدة سنتين اعتبارا من تأسيسه إلى حين وضع دستور ديمقراطي ويحل البرلمان تلقائيا. هدفه استقطاب الشعب السوري ووضع برنامج ديمقراطي معني بإقناع المجتمع الدولي بضرورة الانتقال من الدكتاتورية للديمقراطية.

7 – لا تؤخذ أية قرارات مصيرية دون أن تتفق عليها المعارضة بمجملها.

 مقترحات لهيئات إدارة المرحلة الانتقالية تتلخص في عقد اجتماع وطني عام يشارك فيه أوسع طيف سياسي وشعبي من أفراد وأحزاب وتنظيمات ومؤسسات مجتمع مدني وينتخب برلمان الحكم الانتقالي تتمخض عنه مؤسسات تنفيذية وتسمى لجان أو مكاتب وفقا للإصطلاح الساري في سوريا، يضع البرلمان قانونا أساسيا يحكم عمل المؤسسات ، وعدد من اللجان المتفرعة وذات خصوصية مثل لجنة حقوق الإنسان، لجنة النزاهة والمساءلة الوطنية، هيئة الحقيقة والقِصاص والمصالحة الوطنية،  لجنة القضاء، لجنة الإعلام، اللجنة الوطنية للاتصالات والإعلام، لجان محاسبة ومراقبة.

يتم انتخاب مديري مكاتب (لجان) المجلس التنفيذي بشكل منفرد من قبل المؤتمر العام وتنتهي مدة ولايتهم في الاجتماع السنوي التالي ويمكن أن يجدد انتخابهم بأغلبية عادية (بسيطة). ويدير اجتماعات المجلس التنفيذي رئيسه المنتخب وله نائب واحد على الأقل.

يتوزع أعضاء المجلس التنفيذي المكاتب (لجان) التالية: المعلومات والأمن، المالية والإدارة، إدارة المحافظات، العلاقات الداخلية، العلاقات الخارجية، المجتمع المدني، الإغاثة وإعادة البناء، حقوق الإنسان، مكتب فرعي ملحق بمكتب أساسي يرعى شؤون الأسرة السورية. ويتم تشكيل هيئة رقابة مالية ذات صلاحيات للكشف على كافة سجلات الوارد والصادر ومسك دفاتر المحاسبة التي تخص كافة الهيئات.

 يجب أن يجتمع المجلس التنفيذي مرة على الأقل كل شهر، ويمكن الدعوة للاجتماع من قبل الرئيس أو نصف أعضاء المجلس التنفيذي.

فيما لو كرست المعارضة السورية سعيها لتشكيل البرلمان تكون قد أنجزت أهم خطوة لتحاشي المخاطر المستقبلية المحدقة بالوطن والتي قد تحدث فيما لو تم إحداث فراغ سريع ومفاجئ. تتحمل المعارضة مسئولية تاريخية لتجنب تكرار ما حصل بالعراق من أخطاء أمريكية جعلت الساحة العراقية منبع عنف وثأر. ويمكن تجنب هذا بتشكيل برلمان المنفى قبل سقوط النظام ضمانا للإنتقال السلمي للسلطة. ويضع البرلمان آلية إدارة المرحلة الجديدة. وهناك جزء من الشريحة السياسية السورية التي تنتمي وتدعم الحكم الحالي لن تشارك في هذا البرلمان. على المعارضة أن تضع مبادرة جديدة على قاعدة المبادرات السابقة تستوعب هذه الفئة رغم ضآلتها بغية عقلنة الانتقال الديمقراطي.

وبصفتنا فصيل متواضع من المعارضة السورية بشقيها الطليق والأسير تأتي أطروحتنا هذه كفكرة مجردة ولن نتمكن من إنجازها قبل تحقيق هدفين أساسيين:

أولا – نيل المشروع موافقة أغلب أطياف المعارضة والقيام بتعديله وتصويبه وفقا للمصلحة الوطنية العليا.

ثانيا – أن تتوحد المعارضة السورية وتلتف حول برنامج موحد وفاقي يتضمن هذا المشروع.

هدفنا من إطلاق هذا المشروع الآن هو طرح الفكرة للتداول. وتظل وسيلتنا الأساسية مد يد العون والتنسيق مع جميع أطياف المعارضة السورية بغية تعليل ما نرمي إليه وإقناعهم التوصل معا لحلول تنفيذية بعد إعلان دمشق تستند على عمل فعلي يجد بديل ديمقراطي عن بشار أسد وحاشيته. تلك هي الفكرة الأولية، وستتبلور بالحوار والتعديل ونشجع جميع أطياف المعارضة المشاركة في هذه العملية، باعتبارها تعكس واحدا من الحلول يكتب له النجاح فيما لو نال دعم ومساندة أغلب أطياف المعارضة ويؤتي أكله مكللا بإسقاط النظام في دمشق وبالتالي من شأنه أن يجلب الحرية للشعب بأكمله في وطننا الغالي، منبت الحضارات العريقة والتراث الغني الذي نعتز به جميعا.

رغم ما يشيع إعلام النظام عن ضعف المعارضة السورية مرفوقة بعملية جلد الذات المحبطة أحيانا، لابد من الإشارة إلى أنه خلال السنتين الأخيرتين مرت المعارضة بظروف صعبة على الصعيد التنظيمي والفكري، إذ حصلت عملية اصطفاء طبيعي وفرز استلزمته شروط التطور الاجتماعي في هذه المرحلة، وتمكن كل فصيل من تحديد موقفه من مسألة وجود النظام وصلاحيته. جاء هذا الفرز بعد إقرار معظم الفصائل بعدم إمكانية الإصلاح وضرورة التغيير، فتم تبني المطلب الشعبي، الأمر الذي وحد الرؤى لدى الأغلبية نحو الهدف الأساسي، وبفضل هذا التماهي بين أطروحات المعارضة والمطلب الشعبي صار بوسعنا الجزم وبقوة على قدرتنا التامة بتحمل أعباء مسؤولية إسقاط النظام. من هنا تأتي ضرورة التكامل بين النظري والتنفيذي ولن يتأتى تحرير البلد بالخطب والبيانات ولابد من ترجمة الأقوال إلى أفعال.