المـرأة في مشـروع الإخوان السياسي
المـرأة في مشـروع الإخوان السياسي
خالد الأحمـد*
يظن بعض الناس أن الإخوان المسلمين متزمتين ، يتمسكون بعادات وتقاليد بالية لاصلة لها بالإسلام ، ويرون ذلك في موضوع المـرأة ، لذلك أردت أن أبين موقف الإخوان المسلمين من المرأة ، وبداية أقول هو فهم الإخوان المسلمين لموقف الإسلام من المرأة ، ومعاذ الله أن يتخذ الإخوان المسلمون موقفاً يخالف موقف الإسلام .
تطرق مشروع الإخوان السياسي للمرأة في الصفحة 48 : وخلاصة ما جاء عنها :
1ـ في لغتنا العربية نقول إنسان للرجل ، وإنسان للمرأة . [ وهذا إشارة إلى المساواة المطلقة في أصلها ومكانتها ووجودها ، مساواتها مع الرجل ] .
قال تعالى ] يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ... [ فالأصل واحد . يتماثلون في وحدة الجوهر ، ويتماثلون في استقلال الشخصية الإنسانية للمرأة كما هي للرجل ، ويتماثلون في حمل أمانة التكليف ، والتكليف الرباني تشريف للإنسان .
والتمـاثـل ليس تطابقاً ، وفي عالم الإنسان عامة لايوجد تطابق مثل تطابق المثلثات مثلاً ، أو تساوي طرفي المعادلة ، لأن الفروق الفرديـة سـمة بارزة في الإنسان ، ولكل إنسان صفات خاصة بـه تسمى شخصيته التي تميزه عن الآخرين ، بل إن كل محاولة لجعل الناس نسخاً مكررة متطابقة هي محاولة ديكتاتورية ظالمـة ، تسلب الإنسان حريتـه وتلغي شخصيته ، وتجعله رقماً في قطيع .
ومن مظاهر التمايز : التمايز النفسـي ( السيكولوجي ) بين الرجل والمرأة ، ( فقد خلقت المرأة لتكون أمـاً تعطي بلا حدود ، وبرضى تام ، بل بغبطة غامرة ، تعطي من جسمها ودمـها ونفسها وروحها ، من وجودها كله بلا من ّ ولا أذى ) .
والتمايز
آخر ماوصلت إليه الحضارة البشرية ، ففي المجتمعات القديمة البدائية ، لانجد حداداً ونجاراً وفلاحاً ... بل نجد صانعاً واحداً يعمل الحدادة البدائية والنجارة البدائية والفلاحة البدائية ... ولانجد مدرساً ، بل نجد الأب هو المدرس ، والولد يتعلم حرفة أبيه ، ثم صار التدريس يسند إلى رجال الدين ... أما في المجتمع المتحضر فنجد أصنافاً من الحدادين ، حداد يصنع الأبواب والنوافذ ، وحداد يصنع المحراث ، وحداد يصنع الأدوات المنزلية ... ومثله في النجار ، وكذلك نجد مدرس الرياضيات ، ومدرس اللغة العربية ، ومدرس اللغة الانجليزية ، ومدرس اللغة الفرنسية ، ومدرس الجغرافيا ..... ونخلص إلى أن التـخصص ميـزة حضاريـة وصل إليها الإنسان بعد أن عاش آلاف السنين يتعلم ويتقدم .
ومن هذا التخصص التمـايـز بين عمل الرجل وعمل المرأة ، فالمرأة أم أعدها الله عزوجل للأمومـة ، وزودهـا بماتحتاجـه لهذه المهمـة ، ومهمة الأمومـة أعظم من أي مهمة بشرية أخرى ، فالمهندس يصنع الأدوات ، ويبني العمارات ، والطبيب يعالج الأبدان ، والمدرس ينمي العقول ، والأم تربي الإنسان ( بـدنه ، وعقله ، وروحـه ) ، المصانع تصنع الطائرات ( وهو إبداع متقدم ) ، والأم تربي الإنسان الذي يقود هذه الطائرات . ومن هذا التمايز لباس المرأة : (و إن لباس المرأة في إطار من الحشمة جزء من شخصيتها العامة ، ولابد أن نـؤكد على أن تميز المرأة بلباس خاص يؤكد عفتها وحشمتها ويصون جسدها ، عن تقحم أعين فيها مرض ، يأتي مصداقاً لقوله تعالى : ] يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين [ .
