الأمة الإسلامية بين التغيير الحقيقي والتغيير الشكلي

المهندس طارق حمدي

الأمة الإسلامية بين التغيير الحقيقي والتغيير الشكلي

المهندس طارق حمدي ـ بريطانيا
[email protected]

عندما نسمع بخبر نجاح انقلاب في بلد إسلامي نشعر بتفاؤل يشوبه الحذر، فالأمة تتطلع وتسعى إلى تغيير الواقع الموجود ولكن التغيير المنشود هو تغيير السياسات وليس فقط تغيير الأشخاص. فكم من مرة تغير الحاكم ووصل إلى الحكم وجه جديد ورأيناه يستمر في نفس السياسات.  فمثلا عندما قامت الثورة في إيران عام 79 ضد الشاه فرح المسلمون ولكن فرحتهم تحولت إلى إحباط بسبب سياسات إيران ومن بينها مساندة أميركا في حربها ضد المسلمين فقد صرح عدد من الساسة الإيرانيين بأنه لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد (الجزيرة: الاتجاه المعاكس 22 / 02 / 2005 ).

ولذلك عندما نجح انقلاب موريتانيا تساءلنا إن كنا سنرى نظاماً ينعتق من التبعية للغرب، خاصة أن النظام السابق معروف بعلاقاته الوطيدة بالغرب و"إسرائيل" ومكروه وسط الأمة، وفي ذلك يقول وزير الخارجية 'الإسرائيلي' سيلفان شالوم قبل زيارة قام بها إلى موريتانيا في مايو الماضي: "إنها زيارة مهمة إلى بلد رفض قطع علاقاته مع ‘إسرائيل'... لقد تحملت موريتانيا ما لا يمكن تحمله، بما في ذلك محاولتان انقلابيتان طالب مدبروهما بقطع العلاقات مع 'إسرائيل''.  وقد ذكرت الحياة في 5/8 أن المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية )الذي قام بالانقلاب) أعلن في البيان رقم 1 التزامه بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية ويعني هذا صراحة الإلتزام بقوانين ومواثيق الأمم المتحدة وضمنيا بإبقاء العلاقات مع إسرائيل.

إن الأمة تتشوق إلى سماع البيان رقم 1، ولكن هذا البيان لن يعلن الالتزام بقوانين ومواثيق الأمم المتحدة بل على العكس سيعلن استقلال الدولة سياسيا عن الغرب، فسيعلن انسحابها من عضوية الأمم المتحدة الظالمة ذات المعايير المزدوجة، والمنظمات الفاسدة كالجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، فكلها منظمات أسست لتطبيق سياسات الدول الاستعمارية، خصوصا سياسات أميركا، وينطبق عليها واقعيا مقولة جون بولتون سفير أميركا الجديد عندما قال عام 2000 إن مجلس الأمن يجب أن يكون فيه عضواً واحداً فقط وهو الولايات المتحدة الأميركية. وبدلا من لقاء سفراء أميركا وفرنسا و"إسرائيل" لطمأنتهم على مستقبل العلاقات كما فعل حكام موريتانيا الجدد، فسيعلن البيان عن طرد وإقفال هذه السفارات، والإعلان عن إقامة معاهدات وعلاقات مع الدول التي ليست لها مطامع استعمارية كدول أسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وبعض الدول الأوروبية. وسيعلن البيان عن استقلال الدولة عسكريا فتقوم ببناء قاعدة صناعية لتصنيع الدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة، كما سيعلن عن السماح للدول والشركات بالاستثمار الاقتصادي في الدولة ولكن سيمنع الشركات الرأسمالية مثل شيفرون الاميركية التي تشارك في التنقيب عن النفط في موريتانيا فإن هذه الشركات هي سبب البلاء فهي التي تحكم أميركا وهي التي تحدد سياساتها في العالم.

لقد رحب زعماء المعارضة بالانقلاب في موريتانيا خاصة بعد أن أطلق النظام سراح العديد من السجناء رغم أن تشكيلة المجلس العسكري كما أعلتنها وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية غالبيتها برتبة عقيد وهى أعلى رتبة عسكرية في موريتانيا، ما يعني أن قرار الانقلاب على حكم الرئيس معاوية تم في أعلى هرم الجيش ومديرية الأمن، وقائد المجلس هو المدير العام للأمن الموريتاني وهو الذي وقف إلى جانب معاوية طوال الواحد وعشرين سنة الماضية وأنقذه من محاولتين انقلابيتين في السنين الماضية، لذلك وعلى الأغلب أن ما نراه في موريتانيا ما هو إلا تغيير لقناع بشع ازداد بشاعة بولائه إلى الغرب وتقربه إلى "إسرائيل"، فقررت الطغمة الحاكمة الإتيان بوجه جديد خوفا من نقمة الشعب، مع  استمرار نفس السياسات ونفس العلاقات مع الغرب. وربما يستطيع النظام الجديد أن يخدع الأمة لمدة من الزمن، ولكنها أجلا أو عاجلا ستكتشف هذه الخدعة السينمائية التي قام بها والتي يقوم بها غيره من الأنظمة، فالأمة ألان تبحث عن بديل حقيقي وجذري وليس مجرد تغيير شكلي.