دماء في الصين ..

وحفاوة في مصر !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا تتوقف الأنباء السيئة القادمة من تركستان الشرقية في الصين ( سينكيانج ) عن تدفق نهر الدم  من المسلمين المظلومين في ذلك البلد الشيوعي الذي يرتعد من  التبت ، ولا يبالي بمليار ونصف مليار مسلم في أرجاء المعمورة ! كل يوم يقتل  العشرات والمئات من المسلمين المقهورين من قومية الإيجور فضلا عن عشرات الألوف الذين يحتجزهم وراء الشمس ، ولا أحد يتناولهم في إعلامه أو صحفه ، أو يطالب بحقهم في الحياة الكريمة الآمنة المطمئنة ، بل النكبة الكبرى تأتي من الاحتفالات والحفاوة المبالغ فيها من جانب بعض العرب والمسلمين بالمسئولين الصينيين ، وبالصين العظمي ، وكأن القلوب الإسلامية قدت من حجر ، فلا إحساس ، ولا شعور تجاه ما يجرى هناك ، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى حد سماع الهجاء من بعض سفراء الصين ومندوبيها في حق المسلمين الصينيين ، ووصفهم بأوصاف جارحة هي أبعد ما تكون عنهم وعن طبيعتهم !

قالت الأنباء الواردة من الصين  يوم الخميس 3/9/2009م ؛ إن آلاف المستوطنين الصينيين إلهان في أورومتشي عاصمة التركستان ؛ قاموا بمظاهرات استمرت لعدة ساعات رافعين العصي والسكاكين واقتحموا أحياء المسلمين التركستانيين وهاجموا كل من صادفهم من المسلمين شبابا ونساء وشيوخا وقتلوا وجرحوا أكثر من أربعمائة مسلم خلال ساعات والأحياء التي اقتحمها المتطرفون إلهان : حي "ساندونغ بي" وامتد الهجوم إلى حي "بيمين".   لم تتدخل السلطات الصينية في أعمال الشغب  كعادتها حين تدخلت في الخامس من يوليو2009م عندما قام الشباب التركستانيون بمظاهرات سلمية وأطلقت الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين وقتلت أكثر من ستمائة شخص خلال ساعات المهاجمون إلهان أحرقوا  محلات، ومطاعم وسيارات التركستانيين في كل مكان.

وتفيد المعلومات الواردة من أورومتشي بمذبحة بشعة في عدة مساجد في أحياء ساندونغ بي و بيمين وامتلاء الجثث في المساجد ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا حتى الآن. ولكن السلطات الصينية طوقت مدينة أورومتشي من كل الاتجاهات ومنعت الدخول والخروج منها وفرضت حظر التجول.

علما بأن السلطات الصينية نقلت إلى تركستان الشرقية حوالي 350 ألف جندي صيني من المناطق المجاورة بالإضافة إلى أكثر من مليون جندي موجود في المنطقة ومع ذلك استمر عدم الاستقرار هناك بسبب الممارسات الجائرة بحق الشعب المسلم الأعزل. ومنذ 5يوليو2009م استمرت الاعتقالات والاغتيالات في صفوف المسلمين في تركستان حيث اغتيل الملحن والفنان ميرزات عالم بتاريخ 2/8/2009م في مدينة أورومتشي وألقيت جثته بعد التمثيل بها داخل سيارة مهجورة قرب بيته. وتقول بعض المصادر التركستانية بأن عدد المعتقلين التركستانيين وصل إلى 50 ألف شخص ..

المفارقة أن السلطات أعلنت عن هجمات غريبة من بعض الصينيين ضد أبناء العرقيات المختلفة بالإبر المسممة ، وحاولت إلصاقها بالمسلمين الذين ينتمون إلى عرقية الإيجور لتشويه صورتهم وتبرير مذابحها ضدهم ،وكانت الشرطة الصينية قد احتجزت 15 شخصا لوخزهم بعض المارة بإبر الحقن في أورومتشي، وقال تشو هاي لون ، رئيس لجنة الشؤون السياسية والقانونية بالحزب الشيوعي الصيني في سينكيانغ، إن الشرطة تلقت بلاغات من أعضاء المجموعات العرقية التسعة بما فيها إلهان والإيغور وهوي، والقازاق والمغول عن حوادث الوخز هذه.

