عودة المواطن السوري المنفي قسريا
ليس منحة، بل حق له كفله الدستور
الطاهر إبراهيم *
لا ينكر أحد من المواطنين السوريين أن التجربة المرة التي عاشتها سورية بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين كانت تجربة قاسية بكل المقاييس. وقد أدركت جماعة الإخوان المسلمين حجم المرارة التي عاشها المواطن، بغض النظر عمن يتحمل وزر تلك الأحداث، فقامت بمراجعة داخلية معمقة أعادت فيها حساباتها عبر العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي. وكانت نتيجة هذه المراجعة أن الجماعة أصدرت "ميثاق الشرف" في 3 أيار 2001، ضمنته رؤيتها لمستقبل سورية السياسي، حاولت فيه أن تقطع، - من خلال رؤيتها- بين سورية الحاضر والمستقبل وبين سورية "الثمانيات"، لأن الحفر في الماضي لا يزيد النفوس إلا تشنجا وشحنا.
وخلافا للمواقف الوطنية التي أعلنها الإخوان المسلمون رافضين فيها أي عدوان قد تشنه إسرائيل ضد سورية، فقد أوردت وكالة "قدس برس" في المقابلة التي أجرتها في 15آب الجاري مع "عمران الزعبي" عضو مجلس الشعب السوري (تعليقا منه على بيان مجلس شورى الإخوان المسلمين الذي انعقد مؤخرا) زعم فيها"أن الإخوان اقتربوا من الموقف الأمريكي في المرحلة الصعبة التي أعقبت احتلال العراق"، دون أن يقدم أي دليل على مزاعمه. ولا يدري المراقب السياسي عن أي اقتراب للإخوان المسلمين مع الموقف الأمريكي يتحدث الزعبي، وهو يعرف مدى العداء الذي كانت تكنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الإخوان المسلمين في كل الأقطار العربية.
وخلافا لمزاعم الزعبي، فقد أعلنها الإخوان السوريون صريحةً مدويةً رفضَهم لأي خطوة من شأنها أن تساعد واشنطن في تقويض أمن سورية، مهما كانت الخصومة بينهم وبين النظام السوري. بل إن الإخوان السوريين ذهبوا أبعد من ذلك عندما قالوا في بيانهم الذي صدر عن مؤتمر إشهار "المشروع السياسي لسورية المستقبل" الذي انعقد في لندن في شهر ديسمبر عام 2004، بقولتهم الشهيرة التي سارت مضرب الأمثال: "إنه لا يستقوي بالأجنبي على الوطن إلا من هانت عليه نفسه".
ويبقى قول الزعبي لا مصداقية فيه عندما زعم أنه: "من الناحية القانونية والسياسية، -إن- سورية لا تمنع أحدا من مواطنيها من الدخول أو الخروج منها لأسباب سياسية، والأشخاص الوحيدون المستثنون من ذلك هم المتابَعون في تهم قضائية جنائية". وإذا كان ذلك صحيحا، فلِمَ إذن بقيت أسرٌ سورية كثيرة - فيها نساء وأطفال- عالقة على الحدود العراقية السورية بعد الاجتياح الأمريكي للعراق في نيسان من عام 2003، ومن دخل بدون موافقة فقد اعتقل؟ وقد حوكم بعضهم بموجب القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. مع ذلك فإن الزعبي عندما سئل عما إذا كان هذا يعني أن القانون 49 الذي يقضي بإعدام كل من ثبت انتماؤه للإخوان المسلمين لا يحول دون عودة رموز الإخوان؟ قال: "القانون 49 في سورية ليس مفعّلا، ولم يتم تنفيذ حكم الإعدام لأسباب سياسية، إلاإذا كانت هناك أفعال جنائية بمعنى التفجير والاغتيال". وإذا كان ذلك صحيحا فلمَ لا يلغى هذا القانون الظالم إذن؟
من جهتهم فإن المعارضين الإسلاميين الذين يعيشون في الخارج لا يعتبرون ما أدلى به "الزعبي" يعبر عن موقف النظام، إذ لا صفة رسمية له يعتبر معها ناطقا رسميا باسم أي جهة رسمية أو حزبية. وهو الذي يؤكد دائما –بحسب ما نقلته بهية مارديني في 26 تموز 2009 في إيلاف- أنه: "لا يسرب لي أحد المعلومات، ولا يملي علي أحد ما أقوله أو لا أقوله لا من جهات أمنية أو حزبية أو حكومية. لم يحاسبني احد أو يسألني لماذا قلت هذا أو لماذا لم تقل ذلك ". وبهذا المفهوم، فأقصى ما يمكن اعتبار الزعبي أن يكون ناطقا باسم أحد فروع أجهزة الأمن، كما جاء في توصيف "قدس برس" له في مقدمة الخبر الذي أشرنا إليه آنفا: بأن الزعبي خبير أمني سوري.
تصريحات عمران الزعبي لقدس برس في 15 آب الجاري، ومن قبلها تصريحه إلى الصحفية "بهية مارديني" ونشر في إيلاف في 26 تموز الماضي حفلت بمغالطات كثيرة، يتحمل وزرها وحده. فمع أن الزعبي امتدح ما جاء في بيان مجلس شورى الإخوان المسلمين، إلا أنه عاد ليصب زيتا على النار، فيذكّرنا بأحداث الثمانينيات، التي يحاول الجميع أن يتناسوها ويفتحوا صفحة جديدة. وكأنما أراد أن يلقي تبعة تلك الأحداث على طرف دون الآخر، وهو ما لم يزعمه أي طرف محايد ولم يتم التحقيق فيه والتأكد منه حتى الآن.
وسواء كان الزعبي ناطقا رسميا باسم النظام أو غير ناطق كما زعم للصحفية "بهية مارديني"-بحسب ما ورد في إيلاف- فيبقى السؤال الكبير:إلى متى يبقى مئات الآلاف من السوريين –إسلاميين أو غير إسلاميين- ممنوعين من العودة إلى وطنهم، وهو ما يعتبر حقا طبيعيا لكل مواطن ولد على أرض سورية من أبوين سوريين؟ إن وضع شروط على عودة أي مواطن إلى سورية، كأن يفرض عليه العودة من خلال البوابة الأمنية، يناقض نصوص الدستور السوري الذي تم اعتماده في عهد الرئيس الراحل حافظ أسد في عام 1973.
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى وعضو جبهة الخلاص الوطني