الخادمات في البيوت العربية
الخادمات في البيوت العربية
زياد علي خليل الطويسي
في الوقت الذي بدأ فيه الإنسان بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الحياة تحمل معها ملامح جديدة ، لا سيما الانتقال بالكثير من الحاجات من دائرة الكماليات إلى دائرة الأساسيات ، بدأ مجتمعنا يشهد تطوراً ملحوظاً في هذا الجانب ، خاصة أننا من أكثر الدول تأثراً بالتطور والتقنية ، فحينما هبت رياح العولمة إلى عالمنا العربي حاملة معها التلفاز والهاتف المحمول والحاسوب والإنترنت وغير ذلك الكثير ، بدأت عربة الزمن توثق العلاقة بين الإنسان وبين هذا كله ، فأصبحت السيارة ضرورة كبرى والهاتف والتلفاز كذلك أيضاً ، لكن ثمة حاجات بدأت عند أناس معوزين لها ، وانتهت بشكل أشبه بالموضة ، (( الخادمة )) التي بدأت الكثير من البيوت تعج بها للحاجة أحياناً وأحياناً كنوع من التطور في مواكبة روح العصر والعولمة .
لقد بدأت النساء في إدخال الخادمات إلى بيوتهن حتى أصبح طموح كل امرأة ادخال هذه الخادمة إلى بيتها ، فوجود الخادمة في البيت حاجة للمساعدة بالأعمال داخل محيط الأسرة كمظهر خارجي ، لكن إذا بدأنا نتعمق في ذلك وجدنا أنه ضرب من الكسل والعجز واللامبالاة التي أصبحت تصيب الكثير من نساء اليوم كنتيجة كبرى من نتائج العولمة في المجتمع العربي ، إذْ ان مقياس عظمة المرأة وفخامة الأسرة تقاس بمقاييس مختلفة عن أي زمن آخر ، ووجود الخادمة في المنزل أصبحت إحدى أهم هذه المقاييس حسب اعتقاد من يعتقد بذلك .
فكثيراً ما نرى أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلين أو ثلاثة وأحياناً طفل واحد لا تخلو من وجود الخادمة ، التي أصبح لها دور كبير أيضاً في بناء الاقتصاد لدى بعض الشركات التي اتخذت من ترويج الخادمات تجارتها.
ويتمثل وجود الخادمة في بيوتنا في إفقاد جزء كبير وهام من الحنان والعطف والمحبة بين الأم وطفلها ، خاصة أن الخادمة أصبحت تقوم بجميع حقوق الطفل من ناحية النظافة والترتيب... وبقي للأم واجبان هما الإرضاع واللعب مع الطفل ، وخلال إطلاعي على أمثلة واقعية ، وجدت أن الكثير من الأطفال أصبح يثق بالخادمة ويفضلها أكثر من أمه بل ويفضل النوم بجوارها أحياناً .
وقد برزت الكثير من المشكلات اللا أخلاقية عند الكثير من الأسر وخاصة عند الأزواج والشباب بسبب وجود هذه الخادمة ، التي أصبحت مصدراً رئيسياً لتلبية رغبات المراهقين والشباب أكثر من أي وقت مضى ، هذا ولا ننسى أنها أصبحت سبباً من أسباب تقاعس المرأة وتباطئها في تأدية واجبها في الكثير من الأعمال وإفقادها جزءاً هاماً من مهاراتها لأنها ومنذ وجود هذه الخادمة في منزلها لم تعد تقوم بالكثير من الأعمال ، وأصبحت أعمالها في المنزل مقتصرة على مشاهدة التلفاز واللعب مع الأطفال والإطلاع على آخر ما توصل إليه المصممين العالميين من تصاميم الموضة والجمال ... حتى بلغ الأمر عند بعض الفتيات والأسر إلى وضع شرط على الزوج في عقد الزواج بوجوب وجود خادمة في المنزل عند تزويج الفتاة إلا أن هذا لم يبلغ أشده بعد .
لقد كانت الخادمة قديماً تعمل لدى الأسر النبيلة للقيام بالأعمال الكثيرة التي تكون لدى هذه الأسر ، أو في قصور الملوك الأمراء ، أو لدى المحتاجين من ذوي الاحتياجات الخاصة ، إلا أن هذا العصر بدأ يحمل معه ضروباً من البدع الاجتماعية التي لم تروى يوماً عن نبي أو صحابي أو تابعي أو زاهد إلا لحاجة ماسة .. واليوم أصبح وجود الخادمة في البيت يخرج من دائرة الحاجة إلى دائرة العادة أو ربما الغيرة.
*كاتب وشاعر أردني