بينما قال ين يويلين، نائب مدير الإدارة الصحية بالمنطقة، إن أحدا لم يصب بعدوى أو تسمم جراء هذا الوخز حتى الآن ..

و وسط تقاعس المجتمع الدولي عن نجدة المظلومين ووسط تجاهل المنظمات و الهيئات المعنية بحقوق الإنسان بما يعانيه الشعب الاويغوري ، تأتي الحفاوة البالغة من بعض العرب والمسلمين بالصين ومسئوليها. وتخرج منظمة هامشية اسمها اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا لتحتفل يوم 18/8/2009م بالسفير الصيني الذي أدان المسلمين في الصين ووصفهم بالخارجين على القانون الذين يهددون الوحدة الوطنية ، وقد حضر الاحتفال بالسفير الصيني في مصر الذي يجيد التحدث بالعربية عدد من الشخصيات المهمة من بينها أمين مجمع البحوث الإسلامية الشيخ على عبد الباقي ممثلا للأزهر الشريف ، رمز المسلمين في العالم ، وكأن ذبح المسلمين في الصين يجب أن يصادق عليه الأزهر المعمور .كما حضر مندوب عن أمين عام جامعة الدول العربية، وممثل وزير الأوقاف المصري! وقدمت السيدة وانغ فو، رئيسة تحرير مجلة ((الصين اليوم)) العربية ورقة بعنوان ((الحضارة الصينية والإسلام في الصين)). وقد أكد الجميع على عمق العلاقات والصداقة بين الصين والعالم الإسلامي، والتي تتطور بلا انقطاع نحو السلام والصداقة !

كذا يضيع الدم الإسلامي في قلب المجاملات الدبلوماسية الفارغة التي لا تقدم ولا تؤخر ، دون أن يتطوع واحد من الحاضرين ليسأل مجرد سؤال عن أحوال المسلمين في الصين وعدد ضحاياهم ، ومتى يتساوون على الأقل بأهل التبت ...؟

الغريب أن منظمة المؤتمر الإسلامي أرسلت وفدا إلى الصين ليتقصى أحوال المسلمين في الصين ، ولم يعرف أحد حتى الآن ماذا فعل الوفد وماذا قال ، وماذا قيل له ؟

ثم تسمع عن أخبار الوفود الوزارية التي تتدفق على الصين لدعمها اقتصاديا وتجاريا ، والترويج لصناعاتها المغشوشة ، التي تغمر الأسواق العربية من المحيط إلى الخليج ، لدرجة أن هناك محلات ضخمة تخصصت في بيع المنتجات الصينية الرخيصة من الإبرة إلى الآلات الكهربية وأدوات الاتصال والكمبيوتر وغيرها .. ولم يقل أحد من العرب والمسلمين لأهل الحزب الشيوعي الصيني أو قفوا ذبح المسلمين ، أو سنتوقف عن شراء بضائعكم المغشوشة حتى يجف الدم الإسلامي ؟

ثم تجد من الصحفيين والكتاب المصريين من يكتب مقالات مسلسلة يشيد فيا بالنظام الصيني والتقدم الصيني ، والانضباط الصيني ، دون أن يتفوه بكلمة عن الإجرام الصيني في حق المسلمين !

إننا ندعو كما دعت "ربيعة قدير" زعيمة مسلمي الصين في التركستان " السلطات الصينية إلى ضمان أمن كل الناس الذين يعيشون في تركستان الشرقية، بمن فيهم الاويغور والهان الصينيون".  

فهل تجد هذه الدعوة صدى لدي حزب شيوعي يعبر عن إجرامه بذبح المسلمين الذين لا بواكي لهم ، ولا نصير إلا الله ؟.