العودة إلى البحرين

الحلقة الأخيرة من رسالة الصحفي العراقي

سلام الشماع إلى الرئيس الأسد

العودة إلى البحرين

سلام الشماع* - صحيفة المشرق العراقية

في هذا اليوم، وهو اليوم الثالث لي في هذا المحتجز السيء، أفلحت في أن أغفو قليلاً لكن جاء من الشرطة من يوقظني من نومي ويصطحبني إلى غرفة قريبة أخذوا فيها بصمات أصابعي العشرة بجهاز الكتروني والتقطوا لي صورة، كما يفعل تماماً مع عتاة المجرمين، أو الذين يعرضونهم في برنامج (احذروا هؤلاء).

الحقيقة، أني فرحت وفكرت أن ذلك سيكون في صالحي فقد يكونون قد اشتبهوا معي ولديهم بصمات الشخص المطلوب لهم، والبصمات لا يمكن أن تتشابه إذا تشابهت الأسماء والخلق، ولكن فرحتي لم تدم إذ أعدت إلى المحتجز، الذي حل فيه عراقيان أنست بهما وكانا ضمن الممنوعين مثلي من دخول سوريا..

كانت لأحد العراقيين الاثنين اللذين حلا معي في المحتجز المليء بأشخاص من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية، وهو طبيب أطفال، قصة مؤثرة، فهو شاب يحب بنتاً منذ اربعة عشر سنة واتفقا على الزواج قبل أن تذهب مع أهلها قبل سبع سنوات إلى السويد، وقد اتفقا على أن يلتقيا في سورية، فجاءت وجاء هو بالطائرة من بغداد، وقيل له إنك ممنوع من دخول سوريا منذ سنة..

وعبثاً حاول هذا الطبيب الشاب أن يفهمهم أنه كان في سوريا قبل شهر فكيف هو ممنوع منذ سنة، وأنه أنهى دراسته الجامعية في سوريا.

ولكن ممنوع يعني ممنوع على لسان الأمن.

وعبثاً أيضا حاول أن يلتقي أحد الضباط المسؤولين عن المحتجز ليتفهم ما عدّها مأساة، فلا تفصله عن الحبيبة إلا مسافة قصيرة جداً..

وهذا الشاب أوصل سماحة الشيخ جواد الخالصي مشكلته إلى مدير الهجرة والجوازات ووعده بأ ن يحلها... ولا نتيجة، إذ أعيد إلى العراق من دون أن يقول له أحد ما ذنبه وماذا جنى، ولِمَ تمنع السلطات السورية لقاءه بحبيبته؟

لقد تأثرت بقصة هذا الشاب وطلبت من رقيب شرطة أن يأخذه لمقابلة حبيبته التي يمكن أن تأتي إلى المطار، ولكن رقيب الشرطة قال إن أحداً لا يمكنه أن يفعل ذلك حتى الضابط المسؤول في المطار، على الرغم من أن مكان اللقاء المفترض كان على بعد أقل من عشرة أمتار!!!.

أردت أن أهرب مما أنا فيه من هم وحيرة، فما وجدت أمامي إلا الانشغال بقراءة ما مكتوب على جدران المحتجز فوجدت أن هناك من قضى أشهرا فيه وترك مذكراته على الحائط فهانت مصيبتي أمام مصيبته.

كتب أحد المحتجزين بيت الشعر القائل:

هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم

وكتب آخر مثلا يقول: (الدينار آخره نار والدرهم آخره هم)، ويبدو أن هذا المحتجز كان يريد أن يغمز الحراس في المطار الذين حاولوا أن يأخذوا منه شيئاً لا يملكه.

وكتب آخر، يبدو أنه جزائري: (عاشر الأسد لو ياكلك ولا تعاشر النذل اللي غدر بيك.... الجزائر بلاد الحرية).

وآخر فلسطيني كتب: (سجين فلسطين لجأ إلى سوريا بسبب الحصار على غزة.. سجن في 8/5/2009 علشان تهمتي فلسطين والله يساعد اللي يدخل بعدي للسجن).

هذا الفلسطيني هو الوحيد من كتب ما يسلي من نزل بعده في هذا المحتجز ويعزيه.

وقرأت مجموعة من الأدعية أيضاً كلها تتوسل بالله سبحانه وتعالى أن يفك حجزهم وسجنهم.

