على هامش تفجيرات أنفاق لندن

على هامش تفجيرات أنفاق لندن

م. حسن الحسن *

[email protected]

المكابرة لم ولا ولن تحل مشكلة، والأزمات تحتاج إلى معالجة لا إلى إنكار وجودها، وكل الشجب والتنديد والعويل والدموع المطلوب ذرفها، لن تغير من حقيقة وجود كل تلك المآسي التي تلفُّ الدنيا وتجتاح العالم الإسلامي تحديداً، بوحشيةٍ قلّ نظيرها، وعندما تُضرب أنفاق لندن وشرايينها الحيوية للمرة الثانية على التوالي في غضون شهرٍ واحدٍ، عندها لا بدّ لأصحاب القرار أن يتعاملوا مع الأمر بواقعيةٍ وعقلانيةٍ وحكمةٍ أكبر.

صحيحٌ أنه لا يستطيع أحدٌ أن يجزم بالجهات التي تدبر تلك التفجيرات أو تقف وراءها، إلا أنّ المسلمين سيلبسونها، فكلُّ أصابع الاتهام تتجه نحوهم، على الأقل، من باب أنهم أكثر من يملك المبررات التي تدفعهم للثأر والانتقام من الغرب عموماً، ومن بريطانيا وأميركا خصوصاً.

يقول عمدة لندن، كين ليفنجستون، "إن التدخل الأمريكي البريطاني لعشرات السنين في شؤون دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط، هو أحد الأسباب الكامنة وراء تفجيرات لندن، وأعتقد أننا شهدنا 80 عاما من التدخل الغربي في شئون البلاد العربية، بسبب حاجة الغرب إلى النفط، لقد نصبنا حكومات غير مفضلة، وأطحنا بأخرى، دون أي اعتبار أو تعاطف، ولو أننا وفينا بما وعدنا به العرب بعد الحرب العالمية الأولى، وهو منحهم حرياتهم، وتمكينهم من اختيار حكوماتهم بأنفسهم، ولم نتدخل في شئونهم، واكتفينا بشراء النفط منهم بدلا من إصرارنا على التحكم في تدفق النفط، فإنني أشك بأن هذه التفجيرات كانت لتحدث، فتحت الاحتلال الأجنبي، والحرمان من الحق في إدارة شئونك، والحرمان من الحق في العمل، فإنني أعتقد أن هذا لو حدث في إنجلترا، لظهر بيننا العديد من الانتحاريين".

وكلام عمدة لندن غني عن التعليق، والسؤال الذي يتردد هو، هل يسمع أصحاب القرار في بريطانيا هذه الكلمات من عمدة عاصمتهم!؟ فيرعوون عن سياساتهم الاستعمارية، التي تسببت بهدم دولة الخلافة الإسلامية، وبتقسيم بلاد المسلمين، وبمنح اليهود أرض فلسطين، وبنهب النفط ودعم حكامٍ هم شياطين في جثمان إنس، أم أنها ستسدر في غيّها كحليفتها أميركا، فتشن حرباً هوجاء على الإسلام والمسلمين، معللة إصابتها بالتفجيرات الأخيرة، بعدم بذلها وسعها في القضاء على ما تسميه "الإرهاب"!

كل المقدمات تشير إلى أن المؤسسة الحاكمة في بريطانيا، تعدّ حملة للسيطرة على الجالية الإسلامية الضخمة القاطنة فيها، والإطباق عليها تماماً، وقد أعدت القوانين المختلفة والخطط اللازمة لذلك، وذلك بوضع المسلمين تحت المجهر، وفرض خياراتٍ صعبة عليهم، ترهق من خلالها الناشطين في العمل الإسلامي المستقل عنها، والذي يعمل على تأطير الجالية المسلمة، بإخراجها من كونها أقلية عليها أن تذوب في المجتمع البريطاني، بربطها بالأمة الإسلامية وبقضاياها الكبرى، كفلسطين والعراق والشيشان وكشمير وقضية وحدة الأمة العقائدية والسياسية وغيرها.

ولذلك فإن المتوقع من الحكومة البريطانية، وهو ما تؤكده المعطيات التي بدأ فرضها في الواقع، وضع المسلمين في بريطانيا في أجواء ضاغطة تربكهم وتشل توجهاتهم نحو قضاياهم، وتدفعهم للاختيار بين أن يكونوا عيوناً وآذاناً للأجهزة الرسمية على بعضهم البعض، وبين الرحيل إلى بلدانهم الأصلية الخائرة والمنهكة بفعل السياسات الغربية فيها، وقد يختار البعض المواجهة الفكرية والسياسية لإثبات حقوقهم الإنسانية المشروعة في معركة هي غاية في الصعوبة، ستكون أشبه بتلك التي خاضها العبيد في أميركا، حيث يوجد على الأقل جيلٌ كاملٌ من المسلمين، من الذين ولدوا وترعرعوا في بريطانيا، ولا يعرفون لهم موطناً سواه، وهم من يشكل الغالبية العظمى من الجالية المسلمة اليوم.

والخلاصة تشي بأنّ الحكومة البريطانية لن تغير ولن تبدل من سياساتها الخارجية الاستعمارية، ولن توقف بالتالي تحالفها المقدس مع إدارة المحافظين الجدد في أميركا، التي تتمثل غايته بنهب العالم والهيمنة عليه، وبدلاً من اعتذارها للعالم على الشقاء الذي سببته له، وللمسلمين تحديداً على المآسي التي أغرقتهم فيها، بدلاً من ذلك سينصبّ جلّ همها على تأمين الأوضاع الداخلية، والتي ابتدرتها بالقيام باستنساخ تلك السياسات الاستعمارية الهوجاء في الخارج، لاستعمالها وممارستها على المسلمين في الداخل. ما قد يؤجج حالة الثأر والهيجان وسقوط أبرياء وضحايا لا ذنب لهم من كافة الفرقاء.

       

* نائب ممثل حزب التحرير المملكة المتحدة