ثم يأتي التكـامـل بين عمل المرأة وعمل الرجل ، عمل الأم وعمل الأب ، الأب يعمل خارج البيت ، ويجلب ما تحتاجه الأسرة ، والأم تعمل داخل البيت ، وكلاهما يهدف إلى تربية الجيل الجديد وإعداده للمستقبل.
( ونحن نعتقد أن البيت هو الميدان الأساس لعمل المرأة ، ولانرى في تفرغ المرأة لبيتها وأولادها تعطيلاً للجهد ، واستغناء عن نصف المجتمع ، وإنما نرى فيه نوعاً من التخصص في توزيع العبء) . ونحن لانطالب المرأة بالتفرغ لعمل البيت خوفاً عليها من الخروج للشارع فيتلقفها الذين في قلوبهم مـرض ، وإنمـا نريد منها أن تقوم بأعظم مهمـة ، وأنبـل عمل يقوم بـه الإنسان ، وهو التربـية ، بدليل أننـا لانمنـع بناتنا من العمل في مهنة الطب لحاجـة النساء إليهن ، عندئذ تضحي هذه المرأة المسلمة الطبيبة براحتها وتقوم بواجبها كأم وكطبيبة ، وكل ذلك على حساب راحتها وأولادها أحياناً ، ولكننا مع ذلك كله نقول يجب أن تكون عندنا المرأة الطبيبة ، والمرأة المدرسـة لحاجة المستشفيات ومدارس البنات إليهن ، وتخرج المرأة المسلمة من بيتها لتعمل خارج البيت في هذه الأعمال . ولابد من تخطيط للمجتمع كي نساعد المرأة العاملة على التوفيق بين واجبها الأول وهو البيت والأولاد ، وماكلفت بـه من عمل في الطب أو التعليم . ومن ذلك تخفيض نصاب المرأة العاملة [ راجع كتابي تربية البنات في البيت المسلم ] .
والمشكلة في أن الغرب لايرى عمل المرأة في البيت عملاً ، وقد صار تلاميذ الغرب في بلادنا ينعقون بهذه المقولة ، وهي أن المرأة التي تعمل خارج البيت تعمل ، والتي لاتخرج من البيت لاتعمل ، حتى صاروا يكتبون للمرأة التي لاتعمل خارج البيت في البطاقة الشخصية لها ، يكتبون عند خانة المهنة لاتعمل ، وأحياناً يضعون شرطة ، وفي حالات نادرة يكتبون ( ربة بيت ) .
وقد كنت مدرساً لعلم الاجتماع في سوريا، في ثانوية مختلطة يكثر فيها الفكر الماركسي في بداية عقد السبعينات ، ومن دروس علم الاجتماع للصف الأول الثانوي عمل المرأة ، وكان مؤلف الكتاب يطرح المشكلة بموضوعية جيدة ، وعندئذ قلت للطالبات ( وأنا أعرف أن أمهاتهن لايعملن خارج البيت ، لأننا في بيئة قروية ) ، وكانت إحدى الطالبات الماركسيات تناقشني وتؤكد أن المرأة يجب أن تعمل كي تكون إنساناً ، لأن العمل جوهر الإنسان ، والإنسان الذي لايعمل يفقد جوهره ، وهي متأثرة بجان بول سارتر من حيث تدري أو لاتدري ، قلت لهن : أمهـاتكن لايعملن خارج البيت ، وسـوف أصف لكم ( طلاب وطالبات ) نهاراً في حياة أمهاتكم ، فانتبهوا لي جيداً ،وأعطوني آذانهم فقلت :
هؤلاء الأمهات ينمن في الصباح حتى العاشرة ، وبعد أن تمل أجسادهن من النوم ، يتجمعن مع صاحباتهن ويلعبن بالورق ( طرنيب وباصرة وغير ذلك ) حتى يمللن من الورق ، ثم يلعبن بكرة الطائرة في منـزل إحداهن ، وربما يلعبن لعبة (الحرامية والشرطة ) ، ويفتشن عن ألعاب يقطعن بها الوقت ... فانفجرت إحدى الطالبات ولم تطق صبراً وقالت : يا أستاذ أنت تمـزح أم ماذا !!!؟ قلت لها : هل تعمل أمك خارج البيت ؟ قالت : لا ، قلت : إذن هكذا تقضي وقتها . قالت : لاوالله يا أستاذ هذا الكلام غير صحيح ، قلت لها : تـفضلي قولي الكلام الصحيح ، فقالت : ( وأنا والفصل كله آذان صاغية ) .