هذا المحتجز يدخله يومياً أكثر من أربعين عربياً وأجنبياً يومياً لذلك استغربت وأنا أقرأ تصريحاً لدولة رئيس مجلس الوزراء السوري المهندس محمد ناجي العطري في صفحات جريدة سورية وصلت إلينا في المحتجز يقول فيه بأنه يأمل أن يصل عدد السياح الذين سيفدون على سوريا هذا العام إلى ستة ملايين سائح.. فكيف تفد هذه الأعداد من السياح إلى بلد يعتقل الفرد من دون سبب أو بالخطأ والاشتباه أو لأمور لا تستوجب الاعتقال.. وكيف يأمن المرء على نفسه، وإذا كانت سوريا الحبيبة تتمنى أن تستقبل هذه الاعداد كلها فإن عليها أولاً أن تعالج هذا الخلل في أجهزتها الأمنية كما يريد سيادة الرئيس بشار الأسد ويطمح.

قضيت يومي بالرتابة نفسها وباستقبال أنباء بالهاتف عن قرب حلول الفرج وأنباء أخرى عن فشل جهود من يحاول تخليصي من هذه الورطة، وفي ساعات الصباح الأولى غلبني النعاس فنمت لأصحو على صوت رقيب وهو يناديني ويدعوني لأحمل حقيبتي التي أحملها معي وأتبعه، وسألته عن حقائبي الأخرى التي فيها دوائي، فأخبرني أنها حملت إلى الطائرة التي ستعيدني إلى البحرين.

وأوصلني إلى الطائرة التي نقلتني إلى البحرين، وفيها استمعت إلى قصص عن سوء المعاملة من أشخاص مسافرين، حتى أن أحدهم قال إن كل من يدخل إلى سوريا ومن فيها ملعون، بدليل الحديث المروي عن النبي محمد (ص): لعن الله الراشي والمرتشي.. فكان ردي عليه المثل العراقي (لو خليت قلبت).

كان العديد من هؤلاء المسافرين قد تعرضوا أو عرضوا إلى مواقف مع الشرطة لا يمكن حلها إلا بدفع مئات أو آلاف الليرات السورية.

وفي المطار اكتشفت أن الرقيب كذب عليّ فحقائبي لم تحمل في الطائرة وكان عليّ أن انتظرها ثلاثة أيام أخرى، والحمد لله فقد كانت لدي في شقتي في البحرين أدوية بديلة استعملتها وإن لم تكن بكفاءة أدويتي التي في الحقيبة ولكنها قللت من آلامي شيئاً ما.. وكان هذه آخر ما استطاعوا فعله معي.

وأود أن أقدم شكري لوسائل الإعلام والمؤسسات الإعلامية والصحفية التي تناقلت خبر احتجازي وفي مقدمتها منظمة كتاب من اجل الحرية والمركز السوري للاعلام وحرية التعبير الذي اتصل به الزميل شاكر حامد ومرصد الحريات الصحفية وشبكة الاخبار الكردية وموقع الجيران التابع للجمعية العراقية الكويتية ومركز القادسيتين للدراسات والبحوث القومية، ووكالة الأنباء الوطنية العراقية (ونا)، وجريدة الدفاع وقنوات الجزيرة والشرقية والعراقية الفضائية ووكالة الانباء الوطنية العراقية وموقع كلنا شركاء وصحيفة الامة العراقية وكروب صيدلية بغداد، وكل من اتصل بي من العراق وأنحاء العالم ليطمئن على سلامتي، وكل من بذل مجهودا في سوريا من أجل قضيتي، وخصوصاً سماحة الشيخ جواد الخالصي وآية الله العظمى السيد أحمد الحسني البغدادي، وآخرين ربما أكون قد نسيتهم فالتمس منهم المعذرة.

هذه قصتي ـ يا سيادة الرئيس بشار الأسد أضعها أمام سيادتك ليس لغرض تعويضي عن الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدتها، وإنما لتتعرف على بعض ما يجري للعراقيين الذين لجأوا إلى بلدكم بصفته قلعة العروبة الوحيد بعد احتلال العراق في 9/4/2003.

وأعتذر من كل من سببت له المتاعب، فقد نقل لي أن كل من سعى من أجل حل مشكلتي التي إلى الآن لا أعرف سببها، قد تعرض للمساءلة والعتب الشديد من جهات رسمية في سوريا.

وتبقى:

بلادُ العُربِ أوطاني     مِنَ الشَّامِ لِبغدانِ

ومن نَجدٍ إلى يمنِ      الى مِصرِ فتطوانِ

فلا حدٌّ يُباعِدُنا           ولا دينٌ يُفرقنا

لسانُ الضاد يَجمعُنا     بغسانِ وعدنانِ

بلادُ العُربِ أوطاني     مِنَ الشَّامِ لِبغدانِ