غزة اللعنة!
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
ارحموا أهل غزة
يبدو أننا نعيش في زمن لا قيمة فيه للكلمة التي كانت في يوم من الأيام أشد من السيف القاطع ، لأجل ذلك ترددت مؤخرا مرات كثيرة في الكتابة ، لكنني وجدت نفسي مندفعا ليس من حيث حب الكتابة ، فالكتابة مرهقة جدا وليس هناك ما يشجع عليها ، إلا أنني شأن الكثير من الذين يكتوون بنار الأوضاع التي آلت إليها غزة ، والتي لا اعلم وهي في حلكة سواد تلك الأوضاع ، إن كانت ترضي أحد أم لا ، علما أنها في مجملها سهلة التعامل معها ؛ إذا توفر كل من الإرادة والوعي وعمق المسئولية والانتماء .
صحيح أن مثل هذه الأوضاع والتي وصلت حد المأساة تقريبا في بعض الأحيان ، أو الكارثة في أحيان أخرى تحدث في كثير من بلاد العالم ، كما انه يمكن تفهم ذلك باعتبار أن ما يحدث هو ظواهر مجتمعية عالمية لا بد منها بفعل التداخل والتماذج والتفاعل ، وبفعل الأثر والمؤثر والتكنولوجية والانفجار السكاني إلى غير ذلك .... ، لأننا لسنا جمعاً من الملائكة ، ولا نعيش في كوكب المريخ ... ولكن ما يؤلم جدا إلى درجة الحزن والتفكير عميقاً هي ما وصلت إليه الأمور في غزة ، ذلك القطاع البسيط الصغير الجائع المحاصر، ونحن عاجزون عن وضع الحلول والتي من الممكن وضعها أو التخفيف من حدتها على الأقل .
حوادث السير يزداد وتيرتها يوما بعد يوم بسبب مخالفات السائقين في ظل غياب الضوابط والمراقبة ، وحوادث القتل الناتجة عن الشجار والعنف والفوضى في كل يوم تقريبا ، وحالات كثيرة من الموت غرقا حدثت على شاطئ بحر قطاع غزة ، التيار الكهربائي يتم قطعه عن البيوت بسبب تراكم الفاتورة وعدم القدرة على السداد ، بيوت مدمرة في كل مكان على امتداد القطاع وكرام الناس يعيشون تحت الخيام ، غلاء فاحش لا نظير له في العالم ، في ظل البطالة التي بلغت نسبتها أكثر من 60 بالمائة ، وفقر حاد لا يطاق ، والشركات أفلست وكثير من المصانع أغلقت أبوابها ، والمواطن لا يتمكن من بناء جدار لعدم توفر مواد البناء بسبب الحصار ، وضغط نفسي ضخم جدا ، وهموم متراكمة ومتعاقبة لا نهاية لها ، وقطع متكرر للكهرباء ولا اعلم إن كان في العالم كله أسرة تتسحر أو تفطر على الشموع أم لا ؟
الاحتلال يقصفنا من كل جهة ، ولا يرحم فينا صغيرا ولا كبيرا ، ولا يعبأ بحمساويا ولا بفتحاويا ولا بجهاديا ، ونحن نقصف بعضنا بعضا بأشد من قصف صواريخ الاحتلال .
مظاهر الأذى كثيرة ومتفشية في المجتمع الفلسطيني في كل مكان من قطاع غزة ، ومن السذاجة والجهل أن نعلق كل شيء على الاحتلال ، فالاحتلال لم يطلب منا أن تنهار أعصابنا لنطلق النار على أهلنا ونرديهم قتلى أو جرحى ، ولم يطلب منا قطع الكهرباء عن الأسر في هذا الشهر الكريم بسبب عدم دفع الفاتورة المستحقة ، ولم يطلب منا أن نخالف السير فتسيل الدماء ويسقط القتلى ....
فلذة أكبادنا يموتون تحت الأنفاق من أجل توفير حياة مقبولة للفلسطينيين في غزة ، والأطفال يصابون من ألعاب الفراقيع حتى أثناء الصلاة والمساجد مكتظة بالمصلين .... البيئة ملوثة والتربة ملوثة والمياه ملوثة ولا تصلح حتى للنبات والحيوان ، ووصل التلوث إلى مياه البحر بسبب عدم معالجة المياه العادمة ، والأمراض والأوبئة منتشرة بين أهلنا كالكبد الوبائي والسرطان ، والأمراض النفسية تزداد ، والمصلون يصلون خلف الإمام في السف الأول وبعد انتهاء الصلاة يصافح بعضهم بعضا ثم يطلقن النار على بعضهم البعض ، ويتحول من تصافح في المسجد قبل قليل إلى أعداء .... هذا ما هو ملموس في قطاع غزة ومن ينكره فإنما ينظر بريع عين .....
ولكي لا يعتقد احد أن سكان قطاع غزة مجموعة من الشريرين ، فالقطاع مليء بالأفاضل والكرام والطيبين ، الذين قدموا الغالي والنفيس ؛ من أجل الوطن والكرامة والحياة الكريمة ، وهم الذين تصدوا للاحتلال بنسائهم وأطفالهم قبل رجالهم وشيوخهم ، ولكنهم لا حول لهم ولا قوة ، شانهم هنا شأن كل شعوب الأرض المستضعفة والمغلوب على أمرها .
وفي نهاية المطاف لا تشكيل لجان تحقيق ، ولا محاسبة ولا مراقبة ، ولا متابعة ولا تدقيق ...فهل هذا هو برنامج المواجهة والتعبئة والإعداد من أجل النصر والتحرير ، وهل هذا هو مشروع المقاومة والجهاد من أجل فلسطين ، وهل هذه هي الرؤية الأيديولوجية التي يتم استقاء المشرب والرؤية والفكر والنهج والسلوك منها ؟ .
كم كنت أتمنى شان الكثيرين مثلي تشكيل لجان متخصصة تبحث حل هذه المشكلات ؛ للحد من ظاهرات المعاناة والموت والحقد والعداء .... فهل يسمعني احد أم أنها صرخة في صحراء ! ؟ .
إنها غزة اللعنة التي ستلعن حتما كل اللامبالين والمصابين بالعمى .
وصدق من قال :
يـا قصف كن بردا على يـا رب يا عالي السما رفقا بهم كـل الـبيوت تصدعت أركانها نـامـت خيول بني أمية عنوة ويح الضمائر هل غدت بسباتها والـغير يهنأ في القصور منعما يـا امـة الإسـلام أين زئيركم | أحبابنابـل شـعـبـنا في غزة لـم يـبـق غير زريبة لحمار مـن قـصـفـهم بقنابل ودمار والـشـعب يقتل ههنا بحصار والـطـفـل محروم بدون إزار خـيـر الـطـعام ولذة الكافيار هل من صلاح قد يعيد دياري ؟؟ | الثوار
*كاتب فلسطيني مستقل