قالت : أمي تستيقظ قبل أفراد الأسـرة كلهم ، فتوقد المدفأة ، وتجهز لنا الإفطار ، ثم توقظنا في الوقت الذي حددناه لها ، فطالب الثانوي المجد قال لها : أيقظيني في الخامسة ، وآخر قال في الخامسة والنصف ، وثالثة قالت : في السادسة ، وهكذا توقظ كلاً منا حسب رغبتـه ، ثم تقدم لنا الإفطار ، وتساعدنا على الانطلاق إلى المدرسـة ، [ قاطعتها وقلت : ثم تنام حتى الظهر ] ، قالت الطالبة : لا والله يا أستاذ ، لاتنام ، تقوم بأعمال البيت الكثيرة من غسيل وتنظيف وكوي ، وإعداد طعام الغداء ، ولا تنتهي من ذلك إلا حيث نعود من المدرسة ، فنجد الطعام جاهزاً ، وتبقى والدتي في العمل طوال النهار ، ولاتنام إلا آخرنا ، وتتفقدنا قبل أن تنام ، وكما قلت تستيقظ أول فرد في الأسرة، وتنام آخر فرد فيها ، قلت لها : اصدقيني أيتها الطالبة ، وأنا الآن أصدق ماتقولينه ، اصدقيني أيهما يشقى أكثر أمك أم أبوك ؟ قالت : والله ياأستاذ أمي تشقى أكثر من أبي ، أبي يعود من عمله فيقرأ الجريدة أو يتابع التلفزيون ريثما يجهز الغداء ، وأمي لا أجد عندها دقيقة فراغ لتقرأ الجريدة أو تتابع التلفزيون . قلت لها : غريب !!! أمك هل تعمل !!؟ قالت : نعم . تعمل داخل البيت عملاً كثيراً وهاماً . قلت لها : وهل هذا يسمى عملاً !!!؟ ، وطرحت ذلك للتصويت فأيدني جميع الطلاب وقسم من الطالبات على أن هذا عمل ، بل عمل هام وأصرت الطالبة الماركسية على رأيها الذي صار زملاؤها وزميـلاتها يحقرونـه ويهزأون منها ومنـه . ( انظر كتاب : تربية البنات في البيت المسلم ، لخالد أحمد الشنتوت ) .
ولايمنع عمل المرأة في البيت أن تكون امرأة داعية ، وعاملة ، وأديـبة ، ومفتيـة ، وناخبـة ، ومنتخبـة . وخاصة عندما تتفرغ أو تكاد من الانجاب والحضانة ، وتتقدم في السـن ، فيفيض عندها الوقت الذي تصرفـه في الدعوة إلى الله بشتى أصنافها .
نعود إلى المشروع السياسي فيقول :
2 ـ يغشى وضع الـمرأة في عالمنا العربي ظلمات ثلاث :
أ ـ المخططات الغربية التي تريد إفسادها ، لتفسد المجتمع كله من ورائها .
