دور الدوائر الحمراء المسطنعة في تحطيم النفوس
دور الدوائر الحمراء المسطنعة في تحطيم النفوس
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
في جامعة تشرين سنة 1978 كان يدرسنا استاذ جامعي مادة الثقافة الإشتراكية في ذلك الحين , من بيت جحجاح , طويل القامة نحيف الجسم شعره مائل للصفار مجعوك وغير سرح أصلع من الأعلى يقلب الشعر الباقي من المنتصف من جهة ما من الشعر الباقي على الجوانب , وعندما يتحدث كأنه راقص باليه خريج الإتحاد السوفيتي .
كان يلقي إحدى محاضراته عن الإشتراكية وتطبيقاتها وإيجابياتها فناقشه أحد الطلبة معارضا لفكره . ولما اشتد الحوار بينهما , مما أدى بالمحاضر أن يخرج عن طوره المعتاد في الرقص الراقي ليقول مخاطبا له وللجميع :
(اسكت وإن لم تسكت فسوف أضعك في الدائرة الحمراء وإذا وضعتك فيها فلن تخرج أبدا ) .
دوائر حمراء وحمراء وضعت وتوضع حول الجماعات والأفراد والأوطان وتبقى صامدة لاتزول وحتى لو زال سبب وجودها وانتفى تطبيق عملها بالكامل .
فهاهو جحا عندما تبرع لتعليم الحمار القراءة أمام السلطان في مدة لاتقل عن الأربعين سنة , وسالوه كيف قبلت العرض وهل الحمار يستطيع التعلم فقال Lإما يموت السلطان ,أو يموت الحمار او أموت انا) .
لكن في مجتمعنا العربي الدوائر الحمراء كثيرة ومتعددة الأوجه وكلها تتجه باتجاه واحد تحطيم النفوس الحرة في هذا الوطن .
في سوريه صدر قانون الطوارئ وغيرها من البلدان في ظروف حرب وثورة وانقلاب في البلد خوفا على النظام وبحجة العدو الخارجي وحالة الحرب المتوقعة في أي وقت .
دائرة حمراء كبيرة أحيط بها كل الشعب لتصبح اليد الطولى للأمن والذي تم إنشاؤه على أساس الموالاة وليس الكفاءة في غالبية الأمر ليسرح ويمرح داخل هذه الدائرة الحمراء مايريد فعله وحسب هواه فلا قانون يحكمه ولا محاكم والمهم حر في تصرفاته وزلفى لمرؤوسيه.
مع أن الذي وضعوا هذه الدائرة الحمراء كلهم ماتوا أو خارج السلطة والدائرة الحمراء مازالت .
أسبابها زالت ولا حرب والنظام مستقر له الأمر فما الحاجة لهذه الدائرة وهذا القانون ؟
دبت الفتنة في سورية في نهاية السبعينات والقتل والدم يسيل ويجري في كل مكان واتهم الإخوان بذلك وصدر قانون ال49 كدائرة حمراء أخرى أحيط بها المجتمع السوري . واستقر الأمن وأعلن المقصودين بالدائرة الحمراء ْنبذهم للعنف واستقر الأمر في البلاد ومات صاحب القرار , وما زالت تلك الدائرة تحيط بالكل مع دائرة الطواريء تلك .
في ديننا الإسلامي الحنيف وفي شرعنا يحذر فيه رب العالمين من الحقد , ويصف أهل الجنة بقوله سبحانه وتعالى (ونزعنا مافي قلوبهم من غل......) . والتوبة بابها مفتوح لايغلق أبدا . وادفع السيئة بالحسنة تمحها .
فمن أين جاءت هذه الثقافة طالما ثقافتنا مبنية على الحب والتسامح وعذر الصديق .
أحيطت بي دوائر حمراء كثيرة ممن معي وممن حولي ومن نظام بلدي وعشيرتي , وهذه الدوائر مع قدمها مازالت صامدة ولم أتمكن من إزاحة إحداها أبدا ولم يمحها من وضعها بعد مرور أكثر من ربع قرن عليها .
ولو بقيت هذه الدوائر محيطة بصاحبها لكان خف وسهل الوقوف فيها , ولكن الأدهى والأمر من ذلك تكون ورثة لذريته في حياته وبعد مماته وهكذاتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل . ولو كان من وضع في هذه الحالة عالم من علماء العصر .فبدلا من أن يورث علمه إلى شعبه والعالم يورث دوائر ودوائر اتهام لايمكن أن تخرج من ورثته أبدا .
وضع القانون والقضاة لتحديد التهمة والحكم على أساس القانون , فما من فرد أذنب وحوكم إلا وتلفه تلك التهمة له ولورثته من بعده , أليس الحكم هو تكفير عن الذنب الذي اقترفه الشخص؟
ولكن عندنا دائرتك التي وضعت حولك لن تخرج منها أبدا لاأنت ولا من خرج من ظهرك ولتطول كل الأقربين والأصدقاء .
مع أن ثقافتنا (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .وورثت تلك الحالات إلى الجماعات والأفراد والناس على دين ملوكها .
أنا والسلطان على خلاف معارض له أختلف معه في وجهات النظر فما ذنب ورثتي سيحاطون بوثيقة أبو جهل والتي علقت على الكعبة تدعوا للحصار على محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه , مع أن الوثيقة ليست هذه المرة لامن الأمن ولا من السلطان ,لكن من فكر فيها ويعمل عليها يحسب نفسه بعمله هذا إرضاءا للوالي , مع أن الوالي يقول مدافعا لا .. لا..لا (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .
كثير من النفوس بسبب هذه الرسومات المنحنية قد حطمت وكثير من الحقوق اغتصبت وضاعت .والكثير الكثير من الدماء سالت والآلام مستمرة بسببها .
فالواجب علينا وعلى الجميع محاربة هذه الثقافة والتي بسببها فقدنا كل شيء ويشار إلينا بالبنان وعلم على رأسه نار في التخلف والظلم والتقهقر إلى الوراء حتى وصل بنا الأمر من تقهقرنا لانجد أحدا خلفنا.