وما أكثر هذه المخططات التي تنادي ومن ورائها إعلام الصهاينة والماسونية ، وأموالهم من أجل إخراج المرأة المسلمة من بيتها ، حيث وظيفتها التي خلقت من أجلها ، وحيث عملها الأهم ، وهذه المخططات تريد تخريب المجتمعات ، فالمرأة نواة الأسرة ، والأسرة نواة المجتمع ، وعندما تفسد النواة ، تمرض الفروع وسائر الأجزاء .
ب ـ وضع اجتماعي موروث يقيد الرجل بالتخلف والجهل ، ويكون أثره في المرأة أكثر تخلفاً وجهلاً .
وحتى وقت قريب نسمع من يمنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسـة ، خوفاً عليهن من الذين في قلوبهم مرض ، وهؤلاء يختارون الطريق السهل والذي لايكلفهم عناء ومشقة ، ولايتذكرون أنهم مكلفون شرعاًُ بتربية هؤلاء البنات ، كما يربون الصبيان ، وإن لم يفعلوا وقع الخلل في المجتمع ، وكان عليهم أن يبذلوا الجهود من أجل توفير مدارس للبنات ، وباصات تنقلهن إلى مدارسهن ، في مأمن من عيون الذين في قلوبهم مرض .
ج ـ اختلاط القيم الاجتماعية بالقيم الدينية بسبب الفهم المغلوط لطبيعة العادات :
ومن هذا الفهم المغلوط مضاعفة عقوبة المرأة ، و مسامحة الرجل ، فقد سـاد في كثير من مجتمعاتنا أن المرأة التي سقطت ووقعت في الزنـا ؛ يقتلها أهلها غسلاً للعار ، سواء كانت محصنة أم غير محصنة ، مع أن الشريعة الإسلامية تقرر الجلد للزاني غير المحصن ، أما العادات والتقاليد فتضاعف تلك العقوبة إلى القتل بيد أخيها أو والدها غسلاً للعار ، أما الرجل الذي زنى بهـا ، فلايعاقب سوى بالاستهجان والاحتقار ، ولايجلد ولا يقتل .
وقد سادت في الماضي القريب ؛ في كثير من مجتمعاتنا مفاهيم خاطئة ، منها أن يزوج الرجل ابنتـه دون استشارتها ، بل يرون من العيب استشارتها ، وفي أحيان قليلة ( سابقاً ) لو علم الأب رغبة ابنتـه في الزواج من هذا الرجل ؛ يقف الأب عندئذ مانعاً أمام هذا الزواج ، وهذا مما لاشك فيه مخالف لنصوص الشريعة الصريحة ، كما يخالف مقاصد الإسلام العظيم الذي احترم كرامة الإنسان ( ذكرأً أو أنثى ) .
ثم يمضي المشروع فيقول :
وعلى أساس هذه الركائز الثلاث من التماثل والتمايز والتكامل ، يقوم تصورنا لشطر الوجود البشري ، الذي تمثله المرأة ، وعلى أساس هذا التصور ؛ تتحدد مكانة المرأة في الحياة العامة ...فالبيت هو الميدان الأساس لعمل المرأة ، ولانرى في تفرغ المرأة لبيتها وأولادها تعطيلاً للجهد ، واستغناء عن نصف المجتمع ، وإنما نرى فيه نوعاُ من التخصص في توزيع العبء .
ولكن هذا الفهم لايعني أن نحجر واسعاً ، فالباب مفتوح لمشاركات المرأة ، ولاسيما أولئك اللاتي تسمح ظروفهن الشخصية أن يلجن أبواب الحياة العامة لتكون لنا : المرأة الداعية ، والأديبة ، والمفتية ، والناخبة ، والمنتخبة ، بل لامانع أن تكون المرأة قاضية أو مديرة أو وزيرة إذا كانت تملك المؤهلات المطلوبـة ؛ ولايوجد في الرجال من هو أفضل منها في الكفاءة والقدرات والخبرات .
*كاتب سوري في المنفى